الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لابد من أن يعود العالم إلى أوجلان

صالح برو

2013 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية




إن أخلاق الحداثة الممسوخة جعلت المجتمع العالمي بشكل عام ساذجًاً وسخيفًاً أكثر مما هو عليه إلى حد لا يمكن تصوره في أي عصر مضى ،وبما أن معظم الحداثويين قد فقدوا ذواتهم منذ أن تخلوا عن الأخلاق الإنسانية طوعًاً, لسنا مخطئين عندما نصفهم " بقدر ما هم أموات ليسوا أحياء لأن الحداثة بكل بساطة لا تساوي إلا عبودية خانعة.
أما بالنسبة للذين نادوا بالحداثة واستخدموا هذا المصطلح moderniste قبل الثورتين الأميركية والفرنسية فإنهم لم يكونوا مدركين لحقيقة هذا النظام المتناقضو وغير دارين بأن كل شيء فيه عابث وسخيف ومعاد لكل ما هو خير,لم يكونوا مدركين أنه يعترض في وجه كل ما ينادي بالفضيلة ويمقت كل من له صلة بالحقيقة,و لم يكونوا مدركين إن الحداثة عالم قائم على ثقافة رأسمالية متغلغة في شتى أنحاء العالم,بدءاً من الفرد والعائلة ,ومرورًا بالمجتمع ونظام المؤسسات ,وانتهاءً بالدول التي لا تمنح امتيازاتها إلا من يكون خانعًاً وقابلًا للتكييف معها والانصياع للظلم واتباع نهج ما يسمى بالمال، ولكن عندما أحس البعض من النخبة الأوروبية بهذه الحقيقة، و وجدوا أنها تشكل خطرًا جذريًا يهدد تاريخهم وحضارتهم وتقاليدهم وتراثهم وثقافتهم تمسكوا بجذورهم الأصيلة خشية من أن تصبح نهج الحداثة اللا أخلاقية بديلة عن كل ما هو أخلاقي، وبالرغم من ذلك فشلوا,مما أجبر جان جاك روسو أن يتحدث عن ذاك الخطر المحدق بهم في روايته " ايلويز " حيث يقوم بطل الرواية "سان برو" برحلة استكشافية من خلال نظرته للمجتمع الفرنسي آنذاك وراح يكتب لعشيقته" جولي " من أقصى أعماق الدوامة الاجتماعية التي عاش فيها قائلاً :" بدأت أحس بالسكر إزاء هذه الحياة القلقة الصاخبة..فبهذا الحشد من الأشياء التي تمر أمام عيني, أحس بالدوار..ومن بين كل هذه الأشياء التي تدهشني ليس هناك ما يسند قلبي. وكل هذه العوامل مجتمعة تقلب مشاعري حتى أنني أنسى ما أكونه وإلامَ أنتمي"وما عبَّر عنه روسو ليس إلا جواً مليئاً بالإضطرابات النفسية حيث تتسع فيه إمكانيات هائلة لتدمير الحدود الأخلاقية والروابط الاجتماعية، بمعنى أن الحداثة عالم مؤسس على الردة والانحدار والضياع,عالم تهيمن فيه الأشباح.

والمشكلة العظمى التي أود طرحها هنا أنه ومن من خلال ما عاناه المجتمع الأوربي حتى يومنا هذا وما تحدث عنه عالم الاجتماع الفيلسوف عبدالله أوجلان ضمن مرافعاته بشكل مفصل وبطريقة علمية دقيقة ,ووضع الحلول الجذرية لكل ما عجزت عنه سائر الإتجاهات الفلسفية عبر التاريخ,والتيارات السياسية والمنظمات التي تدعي بأنها معنية بحقوق الإنسان,والمجتمع المدني في العالم,وتم إخفاء هذه الحقائق والحلول الأوجلانسية عن المجتمع العالمي برمته من قبل كافة الحكومات المتورطين بذلك, أنه لايزال الكثير من سكان العالم وخصوصًاً في منطقة الشرق الأوسط مبهورين بمعاني الحداثة المفعمة بالمفارقات والتناقضات التي تخضع فيها المجتمعات لهيمنة التنظيمات البيروقراطية التي تتحكم بسائر المجتمعات والأعراف والقيم الإنسانية النبيلة التي دمرتها الحداثة.

فإذا كانت الحداثة على حد تعبير الكثيرين,أنها سعت إلى توحيد كل الأمم وساوت بين جميع الدول و الطبقات والأديان وسائر الإتجاهات فإني أوافقهم في ذلك ولكن على أساس التفكك والتمزق والتنافر, بمعنى أن وحدة الحداثة وحدة ذات إشكالية تتصف باللاوحدة وهذا يفضي إلى أن الحداثة لم تسع يوماً إلى تنظيم حياة المجتمعات بل جعلتها تفقد تنظيمها على أساس إدارة تنظيمية جديدة هشة ومفرغة من الداخل, كونها قادت الجميع نحو التفسخ بحجة التجدد , قادتهم إلى الصراع بحجة مكافحة الإرهاب المصنوع سابقاً في منشآته و كواليسه , وجه العالم صوب الغموض والضياع بحجة التقدم والحضارة. علما أن حقيقة الحداثة ليست إلا بؤساً ودماراً، أوليس من العار بعد كل ما جرى أن تحكمنا هذه الكائنات الممسوخة.

يقول مارشال بيرمن " إن أحد شروط الاتصاف الكامل بالحداثة هو أن تكون معاديا للحداثة"
لكن عندما تصبح الحداثة اللا أخلاقية إلى أخلاق حضارية في نظر الكثيرين من الشعوب لأبد لها من السقوط في الهاوية,وما يحدث حتى الآن في كل أرجاء المعمورة بدءاً من الأنظمة المتساقطة ومرورًاً بالمعارضات التي لا ترى إلا عن طريق المجهر وانتهاءً بالصراع المختلق والمقصود بين العشائر والقبائل والطوائف والقوميات كلها مؤشرات تؤكد على سقوط البشرية في فوضى كونية عارمة,وهذا ما حذر منه المرشد عبدالله أوجلان قبيل حدوثها منذ سنوات في مرافعاته الموجهة لمحكمة الإتحاد الأوربي لحقوق الإنسان والتي جاءت في عدة مجلدات " الكردي الحر" و"مانفيستو المجتمع الديمقراطي " و" مانفيستو الحضارة الديمقراطية إذ قال أوجلان:" ما من شيء أخطر من تضييق الخناق على الحياة و من مأساة الحياة المبتورة من جوهرها ومقوماتها الزمكانية. إننا وجهاً لوجه أمام أشد المصائر بؤسًاً. فالسرطنة الاجتماعية ليست تصورًاً من صنع الخيال, بل هي التفسير الأمثل للواقع الملموس للنظام القائم إزاء الحياة "
لذا يتوجب على كافة المجتمعات أن تدرك أن قاعدة الحداثة انطلقت مع الشركات التجارية الربحية والمصانع والمنشآت الكبيرة والمعامل الأوتوماتيكية التي جردت المجتمع برمته وحولته إلى آلة,ثم مع المناطق الصناعية والمنشآت الضخمة المتواجدة في المدن المزدحمة بالسكان وما يصدر عن مداخنها المسمومة والتي تشكل سحبًاً ملوثة في سماء العالم إضافة إلى الشوارع والأحياء المليئة بالناقلات والحافلات, يليها آلاف المجلات والصحف اليومية التي تجعل المجتمعات حائرة عن التمييز بين الحقيقة والكذب لكثرة التضليل فيها..وأخيراً مع أجهزة الإتصالات التي باتت تغزو جميع العقول و يتم استخدامها حسب الميزة و الموضة.بمعنى أن نظام الحداثة بقدر ما أرهق الطبيعة سعى أيضاً من خلال مؤسساته لتحويل الموظفين والعاملين والمهنيين إلى آلات وجردتهم من إنسانيتهم في سبيل كسب المزيد من المال,بحيث قدم لهم الكثير من المغريات مقابل ذلك, حتى لم يسلم الفنانون والأدباء من ضياع ذواتهم من تلك الحيلة,حيث وقعوا في فخاخ وهم الإبداع الذي ابتكرته الحداثة لهم في سبيل الانصياع للذة والمتعة والشهرة. لذلك وصف نيتشيه سلوك مجتمع الحداثة بالقوا:" تستطيع غرائزنا أن تنطلق عائدة إلى الوراء في جميع الاتجاهات,ونحن أنفسنا لسنا إلا نوعاً من الفوضى والسديم". فإذا كان حال المجتمعات كما يصفه نيتشيه,كيف يمكن لها أن تعود إلى الذات والهداية. فما بالنا إذا وقع فيلسوفاً مثل ماركس ضمن هذا الضياع ولم يعي ذلك إلا مؤخراً بعد أن فاتته هذه الحقائق والأجواء واصفاً هذا الضياع بالقول: " إن الجو الذي نعيش فيه يثقل كاهل كل منا بثقل يزن عشرين ألفاً من الأرطال, ولكنك هل تحس بهذا الثقل"

أهداف الحداثة
إن الحداثة سحقت المجتمع الإنساني لخلق مجتمع عالمي بديل,مجتمع لا يولي أية اعتبار للعلاقات الاجتماعية النبيلة والأصيلة ,مجتمع خال من المشاعر والأحاسيس ,مجتمع لا إرادة ولا شخصية له, مجتمع تنعدم فيه الشفقة والرحمة,مجتمع تنحل فيه أواصر الصلة و علاقات المودة والحنين.
وعندما توصلت الحداثة إلى مبتغاها رفعت من قدر السيئيين والظالمين والمستغلين والمضطهدين الطغاة بشكل عبثي لا مثيل له, فمن الطبيعي أن يتباهى كل هؤلاء المنبوذين بالحداثة جنباً إلى جنب ومبهورين بها لأنهم" ليسوا إلا نتاجات نفايات ميكانيكية ضخمة " فإذا كانت الحداثة قادرة على خلق مستقبل طليق,مستقبل مفتوح لأتباعها فهذا يعني أنها تمتعت بذلك على حساب الغير.
و إذا كان " التاريخ بوصفه نشاطاً لا يعرف السكون" حسب تعبير هيغل وماركس فإن الحداثة تحيا في تاريخ مضاد للأخلاق والكرامة,كونها عجلة تحمل عربة لا تسير إلا عبر ممرات لتفرغ حمولتها في الهاوية.ولكن هذا لا يعني أن العالم قد افتقد إلى النور والإنبعاث طالما هناك نوراً تجسد بحديقة مليئة بالحياة يرعاها المرشد أوجلان" الحقيقة الواضحة تؤكد أن النصر سيكون حليف الإنسانية وحليف شعوبنا ".

حرية الحداثة
إن الحرية التي جاءت بها الحداثة هي حرية حرضت على الاضطراب والقلق,حرية انصهرت في فضيحة الإغواء بالجسد,حرية التبادل بالعورات,فهل يمكن تسمية هذا النهج السام بالحرية ؟

صرح السلام

لا يمكن لشعوب العالم أن تخرج من هذه الأزمة العالمية المستفحلة إلا بالعودة إلى الفلسفة والحلول الأوجلانسية,وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي ، ولا يمكن تنفيذ مشروعه ( الكونفدرالية الديمقراطية ) إلا بالتفاوض معه حصرًاً ضمن نطاق أخلاقي وإنساني أممي كما يليق به شخصًاً وفكرًاً وقيادة ودليلاً ، ولا يمكن تطبيق هذا المشروع ( العصرانية الديمقراطية ) إلا بخروجه من جزيرة إمرالي. لأن مشروع ( العصرانية الديمقراطية ) هو الحل السليم والأمثل لضمان حقوق جميع المجتمعات في الشرق لوقف إراقة الدم وحل جميع الخلافات والنزاعات بين جميع المكونات.وإذا أقدمت الحكومة التركية على هذه الخطوة، ووقعت معه اتفاقية السلام سينعكس ذلك إيجابًا على دول الجوار، وسيعود الاستقرار إلى المنطقة بشكل عام ،وهذا ما تفتقره المنطقة، وهو السبب الرئيس لعدم خروج الشرق الأوسط من الحرب الدائمة، وبالتالي عدم الاستقرار والصراع يصب في مصلحة الغرب وفي مقدمته مصانع الأسلحة وهذا ما يحدث حتى هذه اللحظة ولا منتصر سوى هذا الثالوث ( الغرب والموت والمال ). فكلما تأخر تفعيل هذا المشروع من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والحكومة التركية كلما كانت الضريبة أعظم وعدد الضحايا والمتشردين والقتل والخراب أكبر,بالدليل أن الوضع الراهن قائم على هذا المنوال ولا يمكن الاستهانة بما هو آت.لكن مع الأسف أن الطبيعة البشرية لا تكتشف الحقائق إلا لاحقاً بعد ضريبة باهظة الثمن كما حدث ذلك مراراً (الحرب العالمية الأولى والثانية) ولهذا يجب على كل الأطراف المتنازعة الإسراع بالحوار وتطبيق مشروع أوجلان قبيل الوصول إلى نتائج كهذه فالندم لا يجدي نفعاً حينها...ومن هذا المنطلق يمكننا القول : أن حرية أوجلان تعني حرية العالم بأسره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجلس الحربي الإسرائيلي يوافق على الاستمرار نحو عملية رفح


.. هل سيقبل نتنياهو وقف إطلاق النار




.. مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار عملية رفح بهدف


.. حماس توافق على الاتفاق.. المقترح يتضمن وقفا لإطلاق النار خلا




.. خليل الحية: الوسطاء قالوا إن الرئيس الأمريكي يلتزم التزاما و