الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المَسْطَر (نصوص من وحي الفجيعة )

منى الحاج

2013 / 9 / 2
الادب والفن


إلى من يسهموا في لملمة مسراتنا ، أحلامنا من البعثرة
إليكم ... عمال المسطر
هذا القليل


خروج صاغر ...

لطالما تربعت على عرش أمنياتهم ، أمنية العودة بعد الخروج ؛ لذا فالبخل لا يعرف طريقا إلى حفنة المياه المرشوشة خلف خطوات أعياها هاجس العودة إلى واقع يرغمهم على الخروج صاغرين .


ليتها شافية إجاباتنا

العمل المرتقب يضعه أمام حلول عديدة لعلّ أولها الذهاب بوالدته إلى الطبيب فحالها لا يحتمل التأجيل أكثر ، إذ بعد كل نوبة تعصف بصحتها يجعل من الشعور بالذنب سوطا يجلد به عذاباته الممتدة منذ اللحظة التي ركلته في أحضان أمٍ وأبنائها الأربعة هم أسرته التي وجد نفسه معيلها الوحيد بعد أن التهمت إحدى الحروب ألعبثية والده ، فبين أخوة سلبت أحشاءهم سنوات حصار ضروس وبين أمٍ لا همَّ لها إلّا التعجيل بصنع رجل يملأ ما تركه والده من فراغ ، سيمفونية المصير ذاتها تزداد طرقا على ذاكرته المتعبة ، فشريط أحداثها يزداد فاعلية وإيلاما كلما أوغل في رحلة التأمل لسنين المحنة الناحبة . . .
" الخامسة والثلث " جاءه الجواب مفاجئا من السائق ، بعد خروج تمتمة متسآلة لشفتيه عن الوقت دون إدراك منه بذلك " رحم الله والديك " متوجها بالكلام للسائق ، ومرددا في سره " الحمد لله لقد استيقظت مبكرا ... أجل سأكون أول الحاضرين إلى المسطر " ، كان موعد التجمع مع صاحب العمل عند السادسة صباحا في المسطر ، دقائق قليلة تفصله عن الوصول هذا يعني دعم لجوِّ الثقة التي بات يحظى بها عند المقاولين الباحثين عن العمالة " انشالله أجر هذا العمل يكفي لعلاج والدتي ، وأيضا تسديد الدفعة الأخيرة من الأقساط المستحقة علينا لنتمكن بعدها من شراء حاجات أخرى " ... الحسبة ذاتها إذ اعتاد الجمع والطرح والقسمة جاعلا من ذاكرته حاسبة جوّالة كلما حظي بفرصة عمل جديد
ــ " راس المسطر لو راس الشارع ؟ " ما أن انطلق هذا السؤال من فم السائق حتى تلاشت ذبذباته متبعثرة بريح عصف داعرة أحالت المكان إلى أكوام من الدخان المتطاير بروائح أشلاء لما تزل تحلم بعد بإجابات شافية .

المَسْطَر

" هانت حبيبتي لم يتبق سوى أشياء بسيطة وبعدها سنجتمع تحت سقف واحد ... " كثيرا ما ترددت هذه العبارة في لقاءاتهم العابرة والمسروقة من رقابة الأهل وتلصص أعينهم ، إذ لا قيمة لعلاقة طاهرة ما لم تعمّد بقداسة مزعومة لا يمكن الفرار من خيوطها العنكبوتية . . . وكأن ثلاث سنوات من حرقة الانتظار لم تكن كافية للملمة حاجيات قالوا إنها دعائم الزواج المقدس وضامنة لديمومته وغاب عن الحسبان أن ثمة متربص استهوته كثيرا لعبة فضّ الأعمار ، علقت ببالها تلك العبارة ليظلّ صداها يتردد في ثنايا حياة وُئدِت أنفاسها ، كيف لا وهي آخر ما وطئ مسامعها عبر نقال يهمُّ بالانطلاق صوب المسطر .


حين تتآكل أمنياتنا

خرج واعدا إياها بتحقيق ما تتيحه الأيام القادمة من تحقيق لأمنياتها ، ولم يدر في خلده أن هذا الجزء اليسير من الأمنيات سيلتهم ما تبقى من أمنيات مدّخرة لزمن خُيّل أنه آت لا محالة .


ليته لم يُجاب ...

" انشالله تروح مترجع " ، ظلت تعصف برأسها تلك العبارة وهي تحدق مشدوهة بعيون النسوة المواسيات ،لتتبعها نوبة هستيرية من الصراخ والعويل لا تجدي معها كل محاولات التصبير والمواساة إذ أنّ الشريط يصّرُّ عابثا بخيالها ، يترآى لها بهيئته الشيطانية ليصفعها دون رحمة " انشالله تروح مترجع " ، وهكذا كلما حاولت السكينة اعتلى صوت يلتهم الأصوات جميعها " أنتِ السبب ... أنتِ ألسبب " ، أجل أنا السبب ... أنا السبب هازة رأسها بحرقة ، وكأنها تبحث عن حجر لتهشمه به " لو أنني لم انس " ، مستعيدة كلماته الرقيقة " لولا آلام رأسي لما جعلتك تستيقظين لإعداد استكان الشاي ، لكنه الصداع " .
فجأة قفزت أمام ناظريها صورته محمولا من قبل رفاقه بعد ان تهاوى من على سكّلة البناء ولولا اللطف الآلهي لكانت خاتمته منذ ذلك الحين عندما ذهب مسرعا لئلا تفوته إن تأخر فرصة الظفر بعمل ؛ ولأنه لم يرتشف استكان الشاي المعهود لنفاده في المنزل وقتها ؛ لذا فهو يصرُّ كثيرا على ادّخار كمية لا بأس فيها تحسبا لأي طارئ .
" لكنني نسيت ... نسيت " تردد هذا الاعتراف بثنايا روحها الكسيرة ليرتجّ جسدها بهزات ارتدادية لن تتركها إلّا صريعة لهذا الطنين الذي وجد له مرتعا في رأسها الرخوة ، وبعد هدوء مصطنع ، تجدُّ بحثا عن مبرر لولادة هذا الدعاء " انشالله تروح مترجع " الذي ما كان ليصدر عنها لولا مزاجه الحادّ حينها " لقد وصفني بالغبية وشبّهني بالحمارة ، ثم إنني لم اقصد استحالة الدعاء إلى حقيقة كان محض لغو ليس إلّا ... آهً ... آ آ آ ه كلا لم تكن تلك السيارة المفخخة ، ليست السيارة المفخخة ، ولتجهش باكية مدوّرة رأسها بين النسوة وقد نثرت شعرها ومزقت ثوبها تحدّق بصغارها الخمسة متمتمة " أنا من أيتمكم أنا من قتل والدكم ، أنا من قتله وليس المفخخة ، أنا ، أنا ، أنا " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع