الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد العدوانين الداخلي والخارجي في سورية

مهند عبد الحميد

2013 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


قرع الرئيس الأمريكي باراك أوباما طبول الحرب، وأعلن عن نيته توجيه ضربة "محدودة " للنظام السوري. الاهداف المعلنة للعدوان : "حماية الامن القومي الامريكي والدفاع عن حلفاء بلاده" من السلاح الكيماوي الذي يمتلكه النظام . وهذا يعني ان الهجوم الامريكي سيدمر مخزون السلاح الكيماوي ويدمر معه شبح الكيماوي عن اسرائيل. موقف امريكي حافل بالتناقض والالتباس. فالمصالح الحيوية الامريكية غير مهددة بأي حال، واسرائيل قادرة على توجيه ضربة قاضية تؤدي الى انهيار حكم الاسد كما يقول احد الكتاب الاسرائيليين، وكما تقول تجربة الاعتداءات الاسرائيلية الاستفزازية التي حققت اهدافها دون اي رد من النظام.
اختفى كل حديث وإشارة عن الضحايا والمنكوبين من الشعب السوري الذي تعرض لمذبحة الكيماوي ولاعمال قتل وتدمير على امتداد عامين ونصف العام، جعلت حياته جحيما لا يطاق. وضع الخطاب الامريكي الغربي الضحايا على هامش المشهد، أثناء محاولة تسويغ المشاركة في العدوان. فالمصلحة الامريكية والغربية هي مربط الفرس، وهي التي تقرر التدخل أو عدم التدخل ومستوى التدخل ومدته. ونظرا لضآلة تلك المصالح المباشرة في سورية فقد التزموا سياسة المراقبة والانتظار وغض النظر وسياسة الفوضى الخلاقة في الصراع الدائر بين نظام وشعب. وفي غياب المصالح والحافز القوي،دعموا كل ما من شأنه إضعاف وتشويه وتخريب وإفشال ثورة الشعب السوري. حدث ذلك حين شجعوا دخول القاعدة وكل عناصر التعصب والاجرام الى حلبة الصراع من جهة، و حين تجاهلوا تدخل (ايران وحزب الله والفيلق الشيعي العراقي) في القتال الداخلي من الجهة الاخرى. وسمحوا بإغداق البترو دولار والغاز دولار على الجماعات والوكلاء الذين يلتزموا سياسة الغرب .وحين صمتوا صمت القبور على مجازر النظام وجرائم القاعدة واخواتها التي لم يقل متوسط حصادهم الوحشي اليومي عن موت 100 ضحية معظمهم من الابرياء والمدنيين السوريين.
لم يقل الرئيس الامريكي في إنذاره الحربي أن من اهدافه وقف نزيف الدم السوري ووقف الحرب الوحشية المدمرة التي أدت الى تهديد الامن القومي الامريكي والحلفاء كما قال. وكان من المنطقي ان يدعو ويعمل على وقف حرب كان من اخطر تداعياتها ذلك التهديد المزعوم. لم يَعٍد الرئيس المنكوبين والمشردين والمفقودين والمعتقلين بوقف مأساتهم أو على أقل تقدير لم يعدهم باستراحة محارب ولحظة لالتقاط الانفاس، لم يَعِد بعمل وجهد دولي يستبدل الحل العسكري الامني بحل سياسي تفاوضي يحترم إرادة الشعب السوري. ولم يُطلق أوباما وحلفاؤه مشروع إعادة بناء سورية المدمرة،كل هذه الاهداف بقيت خارج الاعلان عن التدخل الامريكي الغربي. كل هذه المأساة السورية، وكل هذا الموت السوري، الناجم عن اسلحة تقليدية واسلحة محرمة لا يهدد الامن القومي الامريكي. الدم السوري والمعاناة السورية لا تعني الرئيس ولا تعني مجلس العموم البريطاني الذي رفض الحرب من منطلق رفضه لاضافة خسائر جديدة. غير أن الرئيس أوباما سيحارب لمزيد من التحوط والحيطة والحذر إزاء الامن الاسرائيلي الذي قد يتعكر صفوه بعد رؤية الاطفال السوريين المختنقين بالكيماوي، ومن اجل استعادة الهيبة وقوة الردع الامريكية التي تدحرجت الى القاع ولم يحسب لها حساب من أصغر تنظيم الى أكبر دولة في هذا الشرق المتخبط.
بعض الدوائر الغربية والاسرائيلية تحدثت عن احتمال التوصل الى صفقة امريكية روسية على هامش قمة العشرين في بطرسبورغ، التي تسبق مدة الانذار الامريكي، صفقة تقود الى نزع السلاح الكيماوي والصواريخ بعيدة المدى السورية مقابل التراجع الامريكي عن توجيه ضربة للنظام. إن اكثر المتحمسين للحل السياسي بعيدا عن الحرب، يتجاهلون ايضا مأساة الشعب السوري. ولا يريدون لنزيف الدم ان يتوقف. ما يهمهم تجريد النظام من سلاح قد يستخدم ضد اسرائيل في قادم الايام . لذا فإنهم مع استمرار الحرب الذي يتولى فيها النظام تدمير السلاح الاستراتيجي وتدمير سورية الدولة والوطن والشعب. ومع استمرار توافد قطعان القتلة من القاعدة ومثيلاتها كي تخسر الثورة السورية كل تعاطف وتأييد وتفقد مبرر استمرارها.
لا يمكن التعويل على المواقف والسياسات الامريكية الغربية بعد تجربة مريرة في العراق وفلسطين ومصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين وسورية. وتحصيل حاصل من المنطقي ان يُرفض التدخل الامريكي الغربي ، وأن يقال لا للتدخل الامريكي الغربي في سورية وفي كل مكان. فهذا التدخل ضمن مواصفاته المنوه عنها هو عدوان خارجي . غير ان رفض العدوان الخارجي لا يعني بأي حال من الاحوال تأييد النظام الدموي السوري في حربه الوحشية ضد الشعب السوري وثورته الديمقراطية، لا يعني تأييد العدوان الداخلي. إن كل من يؤيد النظام في حربه الدموية ضد الشعب السوري هو شريك في العدوان الداخلي، الوجه الاخر للعدوان الخارجي. ما يهم هو الانحياز للشعب السوري ضد العدوانين. وما يهم اكثر هو وقف المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري العظيم.
كثيرون لم يحترموا عقولهم وعقولنا عندما رأوا الصراع من خرم ثنائية نظام دموي وتدخل خارجي ، ودعوا الى الاختيار بين طرفين معتديين من طبيعة واحدة رغم التفاوت الظاهري بينهما. ان تكون مع نظام دموي يقتل ويستغل او مع كولونيالية جديدة وأدواتها تنهب ونهيمن. إن الداعين للاختيار بين قطبي الثنائية يتجاهلون جوهر الصراع وهو الشعب السوري، يتجاهلون الشعب بل يدمجونه بالثورة المضادة وبالمعتدين وبالخيار الكولونيالي. ومن فرط تغييبهم للشعب فهم لا يضيرهم عدد الضحايا من الابرياء ولا اعمال القهر والتدمير والانتهاكات، بل انهم غير معنيين بمعرفة ما يتعرض له الشعب السوري ولا حتى المخيمات الفلسطينية في سورية من محن. هم لا يروا ولا يسمعوا ولا يتكلموا عن خسائر الشعب وعن المتسببين بها. هم لا يعترفون بوجود قوى ثورية وديمقراطية ونخب ثقافية سورية ضد النظام وضد التدخلات الخارجية. والمصيبة ان هذا الانكار يأتي في ذروة ثورة الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وهذا يعني أنه من غير المتعذر التأكد من صحة المعلومات.
كل الذين يرفضون العدوانين الخارجي والداخلي مطالبون ببناء بديل وخيار ثالث ينشد الحياة والحرية للشعب السوري والشعوب الرافضة للعبودية بأشكالها المتنوعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي