الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطر ما تمخَّض عنه -جَدَل الضَّرْبة-!

جواد البشيتي

2013 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
جَدَل "الضربة (المحتومة، الوشيكة)" يؤسِّس الآن لمفهوم (أو نظرية) جديد (غير جيِّد) لـ "التدخُّل العسكري الدولي (الغربي حتى الآن، وفي المقام الأوَّل)" ضدَّ استبداد وقمع ووحشية وفاشية الحُكَّام، كمثل بشار الأسد.
"السلاح الكيميائي"، ولجهة استخدامه، وكما اسْتُخْدِم في ريف دمشق، هو الآن "الخط الأحمر (المتضائل احمراراً)".
قَبْل هذا التدخُّل، ومن أجل وقوعه، تَواضَع "المجتمع الدولي" الآن على الأمر الآتي: ثُبوت وتأكُّد وقوع "غوطة"، أيْ "مجزرة كيميائية" لا تَقِل وحشية عن المجزرة في الغوطة الشرقية (والغربية).
وبعد إقامة الدليل المُفْحِم (العملي والميداني والفنِّي) على وقوعها، يجب إثبات وتأكيد أنَّ هذا الطَّرف لا غيره هو مُرْتكبها.
وعندما يتأكَّد لـ "المجتمع الدولي" هذا الأمر، وذاك، وبما لا يَدَع مجالاً للشك، يأتي "القرار"، قرار التدخُّل العسكري الدولي، من داخل، أو من خارج، مجلس الأمن الدولي؛ فما هو، عندئذٍ، شكل ومحتوى هذا التدخُّل؟
لن يكون هذا التدخُّل على شكل "حرب برِّية"؛ لن يكون بقوى عسكرية برِّية. سيكون "ضربة عسكرية عن بُعْد"، من البحر، ومن الجو، وبصواريخ وقذائف وقنابل.
وغاية هذه الضربة السريعة هي تكبيد المسؤول عن ارتكاب الجريمة الكيمائية خسائر، هي من حيث حجمها ونوعيتها "عقاب رادِع"؛ فالعقوبة التي لا تردع، تضرُّ ولا تَنْفَع.
عدا "الغوطة"، بكل معانيها وأبعادها هذه، لن يَقَع (من الآن وصاعداً) أي تدخُّل عسكري دولي (بهذا الشكل، وبهذا المحتوى).
كل ما عرفته سورية من قبل من قَتْل وتقتيل وتدمير وتشريد.. لا يَصْلُح سبباً، أو ذريعةً، لهذا التدخُّل؛ فيا أيها المستبدُّون (الوحشيون الفاشيون) اقْتُلوا وقَتِّلوا شعوبكم كما شئتم؛ لكن إيَّاكم ارتكاب "غوطة"، فإذا ارتكبتموها فستنالون "عقاباً رادعا" كالذي سيناله بشار عمَّا قريب!
وإنِّي لأتساءل الآن (في دهشة واستغراب) عن سبب التدخُّل العسكري الغربي في ليبيا، والأوسع نطاقاً، والأشد عنفاً، مع أنَّ الطاغية القذافي لم يرتكب "غوطة"؟!
بشار، وعلى ما زَعَم أوباما، يمتلك أكبر مخزون من الأسلحة الكيميائية في العالَم.
هل وَقَع هجوم بالأسلحة الكيميائية في ريف دمشق (في الغوطتين الشرقية والغربية) وذهب ضحيته مئات المدنيين الأبرياء؟
الجواب عن هذا السؤال، والذي بات في حُكْم المؤكَّد، هو: "نعم، وقع هذا الهجوم"؛ وبشار الأسد (وطهران وموسكو ومؤيِّدين آخرين لبشار) لا يُنْكِر وقوع هذه الجريمة الكيميائية.
فريق التحقيق الدولي الذي توفَّر على التحقيق في الأمر من الوجهة الفنية، لن يجيب عن سؤال "مَنْ المسؤول عن هذا الهجوم؟"؛ فهذا ليس من اختصاصه؛ لكنه سيُجيب إجابة فنية عن سؤال "هل وقع هذا الهجوم؟".
