الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضربة التأديبية, فأين المفر؟

خالد قنوت

2013 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


في البناية التي سكنتها لسنوات في مدينة جرمانا, لاحظ السكان أن الطابق الأرضي منها, و المفروض أن يكون ملجأً بحسب قوانين الدفاع المدني السورية, أن هناك حركة عمال بناء و أن قفل الباب الحديدي قد فتح أو كسر و دخل العمال ضمن ورشة بناء. امتعض السكان و سألوا العمال عن سبب وجودهم, فقالوا أن صاحبة المنزل تريد أن تسكن به. استغرب الجيران ذلك, فالطابق الأرضي ملك عام و لأهل البناء و قد دفعوا ثمنه كمرفق مشترك عندما اشتروا بيوتهم. عرفوا فيما بعد أن صاحب البناء الجشع قد باع الطابق الأرضي لسيدة و هي تريد أن تسكن فيه و بذلك تكون السيدة تعرضت لعملية احتيال كما تعرض كل السكان لذلك يوم رفض صاحب البناء استكمال الأعمال المشتركة من درج و مدخل فبقينا فترة بدون كسوة خارجية و بدون بلاط و نوافذ لبيت الدرج حتى جمعنا تكاليف و نفذنا تلك الأعمال بمالنا الخاص.
كالعادة, انقسم سكان البناء بين رافض و آخر متعاطف مع السيدة و البعض غير المكترث للموضوع طالما أنه لم يتعرض لباب بيته. المرحوم شقيقي الذي كان مالكاً للمنزل المقابل للبيت الذي كنت أسكن فيه كمستأجر, لم يقبل أن يتناول أي كان حقه و هو الفدائي السابق في الجبهة الشعبية و الذي خبر و عرف مالذي يعنيه الملجأ للمدنيين. صرخ بالعمال و طالبهم بالخروج من القبو, فهربوا بعيداً. أغلق الباب الحديدي بقفل جديد و ذهب مباشرة إلى البلدية ليقدم طلب فك عقد بيع بين صاحب البناء و السيدة. موظفو البلدية كانوا على معرفة بالموضوع و كانوا يعرفون أخي بحكم أنه متعهد بناء. حاولوا أن يخففوا من غضبه و أن يقدموا له ما يرضيه دون الآخرين, لكنه رفض و اتجه مباشرةً إلى القاضي الذي يقع مكتبه في نفس بناء البلدية.
تقدم بشكل رسمي مخبراً عن عملية احتيال و عن التعرض لملك مشترك تنص عليه قوانين الدفاع المدني عن ضرورة وجود ملجأ في كل بناء لحماية المدنيين من غارات الأعداء و الكوارث الطبيعية.
بعد صد و رد و سنوات من المحاكم, تم التصالح على أن تأخذ السيدة التي تعرضت لاحتيال صاحب البناء لنصف الطابق الأرضي على حساب الملجأ الذي لا لزوم له حسب القاضي النبيه الذي حكم بالقضية و بمعية موظفي البلدية المتواطئين مع صاحب البناء.
تذكرت اليوم, أيام حرب تشرين 1973 كيف قمنا بتحضير ملجأ متواضع في البناء الذي كنا نعيش فيه في ساحة النجمة بدمشق. لم يساعدنا أحد, فقد جهز المكان والدي و أصلح صنبور المياه و وضع خزان بجانبه و فتح بعض الفتحات للتهوية و أحضرت شقيقتي أدوات طبية للاسعافات الأولية. عند سماع صفرات الإنذار كنا ننزل جميعاً للملجأ المصطنع و يشاركنا فيه كل من كان عابراً.
نحن السوريين عشنا و نشأنا على فكرة أننا بلد مواجهة و أن علينا التحضير دائماً لحالات التعرض للقصف الجوي الاسرائيلي و لكننا لم نكن نرى أي من تلك التحضيرات أو الإجراءات الوقائية اللازمة.
هل يذكر السوريين آخر تجربة لصفارات الإنذار و جاهزية الملاجئ إن وجدت و ما إجراءات الأمان عند التعرض للقصف الجوي أو الغازات السامة أو الاشعاعات و غيرها؟ جميعنا يذكر أن الملاجئ التي بنيت في السبعينات في شارع الثورة و اتوستراد المزة و غيرها قد تحولت إلى محال تجارية و مقاهي أو لمكبات للقمامة و القاذورات.
بالمقابل اسرائيل, تجري تجارب دورية و تقيم دورات تدريبية للمدنيين في كل الظروف المذكورة و عمليات الصيانة للملاجئ و اجهزة الوقاية العامة و الخاصة لا تتوقف في أي ظرف.
قد يكون من السخرية أو الشطط الفكري, أن نقول أن هذا النظام لا يريد للسوريين أن يتعرفوا على هذه العمليات لأنها تضر بمصالحه فعلى السوريين أن يموتوا و عليه أن يستغل موتهم أبشع استغلال.
عندما قصفت اسرائيل أبو رمانة سنة 1973 قتل الكثيرين لعدم وجود ملاجئ كافية في المنطقة و عندما تحررت القنيطرة منع النظام الناس من العودة و بناء مدينتهم لكي تبقى شاهداً على همجية العدو, علماً أن مدن أوربية دمرت بالكامل في الحرب العالمية الثانية و لكن أعيد بناؤها بعد أن تم توثيق الدمار صوراً في المتاحف.
اليوم قلبي ينفطرعلى أهلنا في سورية, فبعد أن قصفهم النظام بالمدفعية و الطيران و السكود و بالكيماوي ها هو اليوم يتركهم لقدرهم أمام الضربة الجوية الغربية الموعودة و التي من المفروض أن تكون لمفاصل النظام الخائن الذي قطع مرات عديدة الخطوط الحمراء. فحتى الأبنية التي لم يدمرها فإن معظمها لا يتوفر فيه ملجأ أو أي إجراءات لمثل هذه الظروف و التي من المفترض أنها حاضرة دائماً بحكم أنه نظام ممانعة و مقاومة و أن أعداء الوطن متربصون به و بالشعب السوري منذ الاستقلال.
الأنكى من ذلك, أن النظام نقل بعض قطعاته العسكرية و الأمنية لتقيم بين المدنيين مستخدماً لهم كدروع بشرية لآلته التي مازال يقتل بها السوريين منذ ثلاثين شهراً
(الطغاة يجلبون الغزاة) قالها ابن خلدون و لكن هل هناك وصف لمثل هذا النظام سوى أنه يجمع بين الطغاة و الغزاة معاً؟
منذ سنتين و نصف و مالكم غير الله يا أهلنا في سورية و سيبقى كذلك دائماً, حماكم الحامي و حمى سورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع