الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الذي يمتلك العالم؟ (5)

نعوم تشومسكي

2013 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


(ترجمة: حسام عامر، إعداد: ربيع منصور)



هنالك عدة أدوات أخرى متردية، قوانين محدثة ومصممة لكي ترفع أسعار الأدوية وسلع أخرى بشكل هائل، وأبحاث تنموية وأساليب استحواذية لاغناء القطاع الخاص. أصبح ذلك ذا أهمية واضحة منذ السبعينيات، عندما حدث التغير الكبير في الطريقة التي يعمل فيها الاقتصاد في ذلك الوقت. منذ ذلك الحين أصبح ذلك ذا أهمية واضحة بالنسبة الى مؤسساتنا المالية. هنالك دور للبنوك في اقتصاد رأس مال الدولة، اذ على سبيل المثال، ما يفترض أن يفعله البنك هو أن يأخذ أموالك المودعة ويقرر أن يديّنها لشخص ما يريد فعل شيء بها، أن يريد شراء سيارة مثلا أو ارسال الأبناء الى الجامعة أو بدء مشروع ما أو شراء منزل. أيا يكن ذلك تلك هي وظيفة البنوك، وكانوا قد أدوا هذا الدور بشكل جيد خلال فترة النمو الكبير والتي تسمى أحيانا العصر الذهبي في الخمسينيات والستينيات والتي تُعتبر فترة نمو هائل ومساواة جيدة الى حد بعيد.
ذلك ما كانت تفعله البنوك في ذلك الوقت، كانت تشريعات النيو ديل (النيو ديل: معناها الحزمة الجديدة وهي حزمة من البرامج الاقتصادية التي جاءت استجابة للكساد الكبير وتركزت على ما أسماه المؤرخون بالاغاثة والانعاش والاصلاح) ما زالت سائدة وتتضمن عددًا مناسبًا من القوانين الضابطة، لذا لم يكن هنالك أزمة مالية. منذ السبعينيات تغير كل ذلك، حدث انهيار ضخم لمؤسسات مالية كرست في المقام الأول للتلاعب المالي. ألقي نظرة على صفحات الأعمال في صحيفة النيويورك تايمز اليوم، هنالك حوار مهم حول اذا ما كان يجب أن يكون هنالك بعض القوانين الضابطة على التبادل التجاري الآلي السريع جدا. أنتم تعلمون، انه بالامكان وقف مبادلة تجارية خلال جزء من الثانية أو شيء من هذا القبيل، وربما بذلك تطرد شخصا آخر، والتي تسبب كل أنواع المشكلات وأوروبا وأستراليا وكندا تحاول فرض هذا النوع من القوانين، أما الولايات المتحدة ما زالت متخلفة عن الآخرين لكن هنالك الكثير من هذا مع قدوم العام 2007. المؤسسات المالية وصلت حرفيا الى أربعين بالمئة من أرباح الشركات.
ما تأثير هذا على الاقتصاد؟ في الواقع، قبل الانهيار الأخير كان هنالك دراسة قليلة لهذا، السبب أنه كان هنالك عقيدة اقتنعوا بها والعقيدة هي أن الأسواق تعرف ما هو الأفضل لذا كان عليها أن تكون ساعية وراء المنفعة، لذا، اذا ما كنت اقتصاديا مدربا بشكل جيد فقط لا تقم بالنظر اليها بعد الانهيار. كان هنالك بعض التغير في المزاج نوعا ما وهكذا قام اقتصاديون عالميون بارزون بكتابة - أنا أقتبس- "أن هنالك اجماعا متزايدا بين الاقتصاديين على أن هنالك حاجة الى رقابة تحوطية قليلة على الأسواق المالية، هنالك اعتراف متزايد أن نظامنا المالي يجري في دورة قدرها الفشل ومتى ما فشلت نعتمد على الأموال غير المشروعة وعلى خطط مالية لانقاذه. هذا الجواب يُعلم القطاع المالي درسا، شارك بمقامرات ضخمة لكي تجني دفعات سخية ولا تقلق بشأن التكاليف، سيتم دفعها من قبل دافعي الضرائب عبر عمليات الانقاذ وخسارتهم لوظائفهم، والنظام المالي سيبعث من جديد ليقامر من جديد وليفشل مرة أخرى".
أنا أقتبست من بيري ايكنجرين وسيمون جونسون، كلكم تعرفون انهما اقتصاديان من بين أكثر الاقتصاديين الماليين العالميين احتراما، النظام حلقة موت بكلمات الموظف في بانك اوف انجلاند والمسؤول عن الاستقرار المالي. بعد الأزمة عدد من الاقتصاديين البارزين جدا بدأوا بالكتابة عنها. هنالك اصدار لصحيفة اميريكان اكاديمي اوف ارتس اند سيانسس والتي ضمن مقالات كتبها بينجامين فريدمان من هارفرد وروبرت سولو من ام اي تي والحائز على جائزة نوبل، كلاهما اشار الى أنه لم يكن هنالك الكثير من الدراسات حول تأثير المؤسسات المالية. لم يقولوا ما السبب لكن السبب هو تلك القناعة، وبدأوا بالقول أنه اذا ما نظرت اليها بتمعن تبدو وكأنهم يفرضون تكاليف هائلة على الاقتصاد. المعلق المالي الأكثر احتراما في العالم المتحدث بالانجليزية مارتن وولف الذي يكتب في صحيفة الفاينانشل تايمز ذهب الى أبعد من ذلك وقال "القطاع المالي الذي لا توجد سيطرة عليه، يأكل اقتصاد السوق الحديث من الداخل، كما تقوم يرقة دبور العناكب بأكل المكان الذي نمت فيه" (تقوم أنثى دبور العناكب عادة بلدغ العنكبوت وهو في جحره مما يصيبه بالشلل ومن ثم تضع بيضها فوق العنكبوت المشلول وبعد أن يفقس البيض تتغذى اليرقات على العنكبوت المشلول).





* لا يمكن الوثوق بالبنوك كما تدار بشكلها الحالي*




البنوك وكما تدار بشكلها الحالي لا يمكن الوثوق بها في تأدية أي دور هام في المجتمع. بنوك اليوم تمثل تجسيدا لسلوك يسعى الى الأرباح قدر المستطاع والذي فيه يكون السؤال الوحيد من قبل كبار الموظفين هو: ما الذي يمكنني الاستيلاء عليه من دون التعرض الى المحاسبة؟ من قال ذلك ليس المتحدث باسم حركة "احتلوا" occupy، انه الصحافي المالي الأكثر احتراما في العالم المتحدث بالإنجليزية، المحافظ مارتن وولف. في الواقع، هنالك دراسة من قبل اثنين من أهم الاقتصاديين، أحدهم الحائز على جائزة نوبل بول رومر والثاني هو جورج اكيرلوف اللذين وجدا أن الاستراتيجية الأكثر ربحا للمديرين التنفيذيين في البنوك الكبرى هي نهبها عبر دفع مكافات ضخمة لأنفسهم وهم على دراية تامة أن الحكومة أي دافعي الضرائب سيتحركون لانقاذهم من الافلاس. ذلك كان قبل عشرين سنة، ان الحال اليوم أسوأ بكثير.
هنالك بعض المبادرات التي تحاول معالجة هذا لكن يتم التغلب عليهم ودحرهم من قبل جيوش من اللوبيات (اللوبيات: جماعات الضغط).
كان هذا الحديث عن الغانميين. ماذا عن الصانعين؟ أي العمال الذين هم تحت هجوم مستمر. السياسات المالية والسياسات التجارية مصممة على تقويض التصنيع لتضع العمال بحالة تنافس بين بعضهم البعض حول العالم مع الفقراء لدفع الرواتب تجاه الانخفاض. في الوقت الحالي يقومون بحماية الموظفين أصحاب المناصب العالية، حيث يمنحون كل أنواع الحماية ومن غير المفترض أن تتنافس الاتحادات العمالية تحت هجوم هائل ومستمر منذ الأربعينيات. لكن في الفترة الأخيرة كان الهجوم قاسيا جدا. جرى اخبار أصحاب العمل أن بامكانهم بشكل واضح انتهاك القوانين أت ويل (أت ويل:هي نص عقد العمل على اعطاء صاحب العمل الحق في طرد الموظف من العمل من دون الحاجة الى ابداء أية أسباب) وبالطبع هم يتبعون ذلك -كان ذلك ريجان- مما أدى الى مضاعفة حالات فصل الموظفين من العمل ثلاثة أضعاف وبشكل غير قانوني. أضاف كلنتون منهجه الذي كان يسمى نافتا (نافتا: اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة). أعطت نافتا فرص لأصحاب العمل ليقوموا بالتهديد بنقل المصانع الى المكسيك من أجل ايقاف الاضرابات. بالطبع ذلك غير قانوني لكن عندما تكون بصدد دولة اجرامية لا ضير في خرقك للقوانين. وفقا لدراسة أعدتها النافتا أدى ذلك الى زيادة حادة جدا في عدد الاضرابات التي أوقفت بشكل غير قانوني والآن عمليا لا وجود لهذه الاضرابات.
في القطاع الخاص انخفض عدد النقابات لنسبة وصلت الى سبعة بالمئة تقريبا. قام عمال القطاع العام بحماية أنفسهم الى هذه اللحظة لكنهم تحت هجوم هائل. الوقت غير كافٍ للحديث عن ذلك لكن علي ذكر أن أوباما مشارك في ذلك. كل ذلك كان يتسارع تحت رد يميني عنيف، رد عنيف ضد الستينيات.
وقع في بداية السبعينيات تغير كبير في طبيعة الاقتصاد نحو الممولة (فاينانسيليزاشين: عملية يحدث فيها تحول النشاطات الاقتصادية من انتاج البضائع الى المتاجرة بالسندات المالية) مما أدى الى ما قمت بوصفه والى نقل الأعمال الى خارج البلاد. أدى ذلك وبسرعة الى تركز الثروة وتركز الثروة يؤدي الى تركز القوة السياسية، تقريبا كانعكاس لذلك، وأدى ذلك الى تشريعات لتعزيز العملية، أي الدورة الفاسدة كتقليص القوانين الضابطة للسياسات المالية والكثير من القوانين التي تفرضها الشركات، لذا تستمر الدورة الفاسدة وتؤدي الى ما يقوله شعار حركة "احتلوا" والذي أصبح الآن منتشرا، تميز الواحد بالمئة عن التسعة وتسعين بالمئة. في الواقع، الواحد في المئة خطأ انها أقرب الى عشرة بالمئة مقابل البقية. في الحقيقة اذا القيت نظرة على توزيع الدخل مركز بشكل كبير في جزء من الواحد بالمئة بيد رؤساء تنفيذيين ومديري صناديق تحوطية وما الى ذلك وبالنسبة الى دخل الأغلبية فهو في ركود وانخفاض. في الوقت الحالي تكاليف الانتخابات ارتفعت بشكل كبير. قدمت المحكمة العليا مساعدتها فقط مرتين (قامت المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 2010 برفع الحظر عن الحد المالي الذي يسمح للشركات المساهمة به في دعم الحملات الانتخابية).
هنالك دراسات عن حصيلة ذلك من قبل علماء سياسيين جيدين جدا. آخر دراسة في كتاب جيد لمارتن جيلنس يُستنتج فيه أن سبعين بالمئة من الشعب لا يؤثرون في رسم سياسات الحكومة. تلك عبارته. في الوقت الحالي يحصل الأغنياء على ما يريدون وآلية حدوث ذلك بالتأكيد غامضة.
بالنسبة الى الاحزاب السياسية هنالك اختلاف فالجمهوريون. سابقا تخلوا عن التظاهر عن كونهم حزبا برلمانيا عاديا. انهم فقط متفانون في ترديد خطابات يقوم جميعهم بترديدها جنبا الى جنب من أجل خدمة الأثرياء وقطاع الشركات. لا يمكنك الحصول على الأصوات في هذه الحالة، لذا كانوا مجبرين على حشد قطاعات من الشعب. لطالما كانت هذه القطاعات موجودة دائما وهي قطاعات أساسية لكن لم يجر حشدها سياسيا من قبل. (يتبع)




*نص محاضرة أُلقيت في جامعة ماساتشوستس في السابع والعشرين من أيلول 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