مؤيِّدو بشار الأسد (وَهُم جميعاً من حزب "عنزة ولو طارت") يُؤمنون (إيماناً كالإيمان الديني في قوَّته) بأنَّ بشار لا يمكن أبداً أنْ يفعلها، أيْ لا يمكن أبداً أنْ يكون هو المسؤول عن ارتكاب هذه الجريمة.
لا نقاش معهم، ولا حوار، إلاَّ بعد اتِّفاقكَ معهم على هذه "المقدِّمة (أو المسلَّمة)"؛ فبشار منزَّه عن هذه الفعلة!
"الأذكياء" من المحامين عن بشار في "الجريمة الكيميائية" التي ارْتُكِبَت (أيْ التي ارتكبها هو) في الغوطة، يقولون (في تساؤلٍ مَطْليٍّ بـ "الذكاء"): هل يُعْقَلْ أنْ يكون بشار هو مُرْتَكِب هذه الجريمة في وقت كان فريق التحقيق الدولي في دمشق؟
وأقول لهم (في سؤالٍ): هل أدلكم على الطريقة الأذكى في ارتكاب الجرائم، أو ارتكاب أفعال يمكن أنْ تُعرِّض مرتكبها لعقاب؟
إنَّها أنْ تَرْتَكِب الجريمة في ظروف تَصْلُح لتساؤل المدافعين عنكَ قائلين: "هل يُعْقَل أنْ..؟".
لقد تحيَّن بشار قدوم فريق التحقيق الدولي ليرتكب جريمته في وجود هذا الفريق حتى يبدو اتِّهامه بارتكابها أمْراً منافياً للعقل والمنطق.
إنَّ سؤال هذه "الطريقة الذكية (أو الأذكى)" في ارتكاب الجرائم هو: متى يكون اتِّهامي بارتكاب الجريمة أمْراً "لا يُعْقَل" حتى أرتكبها؟
وإنَّ أذكى مجرم هو الذي يرتكب جريمته وهو نزيل السجن (مثلاً).
"لا يُعْقِل" أنْ يرتكبها وفريق التحقيق الدولي موجود عنده؛ ولأنَّ هذا "لا يُعْقَل"، ارتكبها!
الولايات المتحدة (وحلفاؤها) لا تعتزم ضرب وتدمير المستودعات الكيميائية (بالصواريخ والغارات الجوية..) حتى لا تتسبَّب بكارثة تُصيب ليس سورية فحسب؛ وإنَّما الإقليم كله؛ وهي، أيضاً، لا تعتزم السيطرة (بجنودها، أو بجنود غيرها) على هذه المستودعات.
ومع ذلك، تتوقَّع الولايات المتحدة أنْ يظل بشار حارِساً لهذه المستودعات، مُحْكِماً سيطرته عليها.
دَعُونا نَفْتَرِض أنَّ بشار، مُخْتاراً، أو مضطَّراً، أَفْلَت بعض هذه المستودعات من قبضته، فاستولت عليها "جماعات مسلحة متطرفة"، كمثل "جبهة النصرة"، أو "حزب الله"، وأنَّ هذه الجماعات قد امتلكت، أو طوَّرت، وسائل تسمح لها باستخدام هذه المواد والعناصر الكيميائية عسكرياً، في الصراع السوري، أو ضدَّ إسرائيل، أو ضدَّ آخرين.
في العراق، وقبل غزوه واحتلاله وإطاحة صدام حسين، جاء مفتِّشون دوليون، وانتهى عملهم بثبوت وتأكُّد أنَّ الترسانة الكيميائية العراقية قد انتهت؛ وفي هذا يكمن الفرق الجوهري بين الأزمتين العراقية والسورية.
"الأهداف" تتضاءل، يوماً بعد يوم؛ لا بَلْ ساعةً بعد ساعة؛ فالضربة الوشيكة، والواقعة لا محالة، فَقَدَت، وتَفْقِد، كثيراً من "أهدافها"؛ فبشار مع أركان حكمه في مكان آمِنٍ الآن، لن تَصِل إليه الصواريخ والقذائف والقنابل؛ وقسم كبير (ومهم) من سلاح الجو السوري هو الآن في خارج سورية؛ وكل ما يمكن إخفاؤه وتأمينه من الأسلحة السورية أُخْفي وأُمِّن؛ و"المقار" أُفْرِغَت ونُقِلَت محتوياتها.
الفعل التدميري للضربة سيَظْهَر في المطارات، وفي مقار ومنشآت فارغة، وفي مواقع عسكرية تَضُم أسلحة ومعدات يصعب تفكيكها ونقلها.
الجنود انتشروا في داخل العاصمة في أماكن يصعب ضربها وتدميرها لطابعها المدني، ولوجود مدنيين فيها.
"المستودعات الكيميائية" لن تُضْرَب؛ وليس ثمة ما يمنع من أنْ أتوقَّع أنَّ بشار ترك بعضها لتُسَيْطِر عليه "جماعات مسلَّحة".
مسكين الرئيس أوباما؛ فلمَّا شَهَر "خطه الأحمر" في وجه بشار الأسد لم يكن يتوقَّع أنْ يفعلها بشار، ويتجاوز هذا "الخط"، مبيداً مئات المدنيين الأبرياء من شعبه بضربة واحدة بالسلاح الكيميائي.
كان "خطه الأحمر" أقرب إلى محاولة لـ "الهروب إلى الأمام" منه إلى "التحذير والتهديد والوعيد".
ولو كان يَعْلَم أنَّ بشار سيستخدم السلاح الكيميائي لجَعَل "النووي (لا الكيميائي)" خطه الأحمر؛ لكنَّ بشار فعلها، فأوقع أوباما في مأزق "الصدقية"، مُوقِعاً نفسه، في الوقت نفسه، في شَرِّ أعماله.
والله ما كان هذا هو الذي يتوقَّعه أوباما، أو يتمنَّاه؛ لكنَّ بشار، والحقُّ يُقال، فاجأ حتى زوجته بارتكابه هذه الجريمة الكيميائية.
الولايات المتحدة تُوْشِك أنْ "تَزْرَع" في الأرض السورية؛ وكل ما أتمناه أنْ تعرف الثورة السورية كيف تجعل "الثمار" و"الحصاد" لها؛ لها وحدها دون سواها. لن نقف مع بشار أبداً؛ ولن نَقِف، في الوقت نفسه، مع الولايات المتحدة؛ لأنَّها (أو إذا ما) ضربته؛ فـ "السَّيْر على حدة، والضرب معاً" هو مبدأنا. كلاهما عدوٌّ للثورة السورية (في بُعْدِها الثوري الحقيقي). وكلاهما يعادي الآخر الآن لأسباب لا شأنْ لها بمصلحة الشعب السوري وثورته. قبل اقتتالهما، وفي أثناء اقتتالهما، وبعد اقتتالهما، تستمر الثورة السورية في القتال. بنفسها تقاتل، ومن أجل نفسها تقاتل.
هل تَعْلَمون ما أتمنَّاه في صِدْقٍ الآن؟
أتمنَّى أنْ يُضْرَب بشار ضربة عسكرية قوية بما يكفي لتمكين الشعب السوري وثورته من القضاء عليه؛ وأتمنَّى، في الوقت نفسه، أنْ يُجَنَّ بشار، ويخرج عن طوره، فيُمْطِر إسرائيل بطُنٍّ، أو طُنَّيْن، أو ثلاثة أطنان، من الكيميائي الذي في حوزته. أتمنَّى أنْ أرى أعداءنا يَقْتتلون.
أنْ تكون ضدَّ بشار الأسد فهذا إنَّما هو موقف أخلاقي لا شأن له بالسياسة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يتمسك بترشحه.. و50 شخصيةً قيادية ديمقراطية تطالبه بالت


.. أشهر مضت على الحرب في غزة والفلسطينيون يترقبون نهايتها




.. نتنياهو يتهم وزير دفاعه يوآف غالانت مع المعارضة بمحاولة الإط


.. قصف كثيف وإطلاق قنابل مضيئة بمناطق شرقي غزة




.. القمر كوزموس 2553.. أطلقته روسيا قبيل إعلانها الحرب على أوكر