الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق..الوضوء بالدم

اسعد الامارة

2005 / 5 / 17
الارهاب, الحرب والسلام


لايختلف الناس كثيراً في ارجاء الوطن العربي والامة الاسلامية ، بأن العراق بلد التاريخ والحضارات ، بلد الخير والمياه والانهار والاراضي الزراعية الخضراء والنخيل حتى سمي بأرض السواد لكثرة ما فيه من ارض خضراء كادت ان تلون تربة الارض بالسواد ... ولايختلف الناس كثيراً عن تاريخه الدموي عبر التاريخ ، ففي العراق بنيت الحضارات الاولى على جماجم الناس وارادة البعض ، وفي العراق بزغ اوائل المفكرين عبر حقب التاريخ من الاشوريين والسومريين حتى الحضارة الاسلامية ...
هذا العراق الذي يمتد في التاريخ عمقاً ، وفي الجغرافية طولا وعرضاً ، وفي التكوين الاجتماعي فلسفةً، وفي البناء السيكولوجي ثقافة وادباً وعلماً ، عاش الالم والدم معاً ، فلا حضارة تبنى دون ان تراق معها دماء ، ولا تحرير دون ان يلاقى ضده معارضة ، ومن المعارضة تتكّون المقاومة ، ومن المقاومة يظهر الارهاب والشواذ والانحراف ، ومنها ايضاً يكون الوضوء بالدم والذبح وبعدها الصلاة لطلب الغفران من الخالق الكريم ، لاندري من جريمة القتل ، ام قبول الفعل بصورته البشعة !! انها تسوية غير موفقة بين قطبي الصراع : الايمان بالله ونقيضه في القتل ؟ وهل يستقيم البناء النفسي بالايمان بطريقة الوضوء بالدم ، وهل هي تسوية موفقة كما يراها البعض لاستعادة المجد الغابر بوساطة الجهاد المزعوم؟ انها تساؤلات غير مجدية ، بلا اجابات مقنعة الا في عقول من تعرض لغسيل الدماغ ، وهو مبحث خاص يعرفه معشر السيكولوجيين اكثر من غيرهم ...
اننا امام ازمة انسانية حقيقية في الدين الاسلامي وفي الوجود الانساني تشغل بال الانسان المسلم المعاصر في ارجاء المعمورة كلها ، اننا نعيد تفسير فكر بفكر مفكر آخر ، ومن هنا ينبغي الحذر في القول بأن مفكراً اسلامياً بعينه قد سبق مفكراً آخر فيما ذهب اليه الاخير ، لاننا لو فعلنا ، وقعنا في خطأ عظيم ، به نعزل موضوع التشابه في الفكر الاسلامي من سياق اطاره الاصيل المتمثل في كتاب الله العزيز وسنّة رسوله وتفتيتها الى مذاهب وشعّب وتوابع .. حتى نجيز لانفسنا ان نطلق على هذا ما نشاء وعلى ذاك ما نريد من تسميات انطلاقاً مما نعتقد به حتى ولو كان متطرفا او متشددا في القومية او السياسة او الدين.
ان نظاماً جديداً يصطنع منهجاً دينياً يفضي الى سنّة جديدة تدعو المسلمين الى الوضوء بالدم ، هو شقاء المسلم في ايمانه واحواله تناظر حيرة الاديان عبر الازمنة الغابرة وبداية تفتيتها ، ولكن كيف يكون الخروج من هذا الشرك ذي الدلالة السالبة !!!
اعتقد ان البشريه لكثرة ما عانت من حروب والالام وفواجع باتت تحسب لكل منهج جديد حسابات الفوائد المتحققة منه ،ليس ماديا فحسب بل انسانيا حتى وان تعارض ذلك مع شئ من اطراف المعتقد وقوة الاستفادة من التجارب السابقة ، ولكن البعض في العراق جبُل على العنف وزادته بيئته عبر السنوات الخمس والثلاثين الماضية تمرغا في القسوة والاستبداد وكأن الامر محاكاة القاتل باشد عنفا منه، انها مصيبة يمر بها هذا الشعب المظلوم اليوم وامس ولا ندري كيف سيكون الغد لا سيما ان حوافز الانفعالات المؤلمة وقوة تأثير القسوة ما زالت طاغية في هذا العراق الدامي حتى بات يتسلل العنف الى التفكير والى المشاعر ،ولا ندري لماذا يؤدي بعض الناس المتطرفين شعائرهم الدينية وهم على علم تام بانها لاتنهي عن الفحشاء والمنكر ،ويعرف كل المؤمنين ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، واذا هي لم تكن كذلك فما فائدتها؟ولم يؤديها المؤمن او المتشدد، هل اصبحت عادة ، ام كما نعرفها ويعرفها ابسط البسطاء من الناس بانها عبادة،فهي ان كانت كذلك فأنها سوف تزيد المتطرف تطرفا وتزيد المتعصب تعصباُ وتجعل من المظلوم اكثر تعرضا للمهانة والانسحاق ، ومن الطاغية اكثر تجبرا وتمسكاً بلغة القتل ليس في الخفاء كما كان يفعل النظام السابق في عهد الدكتاتورية ، انما في العلن في هذه الايام كما يفعل الرفاق في الاجهزة الامنية والمنظمات الحزبية والامن الخاص سابقا والمجاهدين حاليا مع شلة لم تجد في النص القرآني غير ما حملت انفسها من مرض وينطبق قول الله تعالى عليهم : وفي نفوسهم مرضاً وزادهم الله مرضاً. انهم جماعات المقاومة والارهاب الذين كانوا وما زالوا مرضى النفوس والعقول ، اليس الذي يقدم على الانتحار يعاني من مرض عقلي وهو بالتحديد مرض الاكتئاب حصراُ ، وهو على علم بما ستأول اليه الامور لديه ..الى الموت حتماً ، هو يقتل نفسه وهو امر ضد مشيئة الله وهو يعتقد تماماً ان الحياة الدنيا لا تساوي شيئاً وبات من اللزوم ان ينهي حياته تخلصاً من شدة الذنوب التي يعاني منها ، وهذه الذنوب تشكل له معاناة كبيرة لا يشعر بها غير مرضى الذهان وخصوصاً الاكتئابي . اليس الله يمنح العقل لعباده الاسوياء وممن برأوا من امراض التطرف الديني والتعصب العنصري والتشدد السياسي ، اليس العقل هو قمة الابداع عند الكائن البشري وبه يختلف عن البهائم من الكائنات الحية الاخرى ؟ فلماذا اذن يتوضأ مرضى التشدد والتعصب بدماء الابرياء من ابناء هذا الشعب الذي عانى ويلات الازمات والحروب والدكتاتورية وحكم التفرقة في كل شئ ابتداءاً من التفرقة في المذهب الى الدين الى الانتماء الجغرافي ..الخ ،راح البعض من المتشددين يحتفلون بدماء العراقيين ويتطايرون فرحا بالمقاومة وما تفعله بهذا الشعب المغلوب على امره وتذكرنا هذه المشاهد بفرح الطاغية الذي ظل يتباهى بعدد القتلى والمعارك والحروب التي خاضها في حياته.
ترى الدراسات النفسية ان الراشد العدواني يحس عادة بمظاهر عدوانيته وهو لا يفجرها الا في اوضاع معينة ، هذه الاوضاع تجد التحفيز من الاقران حتى تبدو لديه نزوة الموت هي السائدة والمسيطرة على كل تفكيره وسلوكه ، وهو عدوان بحد ذاته موجه نحو الذات وهو قد يحدث نتيجة لكبت او لقسوة في الضمير او قمع نفسي داخلي يهيمن على كل مجريات التفكير ، وهكذا يؤدي بهذا المؤمن المتعصب المتشدد في ذبح نفسه وايقاع الخسائر باكبر عدد من الابرياء من العراقيين تنفيذاً لتوجيهات قادة القمع والكبت والتسلط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مناظرة تبادل الاتهامات بين بايدن وترامب | الأخبار


.. انقطاع الكهرباء في مصر: السيسي بين غضب الشعب وأزمة الطاقة ال




.. ثمن نهائي كأس أوروبا: ألمانيا ضد الدنمارك وامتحان سويسري صعب


.. الإيرانيون ينتخبون خلفا لرئيسهم الراحل إبراهيم رئيسي




.. موريتانيا تنتخب رئيساً جديداً من بين 7 مرشحين • فرانس 24