الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا علماؤنا يفشلون؟

داود روفائيل خشبة

2013 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كيف حدث هذا؟ قيل إن لجنة العشرة التى أوكل إليها تعديل مواد الدستور تشكلت من خبراء على أعلى مستوى من العلم والخبرة، فكيف جاءت الوثيقة التى انتهوا إليها بهذا الهزال والضعف والتخبط، حتى قوبلت برفض شبه إجماعى وانهالت عليها الانتقادات من شتى الهيئات والجهات والشخصيات العامة؟
(قبل أن أمضى فيما أنا بصدده من حديث دعونى أعترف وأعتذر عن خطئى فى التسرع بالتعليق على بعض مواد التعديل المقترحة ، فقد استندت إلى نص ناقص نشِر فى إحدى الصحف فجاءت تعليقاتى العجلى ضعيفة وغفلت عن أخطر ما كان يستدعى التعليق ويستوجب الاعتراض.)
أعود فأتساءل: كيف حدث أن لجنة من عشرة خبراء قانونيين خرجت علينا بمشروع دستور ليس أفضل كثيرا من الدستور المعيب الذى رفضناه؟ لكنى لا أريد التحدث عن هذه اللجنة تحديدا وعن عملها، إنما أريد أن أتناول قضية أعمق وأبعد مدى. لماذا يحدث هذا عندنا، أن خبراء مشهودا لهم بالمكانة العلمية يأتى عملهم أقل قيمة وأدنى مستوى مما ينتظر منهم؟
فى رأيى أن السبب هو بالضبط كونهم خبراء ولا شىء غير خبراء. المشكلة فى ثقافتنا. المشكلة أننا نظن أن العالم عليه أن يستوعب ما انتهى إليه العلم فى مجاله الذى تخصص فيه، ويقف عند ذلك الحد.
لننظر إلى حكوماتنا المتعاقبة على مدى عقود وأجيال، نجد أن كل وزير من وزرائنا يكون كقاعدة عامة شخصا مشهودا له بالعلم والخبرة فى مجال تخصصه، ومع ذلك فإن حكوماتنا، كقاعدة عامة أيضا، لا تنجز شيئا يستحق الذكر. هناك أسباب عديدة لكنى أتحدث عن واحد من أكثرها خطرا وخطورة.
فكرة العالِم عندنا فكرة بائسة من جهتين. العالم فى نظرنا هو أولا شخص يعرف كل ما وصل إليه العلم. بينما العالم الحق هو الذى يجهل ويعرف أنه يجهل. العالم الحق هو الذى يعرف ما الأسرار التى لا يزال العلم يصارعها. بغير هذا لا يمكن أن يتقدم العلم وبغير هذا لا يمكن أن يأتى العالم بجديد. وهذا العيب فى فهمنا للعلم والعالم هو نتاج منظومتنا التعليمية كلها. هذا من جهة. من جهة أخرى، نحن نظن أن العالم ليس مطالبا إلا بأن يكون عالما بما يدخل فى مجال تخصصه. لهذا يكون العلماء والخبراء عندنا ضيّقو الأفق. لذلك هم لا يملكون رؤية. هم محض عارفين وليسوا مثقفين.
كم من علمائنا يقرأ فى غير تخصصه؟ كم من علمائنا قرأ شيئا من شعر أبى العلاء المعرى؟ كم من علمائنا قرأ شيئا من شعر صلاح عبد الصبور؟ كم من علمائنا قرأ إحدى محاورات أفلاطون؟ بل حتى داخل نطاق العلوم، كم من علماء الطبيعة عندنا يستطيع أن يحدثك عن نظرية داروين فى أصل الأنواع؟ أم كم من علماء النيورولوچيا عندنا يعرف شيئا عن نظرية النسبية أو عن ميكانيكا الكوانتم؟
أذكر أن زكى نجيب محمود روى واقعة ذات دلالة. حكى أن شاعرا من أصدقائه أعطاه بعض النسخ من مجموعة شعرية له ليحاول توزيعها بين معارفه وزملائه فى الجامعة. يقول زكى نجيب محمود إنه عرض المجموعة الشعرية على أحد الأساتذة الجامعيين فإذا بالأستاذ يردّ فى تعجب واستنكار: "إنت مش عارف إن أنا علمى؟"
هذا هو داؤنا. نحن لا نعرف ما الثقافة. وبغير الثقلفة لا تكون رؤية. وبغير الرؤية لا يكون تقدّم. لهذا تخرج علينا لجنة من خبراء قانونيين مرموقين بمشروع قانون ليس فيه إحساس بحاجات الناس ومطالبهم، لأن خبراءنا القانونيين للأسف قد تقوقعوا وانعزلوا ولم يعودوا من الناس.
القاهرة، 29 أغسطس 2013


داود روفائيل خشبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - علماء الدس تور
مرتضى رضا ( 2013 / 8 / 29 - 20:31 )
عن اي علماء تتكلم يا روفا،عن اي قوانين تتكلم،عن اي دستور تتكلم؟؟؟ ثم تطلب منهم ان يقرءوا عن دارون ومارون واخنتانون وخراشوف وغرباتشوف وعادلامامتشوف وفيفياعبتدشوف،اصحى يا هويذا!!!انت لابد تفهم ان الدساتير (العربية)اما عبرية او غربية او شيوعية مسلفنة وعلماءك ليس عليهم سوى التوقيع والبصم عليها فقط وهي في الاول والاخر مجرد حبر يسكوب على ورق يرجع اليها لاثارة الفتن والانقسامات،او لموافقة الطغاة واهوائهم وميولهم فيحرمون ويحللون حسب ديمقراطيتهم المعفنة والجاهزة لاجتثاث من يخالفهم او يعترض طريقم في اهانة شعوبهم واحتقارها لتكون بهائم طائعة وخاضعة وجاهزة للذبح،والركوع والسجود للقائد الملهم والضرورة والاله الورقي.شكرا اعتقد ان مقالي غير صالح للنشر لانه لا يداهنك يا داوود.

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -