الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فعل الإنسان في النص الشعري الجزائري المعاصر نماذج من نصوص - الصوت المفرد - لأبي بكار زمّال :

رفيق جلول

2013 / 8 / 30
الادب والفن


يمثل الشعر مشاعر الإنسانية و معاناتها في الكون ، فهو في تعريف مبسط " الجلجلة التي تنمو نحو القلق الذي يولد لحظة الكتابة " ، الشعر هو ديوان الإنسان الأكبر الذي لا ينتهي عبر الأزمنة فهو منفاه ووجوده معا ، الشعر نابع عن اللغة التي هي جوهره الذي يكتب بوعي تام و بمنظور مخالف للمجتمع الذي يحاول أن يتعايش معه ، و أنا كقارئ أحاول من هنا تقديم بعضا من النماذج الشعرية التي تستحق التفاتة لها عبر الأزمنة ، ففي الشعر الجزائري المعاصر نقرأ لشعراء تفتحت نصوصهم على معنى صوت مفرد يتقلب بين مواجعهم و احتراق الذات التي تعكس وجه الكون ، ها هو الشعر في حلته الأدبية الذي جاء بترجمة الإنسان و مفهومه ، تنويريا يتهافت عليه القراء من كل الأزمنة القديمة و المعاصرة لاكتشاف هذا الشيء المباغت للوجدان .
و أعتقد أن القارئ الواعي هو الذي يختار النص و لا يختار الاسم ، فاختيار النص من أهم السمات التي يمتاز بها الوعي الثقافي و النقدي الأدبي من خلال ما نقرأ و اختياري هذا نتاجا عما قرأت و ما اقرأ طبعا ، في حين أن نتكلم عن النص الحداثي الذي يأتي بوعي كاتبه ،فلسفة و أدبا و أنسنة ، ففعل الإنسان في الشاعر هو الهدف الأسمى .
قصائد كثيرة في عقل الإنسان ،قرأها و دونها و ابتكرها و درسها و أيضا أبدعها و أبدع فيها عبر العصور و الأزمنة وكما ذكرت أعلاه الشعر هو ديوان الإنسان الأكبر ، هو منفاه و ممشاه في طريق الكون الصعبة ، هو الحبر الذي يتدفق على صفحات الحياة.
و اليوم أحاول أن آتي بقراءة الإنسان من خلال الأنطولوجيا التي أنجزها الشاعر أبو بكر زمال الذي اختار نصوصا لأسماء شعرية جزائرية كتبت و جاهدت من أجل فعل ابداعي و شعري و هذه الأسماء كما أعتقد أن أغلبها برزت في تسعينيات القرن الماضي ، وعلى وجه الحق و أنا أقرأ هذه النصوص اكتشفت عوالم شعرية لم يتمكن منها أغلب شباب اليوم في الإبداع الشعري ، هذه المختارات التي تنوعت بين العمودية و التفعيلية الحرة ، و القصيدة النثرية التي لا تزال حاليا محور صراع لا ضرورة له في أشكال الشعر ، فالشعر مهما اختلفت أشكاله و مواهبه فهو ديوان الإنسان .
طرح مارتن هايدغر في قراءته لــ " هولدرلين " سؤالا حول علاقة الشعر بالإنسان حيث جاء بهذا الشكل :" كيف يمكن للشعر أن يكون مسكنا للإنسان المعاصر ؟" (1)
وهنا أعتقد أنه يقصد كيف يكون حاضرا ضروريا في حياته ، وكيف يكون مأواه الذي يتعايش معه منذ العصور الأزل ؟؟؟
كما أعتقد أن علاقة الشعر بالإنسان بدأ منذ العصور الأولى أي منذ خلق فكان الإنسان في العصر الحجري يعبر عما يشعر به ربما بالإشارة ، و ان لم نجد دراسات تاريخية تبرز شعراء في ذلك العصر ، تقريبا ظهر الشعر في الأوديسة التي ألفها هوميروس مستغلا كتابة أحداث طروادة فيها ، جاء بلغة غريبة على لغة كلامية عادية ، لذا أنا أعتقد أن الشعر هو لغة يطرحها العقل .
لنعد إلى الأنطولوجيا التي جمعها الشاعر أبي بكر زمال ، و التي تمثلت في أسماء من المشهد الشعري الجزائري و هي برزت أغلبها كما أشرت في تسعينيات القرن الماضي ، أذكر منهم على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ، ( فاطمة بن شعلال ، ، أحمد دلباني ، نوارة لحرش ، ميلود حكيم ، سيف الملوك سكتة ، و علي بوزوالغ ... )
إن هؤلاء و غيرهم سأحاول تقديم بعض المقطوعات من نصوصهم التي أرى فيها بروز فعل الإنسان حيث أبدأ بسيف الملوك سكتة و التي جاءت هذه المقطوعة من نصه المعنون بـــ:" أرمي في يم الإيماءة معناي "(2):
" بيدين ـ لا شأن لي بهما ـ
جففت القتل بكفي
واجهت الوضع بما لا يمكنني
و أنا عندي رأس الخيط و فكرته
عندي أفلاك لا حصر لها
أهديها لك
عندي بحر الحبر
وصبر الناي
وغدا ستذوب الجمرات
على ألسنة تلسع سمعي
وغدا
كل يخفي جمرته فيه
ويغني "
أعتقد أن الشاعر سيف ملوك سكتة من مواليد عام 1969 بعنابة جاء في هذا النص و على وجه الخصوص في هذا المقطع الشعري الذي أثار انتباهي بفعل الإنسان في ايقاف كل أوجه الدمار والقتل " جففت القتل بكفي" وهذا كما أعتقد نتيجة الفترة الزمنية التي برز فيها و هي فترة القتل أي التسعينيات حيث أن الشاعر عان كأي فرد من المجتمع من الصور الدموية آنذاك ، ففعل الإنسان الذي جاء به مغايرا تماما لفعل الإنسان الذي تعايش معه في تلك الفترة فلهذا أن هذا الفعل كان أوضح في هذه المقطوعة .
و في هذا السياق أيضا لفت انتباهي نص " نافذة الثلج " (3) للشاعرة نوارة لحرش من مواليد 1970 ببئر العرش ولاية سطيف و التي جاءت في مقطع تعبر فيه عن حزنها ربما لمشاهد الدموية لنفس الفترة المنقضية أي فترة " العشرية السوداء " أو كما أود تسميتها " العشرية الحمراء" و قد اخترت المقطع التالي من النص المذكور سابقا و لنفس الشاعرة تقول فيه :
" تدميني سكاكين تعبي
إذ ذاك تنفتح على مصراعيها
نافذة القلق
و يقضمني انزعاجي
يهدّ مباهجي
يعلّق ما تبقّى من شمس أزمنتي
في نافذة الثلج "
وأعتقد أيضا أن فعل الإنسان في النص الشعري الجزائري يظهر في قصيدة " سفر الهدهد الذي ضيع الإشارة "(4) للشاعر أحمد دلباني من مواليد 1968 ببسكرة وهذا ما لفت انتباهي في المقطع التالي :
" ها أنا أكتب
هذا العمر خمر
و حنيني خابيه
لا عشب في ناي الرعاة
سأحتمي بفراشة في مهمة الكلمات
كي أجد التبتيل قرب مصباح الرؤى
و أنام مثل الريح في قلب الحصاة
لا برق في دن السقاة
من عهد تشرابي السري
عانقت أصداف السديم "
فالشاعر أحمد دلباني من خلال نصه يبحث عن الدخول إلى النفس البشرية الميالة إلى الجمال في الذات ، و اندماجه مع الخيال و الحس الجمالي وهذا يظهر بشدة في " سأحتمي بفراشة في مهمة الكلمات / كي أجد التبتيل قرب مصباح الرؤى " ، ومن خلال ما قرأت من نصوصه الحاضرة في كتاب" الصوت المفرد " يكتب الشاعر أحمد بوعلام دلباني بعمق فلسفي يبحث عن عمق الجمال داخل الإنسان سهّل عليه الاندماج مع الكتابة الشعرية التي يبحث عنها القارئ المعاصر .
إن فعل الإنسان الحضاري الذي يحاول فيه الشاعر أي كان النص شكله ، أهم سمة و لهذا نرى الشاعر ميلود حكيم من مواليد 1970 بتلمسان في مقطع شعري من قصيدته " المنعطفات "(5) :
2
ضمن أي انشغال صامت كنت تعبر
تاركا ظلك لخصومات النهار
و قلبك للسعة العقارب
التي تنشج كمجزرة
جدار ثقيل يسند صور القتلى
أرواحهم تتنزه في أصص الورد .
وهذا يظهر فعل الإنسان في نص الشاعر علي بوزوالغ من مواليد 1966 بالقل ولاية سكيكدة في نصه الموسوم بــ: " امرأة الشعر "(6) وهذا في المقطع التالي :
امرأة الشعر تأتيـ..ني
فأطهرها بالعرق الوطني
و أحنّيها بدم الأم المسفوك
آخذها للأكواخ المحقورة
أدعوها لفراش القمر المنهوك
و أبصرها بالقصر المرصود
أبصرها بركام الأطفال على صدر الأرصفة المرة .
و أيضا يمكن أن يظهر فعل الإنسان الغير الحضاري مع غيره فنسمه فعلا همجيا لا إنسانية فيه ، قاس و مرعب و ربما جد عنيف مثلما يظهر في هذا المقطع الشعري من قصيدة " هذا الذي " (7) للشاعرة فاطمة بن شعلال بالأبيار الجزائر العاصمة ، حيث في هذا المقطع تصف حقد الرجل ربما في تعامله العنيف مع المرأة وهذا ما تحاول تقديمه الشاعرة فاطمة بن شعلال بصورة حيوانية في علاقته بالمرأة :
هذا المتعدد
الفاغر في وجه الروح خواءه
كيف له
أن يقص جدائل الحلم بدمي ؟
يرشف لهفتي
بشفة باردة ؟
كيف له
على حلمتي غيرتي
أصابع حاقدة ؟
هذه المقاطع التي حاولت نقلها من القصائد التي نشرها في صوت واحد و مفرد في بحثه الشاعر أبي بكر زمال ، ربما فيما أعتقد تحاول الخروج عن معتقدات المجتمع آنذاك ، أو في وقتنا الراهن تمثيل فعل الإنسان بكلتا صورتيه الجميلة و الأنيقة و الإنسانية التي يحسون بها ويريدونها ، أو العنيفة و الهمجية الدموية و الحيوانية التي يرفضونها ، ففعل الإنسان في كتابة أي نص من الأجناس الأدبية هو باعتقادي هو الفعل الأسمى رغم جميع الطابوهات التي تعرقل الكتابة .
انتهى
رفيق جلول / الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا