الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواجهة الإخوان من الجغرافيا إلي التاريخ

أحمد الخميسي

2013 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ربما يكون تفريق مظاهرة أو فض اعتصام بشري أسهل من تفريق فكرة وفض اعتصام فكري. قد نتمكن بالغاز المسيل للدموع من تفريق المظاهرة. لكن لتفريق فكرة سنحتاج لعمل مختلف ثقافي وسياسي طويل الأمد. لقد تم فض الاعتصام البشري في رابعة والنهضة. لكن الاعتصام الفكري يتجاوز الجغرافيا إلي التاريخ، ومجابهته معركة تستلزم تخطيط وقوات من الكتاب والمثقفين ومدفعية من الرؤى وذخيرة كلمات حية، وتلك هي المهمة الأصعب في تقديري. ومع أن " الرحمن الرحيم " تأتي أولى صفات الخالق عز وجل، إلا أن الإخوان اعتمدوا تفسيرهم كمجموعة بشرية للدين وقدموا ذلك التفسير بصفته الإسلام، وهو لايزيد عن تصور بشري معين تطرحه جماعة بعينها ويتناقض حتى مع تصورات أخرى لجماعات إسلامية مغايرة مثل السلفيين وغيرهم.
إن اعتصام الإخوان الفكري أشمل وأبعد من اعتصامهم البشري في مكان بعينه. إنه اعتصام داخل العقول، ولا سيما في الريف المصري والمناطق الفقيرة من المدن. هناك حيث كما قال ابن رشد " لكي تخدع جاهلا عليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني". وإذا أردنا أن ننتقل من المواجهة الجغرافية للإخوان إلي المواجهة التاريخية معهم فإن علينا أولا وقبل كل شيء أن نضع في الدستور مادة واضحة تحظر تكوين جماعات سياسية على أساس ديني. وأن تتم محاكمة الإخوان سياسيا وليس جنائيا فحسب. فليست تهمة المرشد العام وزملائه الرئيسية هي التحريض على القتل وبث الكراهية، تلك تهم جنائية، أما تهمته السياسية فهي تهديد السلم الاجتماعي وأمن الوطن والعمل على هدم الوحدة الوطنية وتعريض الأمن القومي للخطر. ومن دون محاكمات سياسية علنية للإخوان سنظل أسرى الإطار الجغرافي والجنائي للموضوع. وتعد حالة المعزول محمد مرسي نموذجا للتعامل الجنائي وليس السياسي مع القضية. فالتهمة الموجهة إليه هي الهروب من سجن النطرون، بينما تهمته الحقيقية السياسية هي دعم العمليات الإرهابية في سعيها لشق الوطن بتأجيج الفتن الدينية والطائفية. إن محاكمة الإخوان علنا وعلى أساس سياسي سيوفر فرصة نموذجية لتعرية الطبيعة الفكرية الإرهابية للإخوان، وأساليب عملهم التي لا تربطها صلة ب " آليات الديمقراطية " التي يتباكون عليها، وسيساعد الكثيرين من البسطاء على إدراك جوهر تلك الجماعة التي نجحت في تشويه صورة الإسلام كما لم تفعل جماعة من قبل.
وإذا نجحنا في وضع قضية الإخوان كقضية سياسية وليست جنائية فقط ، وإذا نجحنا في تضمين الدستور حظر مثل تلك الجماعات، وإذا نجحنا في تنظيم مواجهة ثقافية جادة ، فإننا نكون قد قمنا بالخطوة الأولى فحسب في الانتقال من الجغرافيا إلي التاريخ. أما الخطوة الحاسمة ، الأكبر والأهم ، فهي القيام بتغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بحيث يتطابق وآمال الناس في حياة كريمة أو يقترب من تحقيق بعض تلك الآمال. لابد أن نقدم للناس ما يجعلهم يعقدون المقارنة بين حكم الإخوان والحكم الجديد، بين عجز الإخوان عن حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وبين نجاح الحكم الجديد في حل تلك المشكلات أوجزءا منها. لابد أن نقدم للناس بأمثلة عملية في الواقع المحدد ما الذي يمتاز به الحكم الجديد عن حكم الإخوان. أي أن تقوم الحكومة الجديدة بحل مشكلات المرور والبطالة والإسكان والفقر وتدهور مستوى التعليم والتفاوت الصارخ في الدخول. أن يتحمل الحكم الجديد عبء استنهاض الصناعة الوطنية والزراعة والبحث العلمي وتوفير العلاج والعمل والكتاب وبطاقات دخول المسارح والمكتبات والحدائق العامة. حينئذ فقط سيقارن الناس بين برنامج الإخوان الذي لم يمنحهم شيئا وبرنامج الحكم الجديد، وحينئذ فقط سينفض الناس عن الإخوان فكريا، وحينئذ فقط نكون قد نجحنا في تفريق الفكرة وفض الاعتصام الفكري. أما أن نترك كل تلك المعضلات التي يرزح تحتها المواطن المصري كما هي من دون حل، فإن ذلك يعني فعليا أننا قمنا بفض مظاهرة مسلحة لا أكثر ولا أقل، بينما مازالت الفكرة ترعى في الظلام والفقر والجهل، ومازال اليأس الخادع يقدم نفسه للناس باعتباره الأمل الصادق. ومادام في مصر إنسان في الشارع يرفع يده بأصابعها الخمسة إلي فمه لسائقي السيارات الملاكي إشارة إلي جوعه وحاجته، فسيظل الجوع يلوذ بفكرة يائسة، هذه الفكرة أو تلك.

**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاملات منزليات مهجورات في شوارع بيروت | الأخبار


.. استمرار القتال والقصف بين حزب الله وإسرائيل • فرانس 24




.. -وُلدت خلال الحرب وقُتلت بعد أشهر-.. جدة تنعى حفيدتها بعد غا


.. ضربة قاصمة لحزب الله.. هل تعيد تشكيل مستقبل لبنان؟




.. عادل شديد: استمرار المواجهة سينعكس سلبا على المجتمع الإسرائي