الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قسمة ضيزى

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


إن التغيير الذي طالما انتظره المغاربة و"زكلوا" - أي فوتوا الفرصة- عبر أكثر من خمسة عقود أكثر من موعد لقائه، ومازال هذا الموعد في خبر كان . إذ أنه، على مستوى المنهج أو غياب سبل وغياب توضيح آليات كل الأهداف التي أعلنتها الحكومات المتعاقبة وآخرها حكومة عبد الإله بنكيران رغم كل ما يقال عن تقدم الدستور الجديد.
لقد تأكد بما فيه الكفاية أن سبب "زكل" المغاربة مع التنمية الحقيقية هو قسمة ضيزى لثروات ومقدورات البلاد، فهل "الفكوسة عوجة" أصلا ولا سبيل لتقويمها إلا بالتكسير.
في واقع الأمر إن أغلب المغاربة اليوم لا يطالبون إلا برؤية توضح فشل الماضي والحاضر وما انطوت عليه مختلف التجارب من مثبطات لتحقيق ما ظل يثوق إليه المغاربة منذ الحصول على الاستقلال لرسم ملامح المستقبل المشرق الذي ظل مستعصيا .
لقد تأكد بما يكفي أنه لا يمكن أن نطمع إلى التقدم وتغيير واقع الحال المزري، كما لا يمكن أن نحقق تنمية في صالح كل المغاربة – وليس كمشة منهم – إلا بإعادة النظر بشجاعة ودون مواربة في القسمة الضيزى .
فلم يسبق أن سمعنا يوما منذ حصول "مغربنا السعيد" على الاستقلال – الذي اعتبرته طغمة كاملا مكمولا في حين وُصف بالأعرج عند البعض وشكلي مبيّت عند الكثيرين- أقول لم يسبق أن سمعنا على أنه تمّ القيام بعملية نقدية لأية سياسة سبق اعتمادها رغم أن الكثير من السياسات أضرت بالمغرب والمغاربة، حتى التي طوّعت بالبلاد والعباد إلى الهاوية. وهذا أمر يعكس بجلاء وبفضاضة القيمة التي ظل يوليها القائمون على الأمور على امتداد أكثر من خمسة عقود للشعب وللإنسان المغربي، إذ في نظرهم لا يهم على الإطلاق أن يكون المواطن على علم أو موافق على هذه السياسة أو تلك، وإنما ظلوا يقررون ما يحلو لهم وكفى و"ليشرب الشعب البحر"، كما أنه لا يهم إن نجحوا أو فشلوا، لأنهم على علم –علم اليقين- أنه لا حساب ولا مساءلة.
كنّا نود أن يشكل الدستور الأخير –على علته والظروف التي فرضته – فرصة غير مسبوقة في المغرب لإعداد رؤية وبرامج تأخذ بعين الاعتبار أهمية تقييم ومراجعة السياسات المعتمدة.
فكم من سياسة اعتمدناها – وأغلبها فاشلة بقوة نتائجها على أرض الواقع- لكن لم يسبق تقييم إحداها علنيا وبشفافية ومسؤولية للوقوف على مواطن الخلل. بل هناك من تلك السياسات ما ظلت تتبناه الحكومات المتعاقبة بما فيها حكومة بنكيران.
هذا من بين الأسباب التي جعلت "مغلابنا السعيد" عديم القدرة على مراكمة خبرات فعلية حقيقية ومجدية. ويزيد الطين بلّة بفعل غياب "مستدام" لرؤية شاملة، مما جعل نصف قرن من الاستقلال يذهب سدى بالنسبة لأغلبية المغاربة. إنها حقيقة مرة رغم أن القائمين على أمورنا لن ولن يقبلونها.
وقد يقول قائل أن المغرب حقق بنيات تحتية ضخمة وتقدما نوعيا نسبيا في بعض جوانب ظروف الحياة، لكن كل هذا لم يرتكز على منظومة داخلية تسمح بالتطور الفعلي وتراكم خبرة تدبير آليات التنمية. وهنا تكمن أخطر معضلة يواجهها "مغربنا السعيد" اليوم، سيما أن مصادر ثرواتنا الوطنية هشة جدا وقابلة للانهيار في أي لحظة من حيث لا نحتسب، الشيء الذي يسهل خضوع بلادنا لإملاءات الخارخ والخنوع إليه خنوعا، مما جعل المغرب يعيش بفضل الديون والقروض والصدقات الخارجية.
يبدو أن القائمين على الأمور بالمغرب أجبلوا على أن يسيطر عليهم الفكر الآني واللحظي. ولطالما تحدى البروفسور المهدي المنجرة –الذي يُعتبر من القلائل جدا الذين تابعوا وتتبعوا مسار البلاد بوطنية ومصداقية ونزاهة وعقلانية- القائمين على الأمور والحكومات المتعاقبة على المغرب أن يدلوا برؤية تُأطر عملهم. ومع الأسف الشديد مازال الأمر قائما إلى حد الساعة.
الغريب في الأمر، إبّان الاستعمار والظلم والجور والاستغلال المفضوح- كانت هناك درجة من الشفافية. كان المستعمر الفرنسي يُعلن بكل وضوح عن رؤيته التي يمكن اختزالها في "المغرب النافع والمغرب غير النافع". آنذاك كانت الأمور واضحة، إذ كانت هناك رؤية شاملة – محددة المعالم ومضبوطة المقاصد ومعلومة الأهداف- للمستعمر الفرنسي. كما كانت، زمنئذ، رؤية النخبة المغربية التواقة للتحرر والاستقلال والانعتاق من الاحتلال – سيما بين 1934 و 1954 – واضحة وشفافة المعالم. لقد كانت رؤية بلورتها الحركة الوطنية في مختلف المجالات والقطاعات: السياسية، الاقتصادية، المالية والتعليمية....
لكن بعد الاستقلال تمّ –بكل بساطة – التخلي عن شفافية ووضوح الرؤية، بل التخلي عن مبدأ الاعتماد على رؤية بعد أن تمّ اغتيال الرؤية التي أقرّتها حكومة عبد الله إبراهيم، التجربة اليتيمة في تاريخ المغرب المعاصر. ومنذئذ ظللنا نهيم على أرض "المغرب السعيد" دون رؤية شاملة محددة المقاصد والأهداف إلى حد الآن. إن الرؤية الوحيدة – لو أمكن نعتها رؤية تجاوزا – التي عرفها "المغرب السعيد" هي تلك "الرؤية" التي كانت تخطط للفساد والمزيد من الفساد، وبذلك تحققت الفكرة القائلة ليس شيء من مستقبل إلا شيء واحد إلا الفساد المؤدي للفقر والتفقير، وفي هذا الصدد سبق للبروفسور المهدي المنجرة أن قال:" في المغرب شيء واجد له مستقبل، إنه الفقر والفقرقراطية".
لقد تخلت "النخبة" تدريجيا عن فلسفة تلك الرؤية التي بلورتها الحركة الوطنية وعرفت أبهى ترجمتها على أرض الواقع في برنامج حكومة علد الله إبراهيم. تخلت نخبتنا عن تلك الرؤية وفضلت الارتزاق أو التحالف مع مصالح الانبريالية والاستعمار الجديد، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
لقد كانت بلادنا تتوفر على رؤية في فجر "الاستقلال" وكان حولها إحماع المغاربة الشرفاء. آنذاك كانت النخبة مازالت مرتبطة نسبيا – بشكل أو بآخر – بالشعب وطموحاته، عندما لم تكن سائرة على درب الارتزاق زالانتهازية والوصولية والنفعية. لكن من الأكيد أن النخبة المرتزقة تتوفر فعلا على "رؤية" خاصة بها غير معلنة. إنها رؤية البقاء في السلطة وعلى الكراسي لأطول فترة ممكنة للمزيد من الاستفادات غير المستحقة على حساب أوسع فئات الشعب المغربي. إنها الرؤية التي اعتمدتها بعد عملية مخزنتها (أي النخبة).
ومع استمرار غياب رؤية واضحة المعالم ومحددة المقاصد ودقيقة الأهداف، طغى عدم الوضوح والضبابية في المجال السياسي، وبذلك سيبقى الزيف ينكشف من حين لآخر، وستظل العدالة الاجتماعية بعيدة المنال على أرض الواقع رغم تقريبها في الخطابات الرنانة، وستزداد الفوارق الاجتماعية بين الكمشة الأكثر والأفحش غنى وثراء والسواد الأعظم الأكثر فقرا يوما بعد يوم، وسيبقى الكذب والنفاق من طرف المتحركين على الركح السياسي في "مغربنا السعيد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في