الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا هم مترددون بتوجيه الضربة لسورية؟

علاء الدين الخطيب

2013 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


الخبر الأول خلال الأسبوع الماضي عالميا وعربيا "الضربة الأمريكية الجوية ضد النظام السوري". لكن كلما تعالت أصوات الحماسيات والتحميس كلما ازدادت أخبار التردد في مراكز القرار الأمريكي والبريطاني والفرنسي بمقابل ثقة روسية وسورية من قبل النظام. الدستور الأمريكي والبريطاني يمنحان أوباما وكاميرون حق اتخاذ القرار بالضربة العسكرية من هذا النوع المحدود دون الرجوع للكونغرس أو مجلس العموم تحت عنوان الأمن القومي وقد عنّونها أوباما "إنه أمن قومي أمريكي". إذا ما السبب الخفي والحقيقي لهذا التردد والرغبة بالعودة إلى تفويض من الكونغرس الأمريكي ومجلس العموم البريطاني؟
تختلط الكثير من الأسباب في صعوبة هذا القرار عند الإدارة الأمريكية، ما بين المصالح الاستراتيجية لأمريكا والموقف الروسي الصيني الحازم ضد الضربة وضعف الحماس الألماني والأوسترالي بل حتى إن حماسية الفرنسيين والبريطانيين مختبئة خلف القيادة الأمريكية "إن أقدتم، تبعنا". والسؤال الأهم هل فعلا أمريكا تريد إسقاط النظام السوري؟ بالواقع كل مواقفها منذ بداية الثورة السورية تقول إنها تريد التحكم بسورية ولا يمكنها بنفس الوقت التخلي عن النظام السوري الحالي، وهذا نقاش آخر خارج هذا المقال. هنا نريد التركيز على حقيقة غائبة ومغيّبة عن الرأي العام السوري والعربي والعالمي بسبب الطريقة السقيمة للإعلام في تناول هذه الأزمات، فهو يضيّع لب وجوهر السؤال بنقاشات ومناورات فارغة حول ماذا قال الرئيس الأمريكي وكيف عبس وابتسم، وكيف رد الروسي بوتين بهدوء أو عصبية، وكيف يشعر بشار الأسد قبل نومه.
السؤال الحقيقي الذي أخاف أوباما برأيي والذي لم يعلنه حتى للشعب الأمريكي هو سؤال تم توجيهه من قبل الاسوشيدت برس للخبير الفرنسي بالسلاح الكيميائي رالف تراب Ralf Trap "هل هناك أي طريقة نضمن بها تدمير كامل لمخزن سلاح غاز الأعصاب دون إرسال جنود متخصصين في عملية العزل والتحويط والتدمير الشامل على الأرض؟" وكان جواب تراب "بالواقع لا". هذا السؤال كان جزء من ضمن استشار لخمسة خبراء غربيين في السلاح الكيميائي.
مجموع الاستشارات هذه أكد عدم وجود أي ضمان أن تفجير هذا النوع من مخازن السلاح الكيماوي لن يؤدي لحدوث كارثة تسمم واسعة النطاق قد تخلف عددا هائلا من الضحايا خاصة وأن مخازن النظام السوري قريبة من مدن كبرى مثل دمشق وحمص وحماة. وقد أجمع الخبراء أنه بأفضل الظروف وبفرض دقة المعلومات الأمريكية الاستخباراتية فعلى الأقل من 20% إلى 30% من هذه المواد الكيماوية بما فيها غاز الأعصاب ستتسرب للمحيط.
وتاريخيا فقد حصلت مرة واحدة بالعراق، عندما فجر التحالف من الجو المخزن رقم 13 بالمثنى عام 1991 حيث كان يحوي 2500 راس صاروخي مُذخر بغاز السارين. وبعد عشرين سنة ما زال هذا الموقع موقع موت لا يمكن للأحياء دخوله. حسب تقرير منظمة حظر السلاح الكيميائي لعام 2012.
مما يزيد من صعوبة التفجير من الجو، أن المطلوب هو تحديد دقيق بهامش خطأ لا يتعدى الأمتار عن مكان تخزين السلاح الكيميائي ضمن المخزن نفسه ودرجة حرارة معينة وسرعة رياح محددة ودقة كبيرة في تقدير التدريع الاسمنتي حول المخزن، بحيث يصيب الصاروخ المجهز ضد السلاح الكيماوي الموقع بدقة كافية ويشتعل حسبما هو مفترض نظريا ليصل لدرجة حرارة 2100 درجة. كلها عوامل تبدو اقرب للمستحيل في تحديدها والجزم بها في سورية الآن. أي كما وصفتها المخابرات الأمريكية ليست "قفزة متقنة تضع الكرة بالسلة بكلتا اليدين Slam Dunk".
سوزان سريكين مدير منظمة فيزيائيون من اجل حقوق الإنسان قالت: "هذه العملية تحمل مخاطرة نشر المواد السامة في البيئة المحيطة بما فيها غاز السارين الذي يزيد من خطورته أن بلا لون ولا رائحة، إن هذا رهيب".
السؤال الاستتباعي: هل يمكن للنظام السوري بخبرة روسية أن يقوم بخدعة ما؟ بكل بساطة هناك عدة خدع ممكنة وسهلة. حرك مكان التخزين بضعة أمتار. أو عند وصول إنذار الإطلاق الصاروخي إفتح سقف المخزن لأن الرأس الصاروخي الأول معد لتحطيم الحاجز الاسمنتي وليس لتوليد حرارة عالية لصهر المواد الكابحة للمواد الكيمايئة السامة، يعني خداع للآلة. أو ضع بضع رؤوس كيميائية قرب صواريخ السكود بعيدة المدى التي قد تكون هدفا أو في الفروع الأمنية الكبرى بعد اخلائها إلا من المساجين. وعندها فالكارثة الإنسانية بمقتل عشرات الآلاف ستوقف الاستنزاف العسكري في سورية لكن بلًوْم الامريكيين والغرب وانتصار النظام وروسيا.
النظام السوري بهوسه بالسلطة ولجوءه منذ البداية للحل الأمني العسكري العنفي ولجوءه لتصعيد العنف ضد الشعب السوري أوصل سورية لتصبح في هذه الحالة المأساوية التي تتقاسمها أنياب الطامعين من الشرق والغرب، وما يزيد مأساوية الوضع أن المعارضة السورية التي تصدت للمشهد الإعلامي وجزء كبير منها بدأ بكل سذاجة أو شماتة يعد حقائبه لتسلم مناصب قد يخلفها بشار الأسد وراءه، لم يسأل السؤال الأساسي ولم يشرح للشعب السوري المطحون بين نيران قوات النظام وبين نيران كتائب الإسلاموية النفطية ماذا يعني "ضرب مخزن سلاح كيماوي". بل الأشد كارثية وألما أن كل الإعلام العربي وكتّابه تجاهلوا هذ السؤال المصيري وصوّروا الأمر على أنه إما "نزهة مؤلمة للتخلص من بشار ونظامه" أو أنه "حملة صهيونية ضد الممانع بشار ونظامه". وما بين النارين المتعصبتين ضاعت الحقيقة على الإنسان السوري. لقد صوّر الإعلام العربي ومعه كثير من المعارضة السورية على أن الموضوع ببساطة "حسنا، النظام السوري قتل وتسبب بقتل ما يزيد عن 100 الف سوري، فإن أدت الضربة الأمريكية لمقتل 10 آلاف أخرى أو بضع عشرات من الآلاف في مقابل الخلاص من النظام، فأهلا وسهلا بالمجاهد الأمريكي في سبيل الله وسورية أوباما". هذا التبسيط والتسطيح والاستهتار بحياة الإنسان لا يقل شرانية واعية أو غير واعية عن شرانية الإعلام السوري النظامي ونيرانه.
المراجع:
1- http://www.military.com/daily-news/2013/08/30/experts-dont-bomb-syrian-chemical-weapons-sites.html
2- http://www.usatoday.com/story/news/nation/2013/08/29/syria-chemical-weapons-attack/2723251/
3-http://abcnews.go.com/Politics/wireStory/ap-sources-intelligence-weapons-slam-dunk-20102965








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة