الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرواية والتقنيات التكنولوجية

حسين رشيد

2013 / 8 / 28
الادب والفن


الرواية والتقنيات التكنولوجية


حسين رشيد
1
يبدو ان التطور الهائل والسريع في المنظومة الالكترونية، الاتصالية والمعلوماتية، وانعكاسه الكبير على مجمل نواحي الحياة المختلفة والمتعددة، السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والاجتماعية، مع بروز ونشاط كبير، لمواقع التواصل الاجتماعي ممثلة بفيسبوك وتويتر بشكل خاص، ودورهما في الربيع العربي وثوراته، من خلال الدعوات السريعة الى الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات المليونية، التي تعجز كل وسائل التبليغ الحزبي المعروفة العمل بذات الفعالية. بالاضافة الى دور الهاتف النقال عبر ارسال الرسائل القصيرة، او الاتصال المباشر في ذلك. سوف لن يتوقف هذا التطور عند حد معين، فالاختراعات والابتكارات الالكترونية لاجهزة الاتصال والمعلوماتية بسباق وصرع ساخن ودائم، لانتاج اجهزة بميزات ومؤهلات وتقنيات مميزة، يمكن لها ان تؤدي الكثير من المهام في وقت واحد، ومن جهاز واحد، مع توفير كل اشكال وانواع الخدمات الالكترونية الاتصالية والمعلوماتية، الامر الذي يجعل من هذه الاجهزة أداة لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة.
هذا التطور فرض علينا اعادة ترتيب اورق رزنامتنا اليومية، في كيفية توزيع اوقات اليوم وساعاته، التي باتت تتقلص بشكل سريع، نظرا لاتشابك الاشياء بمجملها العام، والاتصالية والمعلوماتية بشكلها الخاص. فالهاتف النقال بات من المستلزمات اليومية الضرورية جدا، مع مطالعة البريد الالكتروني، الايميل، كذلك التواصل مع الاصدقاء والمعارف في كل ارجاء المعمورة عبر الفيسبوك والتويتر، اضافة الى الالتزامات الحياتية الاخرى الاجتماعية والعائلية والوظيفية.

2
وفق ما تقدم يتبين لنا مدى الاختلاط والتشابك اليومي ما بين الاشياء والالتزامات المختلفة والوقت الذي بات سيفا قاطعا حتى لو قطعته. والتأثير الكبير لمنظومة الاتصال المعلوماتية في العصر الحالي على سائر مجالات الحياة المذكورة آنفا، يضاف لها التاثير على الثقافة، بشكلها العام عبر سرعة نشر افكار وآراء الثقافات الاخرى في كل الارجاء، وبشكلها الخاص الادب سوا كان شعرا او سردا، والارتباط مع سرعة العصر التقنية، والتداخل اليومي الذي نعيشه. والذي فرض علينا الكثير من الاشياء والامور التي لم تكن بالحسبان، والتي لم يستوعبه البعض من الادباء والكتاب بشكل سريع، الامر الذي جعل بينه وبين ما يكتبه وينتجه من اعمال ادبية، سردية روائية على وجه الخصوص، وبين الاخر المتلقي والقارئ حاجز، قد يمنعه من مواصلة القراءة لتلك الاعمال، بسبب تقنيات كتابية كلاسيكية، تعتمد على الحوار بشكل كبير، اضافة الى التعقيد والغموض واللف والدوران، والسرد والوصف الكثير الغير مبرار احيانا، الامر الذي جعل من هكذا اعمال، مملة، ولايمكن التواصل معها بشكل سهل وسلسل، يمنح الغاية والمتعة القراءية في الوقت ذاته.

3
الناس عامة تختلف نسبة القراء بينهم، من قراءة الصحف والكتب والمجلات او التصفح الالكتروني، الذي بات وسيلة اخرى منافسة للمطالعة الورقية المعهودة، من خلال الفسحة الغير محددة التي يتيحها هذا التصفح. اختلاف هذه النسبة والتطور في المنظومة الاتصالية والمعلوتية، وتشابكها مع الوقت والالتزامات الاخرى، فرض علينا الانتباه الى الكتابة الادبية، وخاصة السردية منها. ممثلة اولا بالرواية من ثم القصة، والقصة القصيرة جدا، التي يتنبأ لها ان تكون فن المستقبل الادبي، لملاءمتها روح العصر السريعة.
فعصرنا الادبي الحالي ولو صحت تسميته العصر التقني، هو غير عصر هيمنة الايدلوجية على الادب، او عصر التجريب، وحتى عصر التحديث والحدثة القريب منه، بشكل او باخر. فمن غير المعقول في وقتنا وعصرنا هذا، قراءة رواية من 300 او 400 صفحة وربما اكثر، تذكرنا بالرواية الكلاسيكية المعهودة، التي باتت من التراث الادبي العالمي، فقبيل هذا العصر كان من الممكن لاي شخص قضاء ساعات طوال من اليوم بالقراءة، من دون ان يؤثر عليه شيئا او يقاطعه احد، الا اذ كان حدث طارئ او ماشابه في البيت او خارجه، اذا كانت القراءة في المكتبة العامة. كما من الممكن التعايش مع احد شخواص العمل الادبي الممثل بالرواية، ومتابعة وملاحقة الاحداث والتطورات وما ينتج عنها، وخاصة ما يتعلق بالبطل او الشخص المتعايش معه، وقد يصل الامر في احيان الى التعلق به. يجري كل هذا والقارئ في اتصال قرائي دائم مع العمل وشخوصه وشواخصه المتعددة. كذلك الامر مع الحوار، فقد يتمكن القارئ من متابعة حوار البطل او شخصيته المفضلة في العمل الروائي باتقان جيد نظراً للاستمرار في القراءة، واحيانا يصل الامر الى حفظ الحوار.

4
اما في عصرنا هذا عصر التقنيات والتخصص والعولمة، بات الامر يختلف كليا وجذريا عما كان عليه. فالوقت غير ذاك الوقت قبل سنين، والالتزامات والاهتمامات تنوعت وتشعبت وتشابكت فيما بينها، اضافة الى هيمنة التقنيات الاتصالية على حياتنا. وحتى لو رتبنا اوراق الرزمنة اليومية وخصصا وقت للقراءة والمطالعة، اعتقد انه من غير الممكن ترتيب الحياة التقنية، وخاصة التعامل الدائم مع الهاتف النقال. وبالذات حين تكون القراءة مع عمل روائي يعتمد على الحوار المتعدد الاشخاص، وقصير الجملة. فقد يسبب الامر ارباكا او ملل من الاستمرار في التواصل القرائي، مع رنات الهاتف النقال، المعلنة استلام مكالمة او مسج، الامر الذي يتطلب وقت للرد عليهما، وقد يتكرر الامر اكثر من مرة، لذا اعتقد قد تكون هناك صعوبة في استرجاع احداث وحوار الاوراق المقرؤة من الرواية، وربما يتنهي الحال، بقطيعة مع القراءة والحوار، او صعوبة التواصل معهما، بسبب تقنية الكتابة السردية للعمل التي هيمن عليه الحوار، والتشابك والتداخل غير المجدي.
فالسرد اليوم، وخاصة الرواية والقصة، لابد ان يأخذ بالحسبان تطورات العصر واختلاف المفاهيم، وتنوع الاهتمامات. هذا الامر اخذ بالحسبان عند الكثير من كتاب السرد في العالم حيث يعمل على الكتابة السردية اليومية، سريعة الاحداث والتطوارت، والتي تعتمد على كفاءة وقدرة الكاتب على جعل القارئ يتواصل مع العمل، من خلال السرد المباشر للحدث والمكثف جدا، مع دخول التقنيات السردية الحديثة، وربما يدخل الحوار مرات قليلة، قد تكون بعدد اصابع اليد الواحدة وعند الضرورة فقط.

5
في الفترة الاخيرة، شهد المشهد السردي العراقي، صدور العشرات، اذا لم تكن المئات من الروايات والمجاميع القصصية. والتي تتفاوت من ناحية الجودة الادبية والتقنية والفنية، اضافة الى اهمية ما تناولتها من احداث ومتغييرات. الا ان اغلبها وخاصة ما كتب في الداخل، ظل معتمدا على الحوار والتشابك والتداخل غير المنظم للاحداث والذي يصل الى مستوى ضياع الحدث الرئيسي، واحيانا الثرثرة غير المبررة، اذ وقع العديد منهم في فخ التقليد الاعمى للسرد الكلاسيكي، الامر الذي جعل من الاستمرار القرائي مع الكثير من هذا الاعمال صعب. هذا مع الاعتماد على الذاكرة الشخصية او الحكاية المناطقية البعيدة في الكثير من تلك الاعمال، علما ان القليل منها جدا عالج او مر على احداث التغيير النيساني عام 2003، وهنا ايضا هناك اشكالية كبرى في كيفية عدم الانصياع الى العرق او الانتماء الطائفي والمذهبي، والابتعاد عنه في الكتابة.
هذه الاسباب وغيرها جعلت الرواية العراقية غير مقروءة شعبيا خاصة في عصرنا التقني هذا، الا بعض الاعمال التي استطاعت ان تتماشى مع العصر، وتمسك خيوط التقنيات السردية الحديثة، وتبتعد عن التقليدية والكلاسيكية، اضافة الى اهمية الحدث او الصرع المتناول فيها، والذي يشكل عاملا مهما، تعول عليه الرواية في الوصول الى الجميع، ادباء ونقاد وقراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي