الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسات القذرة في تونس ومصر ما بعد ثورتيهما

فتحي الحبوبي

2013 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


.لعلّه من نافلة القول التأكيد على أنّ حكومتا، الإخوان في مصر ما بعد ثورة 25 يناير والترويكاtroika بقيادة النهضة في تونس ما بعد 14 يناير، كما المعارضة في كلا البلدين، قد لحقها جميعا فشل ذريع باعتماد كل المقاييس السياسيّة والأمنية والإقتصادية والإجتماعيّة والثقافيّة. وهو ما يؤكّده تلميحا وصراحة كل الخبراء في المجالات المذكورة في غير ما مزايدات سياسويّة كما هو شأن المعارضة في كل مناسبة. ذلك أن الثورتين قد انحرفتا إنحرافا خطيرا عن مسارهما الطبيعي الذي من المفترض أن يتماهى مع أهداف الثورتين بما يمنع حدوث ثغرات هنا وهناك ينفذ منها أعداء الثورتين من زعماء وأنصار قوى الثورة المضادّة أو رموز الدولة العميقة الذين لم يستسيغوا -قطعا- قيام الثورتين بذلك الزخم والالتحام الشعبي في كل من تونس ومصر والمتحالفين اليوم مع بعض أحزاب المعارضة والقوى الديمقراطيّة في زواج متعة حتّمه تقاطع أهداف المرحلة، وفي مقدّمتها شيطنة الأحزاب الإسلاميّة الماسكة بالسلطة ومن ثمّة إسقاطها بالإنقلاب كما كان في مصر أو بالعصيان المدني كما يراد له أن يكون في تونس. وذلك بعد أن أصبح المخيال و الوجدان الشعبي يربط بين الإسلاميين والدولة الفاشلة.
ففي تونس فشلت كل الحكومات المتعاقبة حتّى الآن في توفير الأمن والإستقرار وبعث الإستثمار وتحقيق الشغل وإرساء ديمقراطيّة حقيقيّة عن طريق إرساء مؤسسات دولة القانون. فقد فشلت، بداية، حكومتي محمّد الغنّوشي الأولى والثانية، ضرورة أنّ جلّ أعضائها كانوا من بقايا النظام السابق ومن رموز الدولة العميقة المعادين للثورة سرّا وعلانيّة. حيث أنّهما لم تلبّيا دعوة الجماهير المعتصمة بساحة الحكومة بالقصبة بتونس العاصمة، والمطالبة بانتخاب مجلس وطني تأسيسي وبصحافة حرّة و قضاء مستقل..، لا بل عمدت الحكومة الثانية إلى تفريق المعتصمين بالقوّة أواخر شهر جانفي 2011 دون علم رئيسها ولا وزير الداخليّة. وهو لغز محيّر بقي مجهولا إلى اليوم.
وجاءت حكومة الباجي قائد السبسي ولم يكن حظّها من الفشل أقل من حكومتي الغنّوشي إلّا فيما يتعلّق بإنجاز إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي الذي كان مبرّر وجودها. أمّا فيما عدا ذلك ففشل ذريع في التشغيل وتحقيق الأمن والتصدّي للتهريب وغلاء الأسعار والإضطرابات والفوضى الإجتماعيّة مع وضع فخاخ وألغام ذات إنعكاس مالي للحكومة القادمة بما أثقل كاهل ميزانيّة الدولة واستنزف ماليّتها وأخلّ بتوازناتها.
ثمّ جاءت أوّل حكومة منبثقة عن المجلس التأسيسي المنتخب، وهي حكومة حمّادي الجبالي، التي ورثت مناخا متشنّجا ووضعيّة صعبة، يضاف إليها أنّها لم تقو على مجابهة الإعاقات التي وضعتها في طريقها المعارضة ورموز الدولة العميقة. والتي تمثّلت خاصة في كثرة الإعتصامات والإضرابات العشوائيّة التي عطّلت دورة الإنتاج وأضرّت بالإقتصاد الوطني. وممّا زاد التين بلّة أنّ المجلس التأسيسي الذي انتخب لمدّة سنة واحدة، تجاوز مدّته النيابية بتراخيه فتأخّر كثيرا عن الانتهاء من صياغة الدستور الجديد الذي هو مبرّر وجوده الوحيد. وكان من تداعيات ذلك بعثرة أوراق الحكومة التي لم يعد بإمكانها تحديد رزنامة للمواعيد والاستحقاقات السياسية الهامّة القادمة. ممّا حجب عنها الرؤية السياسية الواضحة وضيّع عنها فرص استثمار داخليّة وخارجيّة، ساهمت في تفاقم البطالة وتعالي أصوات المعارضة، بما زاد في وتيرة الاحتجاجات الاجتماعيّة وأهمّها الإضراب العام. فنتج عن ذلك تدهور اقتصادي سريع وانفلات أمني خطير أدّى إلى اغتيال الزعيم اليساري البارز الشهيد شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد. يضاف إلى ذلك عدم توفّق رئيس الحكومة إلى تحوير وزاري على مدى شهور عديدة نتيجة لتباعد وجهات نظر الأحزاب الحليفة والمعارضة لحكومته على حدّ السواء. ممّا اضطرّه بعد حادثة الاغتيال إلى الإعلان عن مبادرته لتشكيل حكومة تكنوقراط. وهي المبادرة التي لم تحصل على سند سياسي من حزبه، المتطاحنة قواعده بين صقور وحمائم، فضلا عن بعض أحزاب المعارضة، لعدم تغليبها للمصلحة الوطنيّة العليا على الحسابات الضيّقة للأحزاب المتصارعة للانقضاض على السلطة، فاضطرّ للاستقالة عندما وجد نفسه في نفق مظلم لا مخرج منه ولا نهاية له.
ثمّ جاءت حكومة علي العريّض التي ورثت وضعا أكثر تعقيدا ومناخا أكثر تشنّجا لا سيّما بعد بروز الاحداث الإرهابيّة بجبل الشعانبي التي نتج عنها، لأوّل مرّة في تاريخ تونس الحديثة، قتل وذبح عناصر من الجيش التونسي بعد انفجار عدة ألغام و تبادل لأطلاق النار بين الجيش التونسي و إرهابيين يشتبه في أنهم من القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وجاءت حادثة اغتيال النائب محمّد البراهمي منسّق التيّار الشعبي، أحد فصائل الجبهة الشعبيّة، لتزيد الوضع تعقيدا وتأزّما، وتضع البلاد في فوهة بركان بتفجير حراك سياسيّ وحزبي واسع تقوده الجبهة الشعبيّة تحت راية ما سمّي بجبهة الإنقاذ الوطني التي تسعى الى تجييش الشارع ورفع مستوى اﻹ-;-حتقان و التوتر وبثّ الفوضى والتأليب على التمرّد والعصيان المدني واﻹ-;-نقﻼ-;-ب، في محاولة للضغط على الحكومة فيما سمّي بحملة إرحل. وذلك بالإضافة إلى الإعتصام منذ أكثر من شهر أمام المجلس الوطني التأسيسي بمعيّة نواب معارضين منسحبين من المجلس، يدعون إلى حله وإسقاط الحكومة التي يعتبرونها في حالة ترنّح شبيهة برقصة الطائر الذبيح، ثمّ تكوين حكومة إنقاذ وطني توقف التردّي الإقتصادي و تعدّ لانتخابات ديمقراطيّة نزيهة وشفّافة. إلّا انّ الحكومة لم تنحن أمام العاصفة ولا تزال تناور بتوظيف ملفّ بسط الأمن و محاربة الإرهاب المحيق بالبلاد بما يمنعها من تسليم السلطة لمن تعدمه الخبرة في هذا المجال. بل إنّ رئيس الحكومة أعلنها صراحة أن لا مجال لاستقالة الحكومة الآن، في هذه المرحلة المضطربة والحرجة. بما يعني أنّها سوف تتخطى هذة المرحلة وأنّها أقوى من أن يصيبها الوهن أو الضعف جرّاء حملة إرحل التي لا ترهبها، وهي تمضى فى طريقها أياً كانت العقبات. في وقت تواجه فيه محاولة إضعاف وهج التجربة الديمقراطيّة الوليدة.
أمّا في مصر فالعنوان البارز للمشهد السياسى فى مصر بعد تنحّي مبارك قد تميّز هو الآخر بالفوضى السياسية والأمنية. فالرئيس مرسي، وهو أوّل رئيس مصري منتخب ديمقراطيّا لم يكن يحظى بإجماع المصريين. ورغم ذلك فإنّه وحتى حصول الإنقلاب عليه، إستأثر بالسلطات التنفيذيّة والقضائيّة والتشريعيّة التي أدّت إلى تجميع كل السلطات تقريبا بيده، فتصرّف وفق ذلك كأحد الفراعنة الجدد، رغم العباءة الدينية التي يلتحفها، ولم يسع للحصول على الإجماع ، بل كانت سياساتة و قراراتة تنخرط جميعها فيما يكرّس الإنقسام ويوسّع الهوّة ما بين المسلمين السنّة وباقي مكوّنات المجتمع المصري ولا سيما الأقلّيات منها كالأقباط والمسلمين الشيعة. يضاف إلى ذلك المعاداة الشديدة للمعارضة العلمانيّة والقوى الديمقراطيّة واليساريّة وطلائعها الثورية. حيث كانت أولويّته إنّما هي خدمة مصالح جماعة الإخوان المنتمى إليها باعتبارها تشكّل لديه كل من الأهل والعشيرة وفق ما كان يردّده ويلحّ عليه في أكثر من خطاب. وهو سلوك خارج سياق العصر و الحضارة ومفهوم مدنيّة الدولة. وقد تكرّس بقوّة عندما كوّن حكومة لا تضمّ مختلف ألوان الطيف السياسي المصري، بل اقتصرت على انصاره من الاسلاميين. كما أنّه عيّن أغلب المحافظين ونوابهم والمستشارين فى مؤسسة الرئاسة من بين جماعة الإخوان. وهو أمر زاد فى تكريس الإنقسام فى الشارع المصرى وفاقم حالة الاستقطاب السياسى لا سيما بعد استخدام العنف فى سيناء من جماعات موالية للإخوان استهدفت مواقع الجيش والشرطة، يحتمل أن تكون بتخطيط وتنفيذ من قوى الثورة المضادة، الداخليّة والخارجيّة، التي احتضنت التيّارات العنيفة وأمدّتها بالسلاح ولا تزال . هذا علاوة على أنّ الرئيس مرسي راكم على الأقل ثلاث إستفزازات توجّهت للشعب المصري. فبعد شهر واحد من انتخابه، أصدر إعلانا دستوريا في عشرة أسطر، يضمن له الاستئثار بصلاحيات واسعة جدّا. ولمّا قام الشارع ضدّه أسرع في عمليّة كتابة دستور وصف بانّه أسوا دستور مصري عبر التاريخ. وكان من نتائج ذلك أن أستقال ثلث البرلمان، لكنّه لم يبال بذلك. وتمثّل الإستفزاز الثاني في تهديداته ضد قضاة المحكمة الدستورية ، والثالث في رفضه توسيع حكومته لجعلها ممثلة لجميع الحركات الثورية المصريّة.
يضاف إلى ذلك، فشل مرسي فى تحقيق الإنجازات التى وعد بها خلال مائة يوم في قضايا الوقود والنظافة والخبز والأمن. وهو ما أغضب الشارع من جديد، في غياب تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة وهى عيش – حرية - كرامة إنسانية، ليعود حرق المقرّات السياديّة، ويعاود قمع السلطة التكشير عن أنيابه واستعمال مخالبه، ويعود التوتّر الاجتماعي الشعبي بالاحتجاجات والاضطرابات التي كانت لا تنتهي إلّا لتعود من جديد. وكان من تداعياتها أنّ أهتزّ الاقتصاد بضعف الإنتاج و الإستثمار فتدهورت أوضاع المواطن المصري. ممّا عجّل بقيام تحالف قويّ ضدّ مرسي وحكومته، بين نخبة من السياسيين من جبهة الإنقاذ المعارضة للنظام وحزب النور السلفى والمؤسسة الدينية بأزهرها الشريف وكنيستها، إضافة إلى حركة تمرّد الناشئة، مهّد لقيام ثورة ثانية أو بتعبير أدقّ لانقلاب عسكري عقب تحرّك شعبي لا سابق له. بعد أن دخلت ثورة 25 يناير في حالة غيبوبة طويلة المدى. وبعد أن تمكّنت مخالب وأذرع الدولة العميقة وقواها المضادّة للثورة من سلب شرعية حكم الاخوان، بتثبيت مقولة فشله لدى الرأي العام عن طريق اعلام قوى الدولة العميقة الذي جنّد نفسه لترويجها. وبذلك أسقط مشروع الاسلام السياسي فيما يشبه السقوط المدويّ الذي له بالتأكيد تداعياته العاجلة والآجلة على ثورة تونس، بل وعلى بلدان الربيع العربي الذي أصبح صقيعا مميتا بل وربيعا دمويّا بفعل قوى الثورة المضادة محليّا وإقليميّا ودوليّا.
ولعلّ ما يمكن استنتاجه من تجربتي الإنتقال الديمقراطي المتميّز بضعف الأداء في كل من تونس ومصر، أنّ قوى الثورة المضادة والدولة العميقة إستغلّت هذا الضعف وضخّمته إعلاميّا، ثمّ بتحالفها مع المعارضة الإنتهازيّة، تمكّنت في كلا البلدين من إجهاض التجربتين في وقت قياسي. ففي مصر عزّ على الجيش الذي حكم البلاد أكثر من ستّة عقود أن يترك الإخوان يحكمون حتّي يحقّقوا بعض النجاحات، فقام بالإنقلاب عليهم بقيادة السيسي الذي كان يقول في عهد مبارك-وهي مفارقة- أن "الاحزاب المنتخبة في اطار الشرعية يجب ان تمنح الفرصة للحكم وأنّه لا يمكن للعالم ان يطالب بالديمقراطية في الشرق الاوسط ثم يرفض نتيجتها لأن حزبا اقل موالاة للغرب حصل على السلطة بطريق مشروع″-;-. وأمّا في تونس فإنّ التجمّع الدستوري بمسمّياته العديدة منذ الإستقلال، وقد حكم البلاد لأكثر من خمسة عقود ونصف، يعسر عليه تسليم السلطة لمن هم أشرس أعدائه تاريخيّا، ليبقى هو مجرّد متفرّج على الساحة السياسيّة. لذلك فهو يناور الآن، محاولا العودة بقوّة إلى الساحة الحزبيّة والسياسيّة عن طريق أبرز واجهة سياسيّة له ألا وهي حزب نداء تونس المتحالف مع الجبهة الشعبيّة التي تقود حملة الرحيل والتي كانت هي الأخرى وإلى وقت قريب من أشرس أعدائه. ولكنّها السياسة بأساليبها القذرة التي أفاض في تفاصيلها جان بول سارتر Jean Paul Sartre في مسرحيّته الأيدي القذرة" Les mains sales" "ويعيش فصولها اليوم شعبي كلّ من تونس ومصر.
المهندس فتحي الحبّوبي










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية