الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراعات متوالية

حسين رشيد

2013 / 9 / 1
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


صراعات متوالية

حسين رشيد
1
حين نتحدث اليوم عن شكل ومضمون الصراعات في المنطقة عموما والعراق خصوصا، فلابد من ربطها بجذور وتاريخ الصراعات التي عاشاتها المنطقة وعاشها العراق. إذ تعود بعض جذور هذه الصراعات إلى أبعد مما نتصور،
فطبيعة الإنسان الساكن في هذه المنطقة مرتبطة بعقد وصراعات محلية وقبيلة، غرستها قيم وأفكار وأطماع متناقض ،كما عززتها الصراعات الاستعمارية والعالمية حول السيطرة والهيمنة على المنطقة بشكل تام، لما تتمتع به من موقع إستراتيجي مهم يربط العالم باتجاهاته الأربع من خلال مناطق العبور والمضايق العالمية ، مع مصادر الطاقة من نفط خام وغاز وثروات أخرى، وامتلاكها مؤهلات وميزات أخرى كثيرة تجعلها سببا رئيسيا لكثرة الصراعات والحروب والأطماع. بالإضافة إلى أن الكثير من الثورات والانتفاضات والانقلابات، تفجرت فيها أدت إلى تغيير أنظمة دكتاتورية شمولية والإطاحة بأخرى مع تبديل شكل ونظام الحكم. كل هذا ولّد بمرور السنين صراعات جديدة أغلبها فكرية وأيدولوجية وعقائدية، مثلما أعادت الروح لبعض الصراعات التاريخية، بمساعدة الكثير من التأثيرات والمؤثرات الخارجية، وبشكل خاص الاقتصادية منها. في ظل هكذا صراعات تعمقت جذور العنف والقسوة ما بين المتصارعين، داخليا في أي بلد من هذه البلدان، وخارجيا في ما بينها. وهنا تختلف نوعية الصراعات، فالصراعات الداخلية غالبا ما تتسم، بالدينية، والمذهبية، والطائفية، والأيدولوجية، والطبقية، والقومية، تأخذ في أغلب الأحيان شكل المصلحة الخاصة لكل طرف من الأطراف المشار إليها سلفا، وهي الأخرى تتشظى حتى تصل إلى مصالح حزبية وفئوية وشخصية. أما الخارجية فهي بالغالب صراعات هيمنة عسكرية أو اقتصادية على مناطق متنازع عليها، اقتطعت أو ضمت في فترات الهيمنة الاستعمارية من هذه الدولة إلى تلك ،مع انعكاس جزء من هذه الصراعات على الأوضاع الداخلية لبعض بلدان المنطقة التي تتميز بتنوع أديانها، وقومياتها، ومذاهبها، ومنها العراق، الذي ابتلي بكل أنواع الصراعات، مثلما ابتلي بصراعات دول الجوار وأخرى إقليمية وعالمية تدور بالسيطرة عليه، عسكريا أو اقتصاديا أو دينيا مذهبيا.

2
لتاريخ الصراعات في العراق حكايات وحكايات، فهي متنوعة وكثيرة بدءاً من صراع السلطة والإدارة، والصراع المجتمعي، والثقافي، والقومي، والطائفي، والحزبي، والفئوي، الخ من صراعات، كان العراق أرضا خصبة لها، بفعل تأثيرات ومؤثرات داخلية وخارجية في الأغلب.
فمنذ نيسان 2003 ورحى الصراعات تدور وتدور، أرهقت آلاف الأرواح، هدرت وسرقت مئات المليارات من الدولارات، دمرت كل ما تبقى من قيم وأعراف وتقاليد وأسس تعايش سلمي مجتمعية، هجّرت مئات الآلاف في الداخل والخارج، كادت تمزق نسيج العراق القومي والديني والإثني، بعثرت الكثير من سنين العمر التي كان العراقي يحلم بها برخاء وازدهار وراحة بال وعيش رغيد.
هذا الصراع متنوع الأشكال والتوجهات، لكنه في شكله العام ومضمونه، صراع سياسي وسلطوي هدفه الهيمنة وإدارة الدولة والسيطرة على مفاصلها، وبالأخص العسكرية التي غالبا ما تكون بوابة الهيمنة والسطو على الدولة في ما بعد.
تشظى هذ الصراع الدائر الآن بين مكونات الخارطة السياسية العراقية، وخاصة من هم في الحكومة والبرلمان، في ما يخص السلطة والحكم في المشاركة والتداول أو الاستبداد والاحتكار والانفراد بالسلطة، إلى كل أنواع الصراعات الأخرى المعروفة وغير المعروفة، المعلنة وغير المعلنة. إذ لم تنفع الانتخابات التشريعية الأولى ولا الثانية في وضع حد لهذا الصراع القديم المتجدد. وما شهدناه في الآونة الأخيرة من أزمة سياسية خانقة في إدارة الدولة وتعطيل أغلب مفاصلها، فهو ناجم عن خطر وإشكالية هذا الصراع الذي من المحتمل بقاؤه حتى ثلاث أو أربع دورات انتخابية مقبلة، هذا إن أجريت !
ولأن شكل ومفهوم الدولة العراقية غائبان منذ تأسيسها تقريبا، مع إشكالية الذات العراقية المغتربة والمتقبلة، يظل هذا الصراع مستمرا ومتداولا من مرحلة إلى أخرى، وسيستمر، طالما هناك نفط وماء يجريان في العراق، وطالما هناك تغذية، ودعم، وتمويل، وتخطيط، خارجي وداخلي، نفعي، أو تآمري تخريبي، لتأجيج أي صراع في أي وقت. مع فقدان روح الانتماء لمفهوم الأمة العراقية وطبيعتها.
3
في ظل الصراع السياسي وتنوعاته، ثمة بوادر وتلميحات لشكل الصراع المقبل، ما بين العلمانية والمدنية من جهة والقوى الدينية بتنوعاتها من جهة أخرى. وما الصولات المتكررة على النوادي الاجتماعية والبارات وإغلاقها، والتضييق على الحريات ومحاولة تكميم الأفواه، وإعلانات الحجاب والستر والعقاب التي تنتشر في شوارع المدن، إلا بوادر أولية وحجج تعمل على تداولها تلك القوى، من أجل تسفيه الصراع المؤجل، في عيون العامة من الناس. وتبيان أن هؤلاء القوم أي المدنيين والعلمانيين ليسوا سوى سكارى ومروجي فسوق وعصيان ، وهم من أصحاب الأفكار الهدامة التي لا تنسجم مع مجتمعنا الإسلامي المحافظ. ولا نستبعد دخول الفتاوى الجاهزة بهذا الشأن حتى تكون حجة دامغة على من يريد الاعتراض.
العنف المرافق لهذا الصراع، لن يقل ضراوة وقسوة عن العنف الذي رافق الصراع السياسي المتشع ، لكن ما يميزه هنا، أنه سيكون أكثر تنظيماً ودقة، من خلال استهداف القوى المدنية والعلمانية المعارضة لفكرة النظام الديني أو الدولة الدينية، وانتهاج فكرة لجان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" فمن خلال هذا الصراع ستتوحد الرؤى والأفكار الاسلاموية، وتنتهي الخلافات بين المذاهب والطوائف، حيث يعقد حلف أو صلح موقت من اجل القضاء على عدو الله والإسلام المتمثل بأناس وأشخاص ومنظمات مجتمع مدني، تؤمن بأن لكل إنسان حقه في اختيار طريقة العيش والتفكير التي تلائمه وتتماشى مع القيم والتقاليد الديمقراطية التي من المفترض أن تسود العراق الجديد. ولأن القوى الدينية تملك كل شيء، وفي مقدمة ذلك السلاح والمال، ستكون الغلبه لها، مع امتلاكها قنوات الإعلام المتنوعة التي تستطيع من خلالها تضليل كل شيء، إضافة إلى نفوذها في الأوساط وخاصة الشعبية، التي تعاني الجوع والحرمان والفقر، وقدرتها على التلاعب بعقولهم وأفكارهم كيفما تشاء. بالنتيجة النهائية سيقام الحد على الكثير من الأدباء والمثقفين والفنانين والأكاديميين والعلماء، وسترجم النساء ويجلد الرجال، يقتل ويغتال من يتمكنون منه، يهرب ويهاجر من يستطيع، ويصمت من يجد ذلك سبيلا للبقاء على قيد الحياة.

4
بعد ذلك، الأمر يبدو مشابها لفترة نهاية السبعينات، باختلاف نوع وشكل الصراع. لكن القوة والعنف والنتيجة متشابهة أو ستكون متشابهة فيدخل الناس في الدين أفواجا أفواجا، طوعا وكراهية. أصوات العقل تغيب، دور المرجعية يهمش، مثلما همش في السابق إلا القدر الخاص بالمصلحة الحزبية والفئوية والشخصية. اللغة المعتمدة هي التخوي، الارتزاق، العمالة، الإرهاب، السرقة و الفساد وملفات كثيرة جديدة وقديمة يعاد فتحه وتقليب صفحاته من جديد.
ستقسم الأدوار والمناطق والثروات حسب النفوذ والقوة، المركزية والشعبية لكل جهة وحزب وتيار خرج منتصرا من الصراع السابق، لكن الحال لن ينتهي هكذا ،فالأطماع أكبر، والتوجهات، والتوجيهات كثيرة ومتعددة ومتشعبة، والتدخلات أيضا. وستحيا الاختلافات والخلافات القديمة المتجددة، وتنقض العهود والأحلاف، وتبدأ مرحلة الصراع السياسي الديني مع الديني السياسي. إذ يأخذ في البدء مرحلة الخلاص من أصوات معارضة إصلاحية في داخل كل تيار وحزب وتوجه، من ثم الأقل تشددا وهكذا، ومع كل مرحلة من هذه المراحل التي تكون سريعة وخاطفة، تظهر أصوات مناوئة ومعارضة، تعامل بمثل ما عوملت بها القوى الأخرى. فيما تدخل أصوات أخرى في خانة الصمت والخوف من أجل البقاء على قيد العائلة أيضا. والأمر هنا لن يبتعد عن تجارب سابقة حصلت في بلدان ودول مجاورة وإقليمية حين هيمنة القوى الدينية على مقاليد الحكم والسلطة، وبشكل خاص التجربة الإيرانية، وشيء من تجربة الإخوان المسلمين في مصر. العنف المصاحب في هذا الصراع سيكون مشابها لسابقه لكن قد تدخل المواجهة العسكرية الميلشياوية على الخط، كون اغلب القوى والتيارات المتصارعة في كلا الطرفين تملك ميليشيات مسلحة ومدربة. وسط كل هذا الثروة الوطنية المتمثلة بمصادر الطاقة النفط والغاز، تكون في يد الشركات العالمية الكبرى، التي تتحكم بالإنتاج والأسعار، وهي في ذات الوقت من تساعد على إنعاش وديمومة هكذا صراعات تبتعد عن الصراع الحقيقي الذي لابد منه والمتمثل بالصراع الطبقي، حيث باتت الفوارق الطبقية والمعيشية كبيرة في المجتمع العراقي ،طبقة تعيش في العلالي ، نواب، تجار، سماسرة صفقات، سراق الخ . وطبقة تعيش على أكوام الأزبال، التي تخرج من مناطقهم الملونة، مع أرتال البطالة، أمنيات أن تكون هذه السطور مجرد إرهاصات وتخوفات لا مبرر لها ولا وجود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza