الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأخير العدالة؛ظلم آخر..لو تعلمون

علي شايع

2005 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ازدادت التقولات في عيوب الحكومة العراقية الجديدة،وها نحن نقبلها على علاتها أملا ورغبة لكمال سياسي يجلب الأمن كمحصل أولي، عبر وسائل وإبتكارات أجدها في ميسور فعل تلك الحكومة..ولكن..
ها يزداد حزني وحزن من أقرأ لهم أو أسمع تعليقاتهم عن ما آل إليه الوضع من تفاقم للعيوب ..
ولم أر في عيوب الناس ..عيباً كنقص القادرين على التمام..قالها المتنبي.
وأرددها حزينا: فلم أر عيبا أشدّ من تواني الحكومة الجديدة وقد نالت مكانها باختيار الأغلبية،وهي إلى الآن لا تحير حراكاً حقيقاً يسهم في إنجاز مطالبَ شعبيةٍ ملحّة طال في أنفس العراقيين أملها، وصار تأخيرها رديفا لنقص القادرين على التمام.
مطلب شعبي أولي يأتي بالمرتبة الثانية من أمنية استتباب الأمن، هو إحقاق العدالة بمحاكمة المتهمين من النظام السابق ومن واصل مشوارهم الإرهابي إحتشاداً بزمر الشرّ؛ بين عابر للحدود، وبين شريك محلي راعه الأمل العراقي في الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية،ومجتمع المساواة المدني..هذا المطلب يضيع كلّ يوم تحت ركام التفخيخ، وتحت دعايات الاستنكار والاستهجان في قول بعضهم: "أيّة محاكم،وأي بطيخ!،وهل تجد الحكومة الأمان لتأمين محكمة!" هذه كلمات رددها أحد النكرات من منبر إعلامي مشبوه قبل أيام.
وبين حين وآخر تطالعنا عناوين في الصحف والفضائيات العربية، بأخبار تقض مضجع كلّ عراقي ذاق ويلات النظام العراقي السابق. هذه الأخبار تتوزع بين زوايا الأحداث حتى يكون لمرورها إنحدار الماء تحت التبن! كما يطيب لإخواننا المصريين مثلا وتوصيفاً. وآخر جريان هذا الماء كان في ثنايا تصريح لمحامي طارق عزيز؛ يفيد عن قرب موعد إطلاق سراح مجموعة من المعتقلين بينهم أسماء ضمن قائمة 54 الشهيرة. وقد تبدو مثل هذه الأخبار عابرة في مسامع يملئها ضجيج الدم والقتل والرعب اليومي في العراق، غير إنها بالتأكيد تأخذ حيز القلق والخوف مما تخطط له القوات الأمريكية وما تلعبه إدارتها بصمت منذ إفراجها عن مئات القادة في الجيش والمخابرات العراقية السابقة،وتفاصيل فلمها الهوليودي في الإفراج عن الصحاف ومن معه من المطبلين للديكتاتور.. ومذ تركت الحبل على الغارب لسعدون حمادي الذي كان ولوقت طويل رئيساً للمجلس الوطني الصدامي.والقائمة تطول في تعداد الوزراء والمسؤولين البعثيين،وأني لأتساءل بحيرة واستغراب كبيرين،ترى هل في علم حكومتنا الجديدة ما حصل ويحصل في هذا الملف،أم إنها صفحة أرادت لها الإدارة الأمريكية ان تطوى فطويت،وكانت لغاية في نفس رامسفيلد؟.

وهكذا فلن يفوت المتابع للشأن العراقي اكتشاف هاوية سحيقة ومزالق مرعبة في الشأن الأمني منذ دخول القوات الأمريكية الى بغداد وهروب ديكتاتورها،وما عاد الموضوع بحاجة لمحللين سياسيين وخبراء أمن،فالإرهاب بدأ بالتصاعد بشكل كبير بعد فترة صمت طويلة مرّت بالقوى المؤيدة للنظام العراقي السابق،وبعد ان ظلّ هؤلاء ولأشهر يتهيبون من الظهور الى الشارع ،وبدأ خروجهم من الأوكار السوداء تباعا ليتسيّدوا بالرعب الذي اعتادوه ويقلبوا المعادلة من جديد،فصار المطلوب للعدالة يطارد الشرطي وصار المسؤول في الحكومة المنتخبة هدفاً سهلاً لتابع ديكتاتوري فارٍ.
ولأن النسبة الغالبة من هؤلاء قد أَمنتِ العقوبة طويلاً؛ رأينا وسنرى،وسمعنا وسنسمع عن سوء أدبهم ورعب ما فعلوه في الأبرياء من قتل واغتصاب واعتداءات ما سمعنا بمثيلها في العراق قبلا،وإن كان النظام البعثي قد جاء إلى العراق مع وقع ضربات "أبو طبر" تلك الشخصية الانتقامية الخيالية التي ابتدعها عفالقة البعث لتصفية أعدائهم،فإنهم اليوم ابتدعوا الآلاف من الطبريين الأجلاف، ممن يقتلعون أعين الضحايا باصابعهم...
أرتعب هيبة ً من عظمة النفس البشرية،وانأ اكتب هذه الأسطر وأعجب أيما عجب من جرأة هؤلاء على ربهم حيث يدعون التدين غالباً،ومن وحشيتهم التي لا تشرفنا كعراقيين ما سمعنا عن مثل ما جاؤوا به في آبائنا الأولين..ولا نطمح لعراق يشاركنا فيه قتلة كهؤلاء.

أريد لهذه الكلمات -على يأسها وإحباطها- أن تكون أيضاً رسالة إلى وزير الداخلية العراقي ووزير الدفاع الذي صرّح يوم أمس تصريحا خطيرا يوجب عدم اقتحام أي مسجد مهما كلّف الثمن ،حتى وان أتخبئ فيه الإرهابيين أو القتلة،ولست أدري عن الدوافع المنطقية والخطط الاستراتيجية في قول هذا الوزير الذي سيجعل من بعض الأماكن المقدسة أوكارا للجريمة،ولو أن وزيرنا هذا من أهل الخبرة والقلق على الدين والعباد لكان مطلعاً على ما حلّ بمسجد ضرار الذي هدمه النبي على رأس من كانوا فيه.
إنه وضع صعب وشائك جدا،ولا الحكومة تجد حلاً ولا الأمريكان،وليس من معين لملايين العراقيين القابعين على وجل بين سندان الفوضى ومطارق الإرهاب،وها قد جاوز الظالمون المدى،وأمعنوا في البطش والقتل،دونما محاكم عادلة سريعة تفعّلها الحكومة وتنصّب لأجلها كوادر من المحامين للدفاع عن المتهمين،وتبادر سريعا في جلسات محاكمة،ما أحوج العراق لها اليوم.
فتأخير العدالة ظلم آخر،وتأخير أمد المحاكمات شأن ديكتاتوري من المفترض خروجنا عنه الآن..
أيضا نحن بحاجة إلى العدالة فهي أولى ثمار التخلص من جور الديكتاتورية،ومادمنا إلى الآن لم نحصل على منجز العدالة في دولتنا الجديدة،فهذا يعني إنـّا نراوح في عنق الزجاجة التي نخاف أن يفخّخ طرفها انتحاري بغيض.
وان ما نريده من المحاكم لا يذهب بعيدا في الذاكرة السياسية العراقية،فلا نريد محاكم المهداوي،ولا محاكم البعث الفاشية،بل هي محاكم جنائية يبث الكثير منها على الهواء عبر الفضائيات العراقية،ولا ضير حتى وان كان في هذا هبوطاً ونزولاً في المستوى الإعلامي كما تدعي قناة الجزيرة!! وتتحامل بالقول عن إعلامنا العراقي،فهي لم تظهر حتى هذه اللحظة صورة مـُعترفٍ منهم في فضائها بعد أن كانت تبث جرائمهم وما يفعلون بالعراق وأهله من خطف وتقتيل.
هذه الكلمات رسالة أيضا إلى حكومتنا المنتخبة لعلّها تعجـّل من إجراءاتها في هذا الملف ،فنحن في ريب مما هي عليه الآن من ارتباك،فكيف ستكون مثل هذه الحكومة قادرة على محاكمة صدام وزبانيته،وهي إلى الآن لا تحيرُ حلا في قضايا جنائية اعترف فيها أكثر المتهمين وما عاد لتأخير محكمتهم أي معنى..
كيف سننتظر من هذه الحكومة أن تطلب من الانتربول متابعة وملاحقة المجرمين الفارين؟.
أم كيف نتصور مطالبة حكومتنا المنتخبة لبعض الدول بتسليم المطلوبين للعدالة العراقية؟.
وهل سيجرأ في جمعيتنا مثلا من يطلب سعدون حمادي وبعض أعضاء المجلس الوطني الصدامي لمحاكمة تاريخية تمثـّل رغبة الشعب العراقي لمحاكمات معنوية لفترة عصيبة من التاريخ؟.
سيقول قائل هل نحن بحاجة لكل هذا بعد إن انتهى البعث؟. نعم نحن بحاجة إلى هذا وأكثر،وحاجتنا هذه تنطبق مع رغبات شعوب فعلتها سابقاً،فحتى هذه اللحظة لازالت أوربا تقيم محاكمها للقصاص المعنوي من النازية ورموزها،ولا زالت المحاكم تتابع القضايا المرفوعة ضد هتلر وإتباعه،ولم تقتصر على محاكمة مجرمي الحرب في نورنبيرغ.
نحن بحاجة إلى إعلان الانتصار الديموقراطي بتقديم هؤلاء إلى العدالة ومحاسبة فترة حكمهم البغيضة،وهو أمر سبقتنا إليه شعوب كثيرة،وما أكثر البلدان التي حاكمت موتاها،ولا زال العالم يتذكّر محاكمة ستالين التي جرت في عهدين سوفيتيين الأول في زمن خرووشوف والآخر في عهد غورباتشوف.نحن بحاجة إلى محاكم من هذا القبيل،لا تكتفي باستحضار أرواح الموتى في استعراض قضائي دعائي،بل تستدعي محمد الدوري من ربيع منفاه النيويوركي،ليقف قبالة أفقر البائسين في مجاهل أهوارنا المنكوبة،وقد علم للتو إن مدينته "العمارة" هي ثاني أغنى مدينة على الكوكب!.
أو محاكم يقف فيها محمد سعيد الصحاف قبالة صحفيين عراقيين وعرب،ليوجهوا له الاتهام (كضحايا) بالتضليل والخيانة العظمى للشعب..
نحن بحاجة إلى محاكم ومحاكم.. ليكتشف العالم جرائم القتلة،من سابقين ولاحقين، وليكونوا شهودا على رعب ما نمرّ به. فالوضع يزداد سوءاً والإجراءات الأمنية تزداد تعقيدا،وليس من حام لأي مسؤول أو موظف،أو صحفي وهذا ما يدفع بالبلد إلى هاوية المحسوبية والابتزاز والرشوة،بل إن ما تعرّض له الصحفيين العراقيين الثلاثة في مدينة اليوسفية،أمر مرعب وفاجع..لأنه تجاوز على أهم السلطات في البلد،وهي السلطة الرابعة التي تمثل رأي الشعب ومكان سلطته وذات يده في نقد الحكومة وإرشادها وتوجيهها،وهي سلطة تعدّ مكانتها في الدول المتقدمة أولى في تعداد السلطات؛ التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
مرعب ما حلّ بالصحفيين ويراكم الخوف والقلق والأسئلة: فهل هو إنذار لكل صحفي ببطش أخوة يوسف؟!.وهل كل مدننا في الطريق لتصبح يوسفية؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا