الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة إنتاج التخلّف - نزار قباني نموذجاً / 4 - 4

ياسر اسكيف

2005 / 5 / 18
الادب والفن


( النرجس والتابع المرسون )

مما تقوله فلسفة ( هيغل ) أن العبد لا يتعرّف كذات مستقلّة إنما كذات تابعة لذات السيد . وأي محاولة لنفي ذات السيّد , أي تحقيق مناخ الحرية المفترض للذات المستعبدة , هو في الآن عينه إلغاء لذات العبد . وهكذا يصبح شرط الحرية أمراً مستحيلاً والعبودية قائمة إلى الأبد .
إنها العلاقة التي دأبت التجربة القبّانية على تأسيسها وتكريسها بوعي أو بدونه . علاقة بين رجل سيّد خالق مسيطر وامرأة عبدة مخلوقة طائعة . ولأنها أضحت تجربة مدوّنة ومضافة إلى الركام الثقافي والأيديولوجي المتداول , هذا الركام الذي يعمل أغلبه على الإحطاط قدرة المرأة وإغلاق أي منفذ يجعل منها عنصراً اجتماعياً حرّاً وفاعلاً , فإن حسن النوايا لا يعنينا بشيء , والمهم هنا هو إضاءة ما وراء السطور .
فحينما نجد المرأة , في تجربة شعرية أو تشكيلية أو سينمائية أو أدبية , تتحدّد بما هو سلب لإنسانيتها , أي لإمكانياتها وفعاليتها , وهو ما يتجلّى في تجربة نزار قباني , فعلينا أن نستبعد حسن النوايا مهما اتّخذ من أساليب التمويه وأسبابه .
( ما أنت , حين أريد , إلا لعبة
بلهاء .. تحت فمي وضغط ذراعي . – الأعمال الكاملة ص 172 )
إنها الإعاقة وتكريس النموذج السلبي الخانع المشلول المستمتع بعبوديته . فحينما تكون المرأة صنيعة الرجل , دمية تتحرك بمشيئة أصابعه الماهرة في سحب الخيوط , فإنها لن تكبر إلا بحبه , بحبه فحسب , وليس بم تتمتع به من مزايا وملكات تحدّد مكانتها .
( دعي حكايا الناس .. لن تصبحي
كبيرة .. إلا بحبي الكبير .- الأعمال ص 262 )
وهذا الرجل , شأنه شأن رجال الشرق , حفيد هارون الرشيد بامتياز , لا يرى ولا يطيق أن يرى رجلاً غيره ما دامت امرأة موجودة . إنه الرجل / الذكر الوحيد الذي تشعر معه المرأة بأنوثتها وكأنما باقي الرجال ناقصي فحولة .
( ستذكرين دائماً أصابعي ..
فلن تكوني امرأة إلا معي .. – الأعمال ص 535 )
إن هذا التلخيص والاختزال والمصادرة للمشاعر الإنسانية يؤكد مرّة تلو الأخرى على أن المرأة التي يتم الحديث عنها والتباهي عليها ليست امرأة حقيقية بقدر ما هي نموذج يتمناه الرجل ويسعى إلى تثبيته . ذلك الرجل المصرّ على أنّه الوحيد في هذا العالم , والذي لا ينفك عن تهديد المرأة ووعيدها إن هي فكّرت بإبعاده عن حياتها , لأنه لا يرى في هذا الإبعاد سوى تمرد على قانون الخلق والتبعية , ذلك أن السيد هو الذي يطرد ويستغني عن وليس العكس .
( سنرى غداً ... سنرى غداً
من أنت بعد ذبول وردي . – الأعمال ص 548 )
ولأن في حبّ المولى لعبده تنازل لا يقدّر بثمن فعلى العبد أن لا يكفّ عن الشكر والامتنان إلى ما شاء الزمن
( إن كنت أرضى أن أحبّك
فاشكري المولى كثيرا .- ص662 )
لنتملى المقطع السابق , مع علمنا أن طرفي علاقة حب – شكر هما رجل وامرأة , ولنتخيل أي تشويه مبالغ فيه , وأي ابتذال أصاب العلاقة المفترض بها أن تكون من أجمل وأرق العلاقات التي تقوم بين البشر ؟
وأين تجربة نزار قباني من الطقس المعافى للحب كما يصفها البعض . ؟ وعن أي طقس معافى يتكلمون حينما يكون التعبير عن الشعور تجاه جسد المرأة مماثل لشعور الجزار أمام ذبيحته ؟
( لو مرّ تفكيري على صدرها
حرقتها حرقاً بأفكاري ...
أو أفلتت حلمتها صدفة
حدجتها بعين جزار .. – الأعمال ص163 )

قد يعتبر البعض , أمام المقاطع والقصائد التي تقدّم صورة مشوّهة وعنيفة للعلاقة بين الرجل والمرأة , بأن الشاعر يقصد فضح وتعرية موقف الرجل الشرقي المتخلّف . قد يصحّ هذا القول بنسبة كبيرة في التجارب الروائية أو القصصية والمسرحية , لأن هذه الأصناف الأدبية تحمل قدراً كبيراً من الواقعية , وأحياناً التعليمية , كما أنها تعرض آراء متضاربة ومختلفة نتيجة عرضها لعلاقات عدد كبير من أنماط حياة الفرد , أما في الشعر , أتحدث هنا عن الشعر وليس عن الوصفات الطبية أو العظات الدينية أو التقارير الصحفية المكتوبة جميعاً على الوزن والقافية , فالأمر مختلف تماماً , ذلك أن التجربة الشعرية هي تجربة الذات الواحدة , الذات التي ترى العالم وتحتك به منتجة نصها الذي يعبّر عنها في لحظة الاحتكاك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل