الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضعف الأميركي

محمد سيد رصاص

2013 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تعاني الولايات المتحدة الأميركية في هذه الأيام من "عقدة العراق"،في أعراض تشبه ماعانته في عهد كارتر(1977-1981)بعد هزيمتها في فيتنام بربيع عام1975،قبل أن يأتي ريغان(1981-1989)ويقلب موازين الحرب الباردة لصالح واشنطن ويضع موسكو في موضع التراجع الدولي(1987-1988)قبل أن تنهار كتلتها الاقليمية في شرق ووسط أوروبة بخريف1989ثم يلحقها انهيار البناء الداخلي للاتحاد السوفياتي وتفككه في الأسبوع الأخير من عام1991.
يمكن ملاحظة هذا الوضع الأميركي المستجد في عهد أوباما منذ توليه منصبه في الشهر الأول من عام2009:لم يعد هناك سياسة هجومية أميركية كمارأيناها منذ ريغان،ولم تعد توجد قدرة عند واشنطن على ممارسة وضعية(القطب الواحد للعالم)كماحصل في حرب 1991بالخليج وحرب كوسوفو1999وغزو العراق 2003. أكثر من هذا انتفى عند السياسة الأميركية الغطاء الأيديولوجي الذي كان لها مع (الليبرالية الجديدة للمحافظين الجدد)التي تم التسويغ من خلالها بعد (11سبتمبر)للهجومية الأميركية على الشرق الأوسط ل"إعادة صياغته" بعد أن كان مصدراً لكرات اللهب التي أصابت العاصمتين الاقتصادية والسياسية للعالم في ذلك اليوم السبتمبري من عام2001.
أكثر من هذا،يمكن أن يلاحظ على إدارة أوباما انكفائية نحو الداخل، تذكر بانكفائية أميركية كانت مع (مبدأ مونرو-1823)ولم تنكسر إلامع انخراط واشنطن في قضايا القارة العجوز عبر دخولها الحرب العالمية الأولى عام 1917 ، يعزوها البعض إلى الأزمة المالية- الاقتصادية التي انفجرت بنيويورك في أيلول2008ثم امتدت لأوروبة بدءاً من2011،في تعاكس مع سلوك الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت(1933-1945)الذي كانت الأزمة المالية – الاقتصادية العالمية،البادئة أيضاً بنيويورك في تشرين أول1929،دافعاً عنده للتغلب على النزعة الانعزالية الأميركية ،التي استيقظت من جديد بالعشرينيات عقب الدخول الأميركي في حروب ومشاكل الأوروبيين،ولقيادة الجهد ضد هتلر واليابانيين ليس بعد (بيرل هاربور- 7كانون أول1941)وإنما قبله ولكن عبر أشكال خفية مع انكلترا(منذبدء الحرب الثانية في 1أيلول1939) ومع موسكو(مع بد الهجوم الهتلري على الاتحاد السوفياتي- 22حزيران1941).
على الأرجح أن هذه الانكفائية عند أوباما لاتعود لماجرى في نيويورك بأيلول2008وإنما لتداعيات فشل الاستراتيجية الأميركية في العراق لما لم يؤد ارسال مئات آلاف الجنود الأميركان لبلاد الرافدين إلى الوصول لتحقيق هدف جعل بغداد بوابة "لإعادة صياغة"منطقة الشرق الأوسط بأكملها سياسياً – أمنياً – اقتصادياً- ثقافياً،كماصرح كولن باول قبيل أسابيع من بدء الغزو يوم19آذار2003،وإنما لأن تظهر واشنطن بمظهر (المحتل الفاشل) الذي لايملك (استراتيجية اليوم التالي) لسيطرته العسكرية على الأرض،مماأدى لفقدان الزمام السياسي(وكذلك الأمني) من يدي الأميركي في العراق المحتل،حيث قاد فقدان سيطرته على المجريات العراقية في (مرحلة مابعد9نيسان2003)ليس فقط لعدم قدرته على تحقيق استراتيجيته الاقليمية (التي ظهرت ملامح منها مع القرار 1559الخاص بلبنان- 2أيلول2004، ثم في وضع طهران بين كماشتي الأميركي في كابول وبغداد) وإنما كذلك في خروج واشنطن صفر اليدين من العراق عند انتهاء الانسحاب الأميركي في آخر يوم من عام2011وتحوله إلى دائرة النفوذ الايراني عبر قوى محلية عراقية موالية لطهران فازت في الانتخابات، وهو ماأدى بالنهاية إلى نشوء وضع اقليمي جديد بالمنطقة جعل طهران "دولة اقليمية عظمى" من خلال كسر الأميركي عبر غزو واحتلال2003 لماكان يسميه صدام حسين ب"البوابة الشرقية للوطن العربي" ،وإلى درجة وصلت فيها السياسة الأميركية، منذ استراتيجية كوندوليسا رايس عقب حرب 2006 : " معتدلون ضد متطرفين"،إلى رسم سياسة اقليمية أميركية تهدف إلى محاربة وضع اقليمي قادت أيادي الولايات المتحدة لصنعه وبنائه من خلال ماجرى في العراق المغزو والمحتل،عندما يمكن أن ينطبق ايرانياً على الأميركي ماقاله ماركس عن بسمارك عند تحقيق الوحدة الألمانية عام1871:"إنه يقوم بجزء من عملنا".
يعزز هذه الأرجحية ماجرى من سياسة أميركية عقب "الربيع العربي":لم يكن عند واشنطن استراتجية للبناء عليها،كماجرى عند انهيار أبنية داخلية عدوة لواشنطن (الكتلة السوفياتية – خريف1989)أوحليفة(الديكتاتويات العسكرية بأميركة الجنوبية بين عامي 1983و1990- فيلبين ماركوس1986- النظام العسكري بكوريا الجنوبية 1987)،لماتبنت واشنطن بعهد ريغان ،وبعده بوش الأب، راية (الديموقراطية السياسية واقتصاد السوق) لسفينة سياستها الخارجية تجاه ملاقاة تطورات تلك البلدان مع بناء فكري- سياسي يصل إلى مرتبة الأيديولوجيا من خلال (الليبرالية الجديدة الممزوجة مع نزعة المحافظة الجديدة) التي طرحتها (مدرسة شيكاغو)منذ الستينيات والتي هي أبعد من رؤية اقتصادية ضد الاتجاه الكينزي لتصل إلى بناء فلسفي يمزج ليبرالية جون ستيوارت ميل مع اتجاه محافظ واجه فلسفياً ثورة1789الفرنسية من خلال الانكليزي وليام بيرك وكتابه "تأملات في الثورة الفرنسية". مافعله أوباما ،بعد تخبط اشترك فيه مع الفرنسيين في رسم سياسة متسقة تجاه الثورة التونسية،كان اللحاق بالتطورات المصرية في مرحلة مابعد ثورة 25يناير ولم يكن عنده استراتجية لملاقاة تطورات داخلية في بلد حليف محوري بالاقليم،حيث تخبط وجرى وراء الأحداث ولهث راكضاً وراء ثلاث سياسات متناقضة في سبعة عشر يوماً:(بقاء مبارك مع تجميلات على النظام- خلافة عمرو سليمان لمبارك مع تنحي الأخير- ثنائية العسكر والاخوان). في اليمن والبحرين رسمت الرياض السياسات ثم قامت واشنطن باللحاق بها. في سوريا مابعد 18آذار2011كانت ملاقاة واشنطن للأزمة السورية أقرب إلى اللاسياسة،وقد تركت أنقرة- باريس- الدوحة تدير الملف،قبل أن توكله للرياض لكي تنوب عن الغرب الأميركي – الأوروبي والخليج بعد أن تم اقصاء أميركي منذ اتفاقية موسكو في 7أيار2013لكل من تركية وقطر عن الملف السوري،بالتوازي مع طلاق الأميركان مع (الاخوان المسلمين) بعد زواج بدأ في مرحلة مابعد مبارك قبل أن يتحطم منذ أيلول2012في (محطة بنغازي) وبعدها (مالي) ثم (بوسطن)في أواسط نيسان،وليكون أحد أعمدة اتفاقية موسكو تحجيم واقصاء الاسلاميين قبل أن تبدأ الترجمة في اسطنبول والدوحة و من ثم في قاهرة3يولية2013عند حصول الانقلاب العسكري على مرسي،والذي كانت ملاقاة أوباما له،رغم الغطاء الأميركي منذ البداية للسيسي،تتسم بالتلعثم السياسي في تنفيذ سياسة مقررة أميركياً وتحاول أن تعطي الشيء ونقيضه وخاصة مع جريان الدماء المصرية على أيدي الانقلابيين في عملية هي أقرب إلى غسل اليد الأميركية من الدماء المشتركة مع الجنرال المصري.
لم تستطع واشنطن استثمار"الربيع العربي"،لتعزيز مواقعها الاقليمية في الشرق الأوسط وتعويض تراجعاتها بين عامي2007-2010، من خلال استثمار تطورات داخلية لترجمتها في الاقليم ثم دولياً،كماجرى من قبل بوش الأب ضد موسكو في خريف1989،بل استطاعت موسكو كسر الأحادية القطبية من خلال الأزمة السورية التي تحولت إلى ساحة للمجابهة المباشرة بين الكرملين والبيت الأبيض لأول مرة في مرحلة مابعد نهاية الحرب الباردة،فيمافرضت طهران نفسها وأيضاً عبر الأزمة السورية طرفاً رئيسياً في الطاولة الدولية- الاقليمية،التي هي على الأرجح رباعية :واشنطن- موسكو- طهران- الرياض،لرسم خريطة النفوذ في اللوحة الشرق أوسطية القادمة.
كل ماسبق يطرح العديد من الأسئلة:لماذا لم تنجح واشنطن في إدارة عالم مابعد عام1989عندما أصبحت قطباً أوحد للعالم،رغم نجاحها في كسر موسكو وهزيمتها بالحرب الباردة البادئة بين القطبين منذ عام1947؟................. هل انعزاليتها أقوى من عالميتها؟.... ثم: لماذا كانت لندن أنجح من واشنطن في مرحلة 1763- 1945رغم محاولة نابليون بونابرت كسر قيادة لندن للعالم ثم الألمان بعد عام1871؟.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى