الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا والحرب النفسية

طيب تيزيني

2013 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تستفيق سوريا هذه الأيام وكل صباح على انتظار ما يمكن أن يحدث: ضرب من الأميركي أو ضرب الكيماوي. وتشعر أنها في كلتا الحالتين خاسرة، ففي حالة الكيماوي رأينا ما حدث وما زال في طور الحدث. أما في حالة الأميركي، فيبدو الأمر أو يريد البعض إظهاره كأنه حالة سريعة طارئة تتم وتنتهي في حقل ضيق وبهدف إزالة «الأذى»، الذي لحق بالوطن السوري على مدى ما يقرب من سنتين ونصف السنة.

وتأتي حالة الإرجاء المفتوحة للضرب الأميركي لتحدث اضراباً وبلبلة نفسيين فظيعين في أوساط الكبار والصغار، وفي حقول الاقتصاد والقضاء والتعليم بل في سائر الحقول، مع حالة من الإرعاب المقترنة بارتفاع نسبة نزوح السوريين إلى بلدان الجوار. هكذا يبدو الأمر حرباً نفسية يمارسها الفريقان مع فرقاء آخرين يختصون برفع الأسعار وبنشر الرعب، وباليأس والفقر بل كذلك الجوع الماحق والذل المهين... إلخ.

وثمة أطراف شاركت منذ البدء في إشعال النار والحيلولة دون الوصول إلى حدود الخلاص أو التوافق، فهذه عقدت الوضعية السياسية والعسكرية والأيديولوجية من خلال تغييب الحدود بين الحقيقة والباطل، وتعقيد الحياة العامة بين الطوائف والمذاهب والأديان وغيرها.

فإلى جانب المعارك العسكرية، برزت معارك طائفية ودينية وعملت على تعمية اللوحة بخطوطها وتعرجاتها وحيثياتها. وفي هذا وذاك راح البعض في قلب النظام السوري وفي خارجه يسوق لنمط آخر من التدمير، وهو التقسيمية، وشيئاً فشيئاً بدت سوريا كأنها «لعبة جديدة للأمم»، الكل يسعى لاقتطاع قسم أو طرف منها، ليجعل منه كياناً مستقلاً زائفاً.

وإذا كان الطرف الأميركي والدولي الأوروبي سائراً في طريق إرجاء «الضربة» واللعب، بذلك، على أعصاب السوريين، فإن طرف النظام لا يتوقف عن اللعب بالنار المتفرّخة عن الصواريخ والطائرات والدبابات، وفي هذا وذاك، يعيش الأطفال والكبار حالة من الذعر والفزع، جنباً إلى جنب مع خروج أعداد متصاعدة في الكثرة من الناس، ويبقى القول بأن الأطراف الأخرى التي حرضت - لمدة طويلة اشتغلت فيها بـ«الفيتوهات»، فأفسدت المواقف وزورت الوقائع -انقلبت الآن على الطرف الحكومي، بدعوى أنها تريد إصلاح مواقفها المتمثلة بتلك الفيتوهات. لكنه اتضح أن ذلك هو صيغة ملفقة من آراء مزعومة. ويلاحظ أن ذلك في كل صيغه وأشكاله لم يحمل إلى الشعب السوري إلا الألم والقسوة وإطالة التدمير للمجتمع السوري.

في هذه الحال من التعقيد ترسل رسائل بين الحين والآخر، إلى الشعب السوري تحمل مآسي تزيد القلق والغموض والأذى، ولسان حال هذا الشعب يقول: يمكن أن نخطئ ونتعثر في طريقنا المليء بالمصاعب، ولكن النصر لن يكون إلا نهايتنا.

فلقد اتضح سابقاً، وسيتضح دائماً أن طريق النصر، هو طريق الآلام والمخاطر، التي تجسد ضريبة النصر الغالي. فلقد خرج من سوريا أعداد ضخمة من البشر، باحثين عن بقعة سلام وأمان. وأدرك الكثيرون أن الأزمة السورية الفظيعة لم تعد قابلة للحل إلا إذا استؤصل الشر من حيث هو، أي إلا إذا اجتث الفساد والإفساد والاستبداد، تلك الركائز الكبرى لحكم «يبقى إلى الأبد»، ولا يقبل بأي خيار آخر سوى ذلك الذي يقوم على ثنائية المستبد والمُستبد به.

وسيتعين على السوريين لاحقاً أن يستنبطوا مبادئ الحرية والديمقراطية والآليات التي تحققها حسب الركائز الكبرى لـ «الحكم المدني»، وذلك على أساس رؤية عقلانية تاريخية ووطنية، وكما أن التاريخ ينتج مآسيه الكبرى والصغرى، فإنه كذلك ينتج لحظاته ومراحله، التي تهيء لنشوء مجتمع تتطابق فيه مآلاته السعيدة، وهذه الطريق هي - في حقيقة الأمر ينجز فيها التقدم التاريخي هنا متآخياً مع العدالة الاجتماعية والحرية. وهنا نريد القول بأن الوضع السوري الراهن لا يتطلب أن ننظر إليه من المعجزات، بقدر ما يستدعي العمل على إنجاز ولادة سوريا الجديدة في إطار من المجتمع المدني، الذي يكون القانون والديمقراطية فيه سيدي الموقف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من