الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعاقة بين الواقعية والفانتازيا

أماني فؤاد

2013 / 8 / 30
الادب والفن


الإعاقة بين الواقعية والفانتازيا
نشر "نجيب محفوظ" روايته "زقاق المدق"عام 1947م، وفيها أبدع "زيطة صانع العاهات" الشخص الذي يعيش في إحدي خرابات الحارة المصرية،ويشوه أعضاء جسم الإنسان، ليمارس صاحب العاهة التسول،يحدث هذا بعد أزمة إقتصادية طاحنة شملت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومصر في القلب منه أثناء الإحتلال الإنجليزي،ومن خلال الشخصية يطرح "محفوظ" رؤيته للإنسان بعد الدمار الذي تسببه الحروب، بحسبانه هو الذي يصنع الإعاقة،يتسبب بأطماعة في ظهورعاهات هذه الحضارة الحديثة،يقوض كل قيم السلام والعدل والتسامح ،ويُحلَّ التشوه والنقص محل السواءوالكمال .
تنطلق الشخصية في النص من رؤية واقعية رمزية للفن، يمثل "زيطة" في النص نموذجا للشروالقسوة في البشر، فهوالذي يوزع العاهات والإعاقات المتباينة، ليدلل علي تشوه الحضارة البشرية والظلم الذي يحكمها،زيطة ومهنته الوحشية نتاج الحروب الدامية بكل أطماعها،نتاج سوء توزيع الثورات، وتفاوت الطبقات الهائل،نتاج الإمبريالية المتسلطة، ويبقي أيضا هذا النموذج ممثلا للسبب كما النتيجة.
من رؤية ما بعد حداثية يعالج "أحمد عبد اللطيف" في روايته "صانع المفاتيح" 2010م الإعاقة من منطلق "الفانتازيا الذهنية"،من المتخيل السحري، الصوفي، التاريخي، ينسج شخصية "صانع المفاتيح"، "يوسف" الذي يضيق باستشراء الفساد وعمومه وأنواعه المتباينة في مجتمعه،في قريته التي شُوهت وصارت مسخا ما بين القرية والمدينة،يُصنًّع مفاتيح لتغلق السمع والبصر، وتغلق الفم،عندها يصبح الإنسان مركَّب الإعاقة،يُصبح أقرب إلي الموات.
الحاجة إلي صنع الإعاقة في الفن المعاصر لا لتسويغ حجية التسول،ولا لتوظيفها لرمز شفيف مباشر، لكن غلق الحواس في النص الحديث لرغبة البطل في الانفصال عن المجتمع الذي يظلم فيه البسطاء، فيه يباع كل شيء:الأعضاء البشرية،والشرف والعرض،الهوية ومقدرات الوطن وتاريخه،يباع الإنسان ذاته.
يعتمد "عبد اللطيف"علي فكرة متخيلة تتجاوز حدود الظواهر الواقعية، تتبني علاقة الغرابة والالتباس مع العالم،تمارس مناوشته ، لتشتبك به علي نحو مدهش لا نتوقعه،تفكك الرؤية الثنائية التي تفصل بين الواقع واللاواقع تماما، فيبني نصه علي دعائم الفنتازيا العبثية والذهنية في الوقت ذاته، ولنا هنا أن نتسائل أهكذا يواجه الفن قضايا الواقع؟ يتعامل معها بتعالي المتخيل وفوقيته؟ بحلول لايقبلها المنطق العقلي؟أهناك هذه المفاتيح؟ألا تعد المعالجات الفنية الروائية علي هذا النحو هروبا إلي الحلم والخيال، وما فوق الواقع؟
حين تتعقد مشكلات المجتمع علي نحو متراكب، ويظن الجميع أن لا خروج من هذه المشكلات المستعصية، يأتي الروائي المبدع ويضرب بخياله وعقله وتقنياته في اليأس الذي يظلل علي العقول المتلقية،يصنع صدوعاته في الأفكار الصلبة المتجمدة التي يظن الكثير أن لا فرار منها، تصوراتنا مثلا عن أوضاع المجتمع المصري قبل ثورة 25 يناير،العالم الذي يكشف بعض أبعاده نص "صانع المفاتيح" ،أو كابوس الإخوان الذي ينكفء فوق السلطة الأن قابضا عليها بنواجذه ،يخلخل الروائي هذه التصورات الراسخة متوسلا بخياله،بأفكاره وأحلامه وآلياته الفنية الروائية.
وتبقي مقدرة الكاتب الذي يعتمد علي هذه الرؤية للفن، إستخدام مهاراته الفنية والعقلية في إحداث التوازن بين: التحليق بالأفكار والتكوينات الخيالية السحرية، ودمجها في ذات الوقت بالواقع ومعطياته،بثقل وأبعاد مشاكله،تشكيل الخيال من خلال ضفره بالموروث التراثي الثقافي الخاص بالمكان والزمان الذي يدورحوله النص.
عند تمكَّن الروائي من تشكيل هذا التداخل والتناغم، يستطيع النص أن يسهم في تفكيك العوالم المتجمدة،المتكلسة في أذهان القانعين الصابرين، ولن يتم ذلك إلا بإشعال جذوة الفن المتجددة والمتطورة،والمعبرة عن مفاهيم متعددة في جوهر الفن وفلسفته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو