الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تركت كهرمانة وحيدة؟

حنين عمر

2013 / 9 / 1
الادب والفن




حصلت وأنا طفلة في العاشرة، على بطاقة معايدة قديمة جدا، وكان على وجهها صورة لنصب يمثل كهرمانة وهي تقف فوق الخوابي الأربعين، ولا ادري لماذا أحببتها من أول نظرة، مما جعل أمنية حياتي آنذاك أن ألتقط صورة بجانبها!
غير أن أمنيتي لم تتحقق كما تمنيتها تماما، فلم أتمكن أبدا من الاقتراب من النصب أو النزول من السيارة في المرات التي عبرت قربها وأنا في العراق، واكتفيت بالتقاط صور كثيرة للتمثال من الشباك.
مما جعلني من شدة القهر أكون مصرة على التقاط صور مع شهريار وشهرزاد قرب دجلة، إذ طلبت في آخر مرة إيقاف السيارة في منتصف الشارع، نزلت و ركضت نحوهما، ونسيت أمر الكاميرا... حينما أخذتني شهرزاد من يدي إلى عالمها يومها، وتحول كل شيء حولي إلى مشهد من ألف ليلة وليلة.
لكن في هذه الليلة...صحت بغداد على دمعات شهرزاد وحزن شهريار، فقد غادر النحات العراقي الذي خلدت أعماله تاريخا كاملا من الحكايات والشخصيات في كل أنحائها، و غادر "محمد غني حكمت" قبل أن أستطيع رؤيته كب أخبره عن مدى تعلقي بأعماله وشغفي برائحة الحديد المنبعثة منها.
مات هذا الرجل الذي ولد في بغداد عام 1929 داخل إطار أسرة محافظة جدا، لم تكن تشجع على الفن بل وتعتبره كفرا، لكنه تحدى التقاليد وكسر الحواجز وصمم على منح موهبته أجنحة ترفعها إلى السماء التي تتوق إليها، فقرر دخول معهد الفنون الجميلة ليتخرج منه عام 1953، ثم أكمل دراسته في روما، وبرع في التشكيل والنحت و صب البرونز ح، فنال جوائز كثيرة أهمها جائزة مؤسسة كولبنكيان عام 1964 كأفضل نحات في العالم.
من أشهر أعماله تمثال كهرمانة الذي يتوسط بغداد، وتمثال بساط الريح، وتمثال شهرزاد وشهريار قرب دجلة، و جدارية مدينة الطب، وتمثال أبو الطيب المتنبي ، أما خارج العراق فقد ترك أعمالا كثيرة أشهرها بوابة اليونسيف في باريس وثلاث بوابات خشبية لكنيسة "تيستا دي ليبرا" في روما، ليكون أول فنان مسلم أخدت أعماله لتزيين كنيسة، وهذا يعود لتميزه ولقدرته الفائقة على ترك بصمته بشكل واضح في كل الأعمال التي أنجزها، إذ أن دراسته في الخارج لم تستطع أن تطمس معالم روحه الشرقية التي تميزت بها تماثيلهُ و إبداعاته، فكانت شهرزاد واسعة العينين عراقية الملامح، وكانت أبوابه مزينة بزخارف من التراث العراقي، وكان من الواضح أن أسلوبه مرتبط جدا بعروبته وعراقيته وحتى بسومريته وبحضارة بلاد مابين النهرين القديمة من خلال إيحاءات النحت البابلي والآشوري، ومن خلال تشكيلات الحروف العربية التي استطاع بها أن يخرج من النمطية ليخلق فضاءً جديدا لـ" اللغة / الشكل" كأن المقصود خلق انعكاس الشعر الذي يمثل "الشكل/ اللغة".
يقول محمد غني حكمت عن نفسه : "من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحات سومري أو بابلي أو آشوري أو عباسي كان يحب بلده"، ولعله بهذا يعلن عن سره ربما دون أن يقصد ذلك، السر الكبير الذي يجعلنا مبدعين ومميزين ومختلفين وعظماء...السر الذي يتكون من حرفين فقط، ولكنه كاف لجعل العالم أجمل وأرقى و أنقى وأصدق ...إنه الحب، الحب الذي جعل هذا الفنان يزين بغداد والعالم على طريقته، فيترك في العابرين على شط دجلة يوميا ساعة المغيب، رغبة في الجلوس قرب أحد تماثيله... والطيران نحو عوالم أخرى.
وأنا ...أريد أن أطير الليلة نحو العراق، لأكون موجودة حينما ستترك كل تماثيل محمد غني حكمت أماكنها وتسير لتتجمع معا قرب دجلة، من أجل أن تبكي رحيله بعد أن ينام كل الناس في المدينة....المدينة التي ستظل تسألهُ : لماذا تركت كهرمانة وحيدة؟
حنين//








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب