الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولدت في رحم حبة - تمر - ..

سيمون خوري

2013 / 9 / 3
الادب والفن



أتذكر،
أني ولدت في رحم حبة " تمر ". من نخلة ،فاءت بسعفها على " مسطبة " حفظت كل حكايا ، ونميمة عجائز عكا وقرى المثلث.
وحتى تغريبة بني هلال ،وغرام عنترة العبسي بعبلة . ومقتل الأميرة " أسمهان ". وغزوات أبو حنا، مع أبو العبد، في حواري يافا وصور المعتمة. وحتى فضائح " لورانس وأبو حنيك " الجنسية .والجنرال " أللنبي " قائد ما يسمى بالجيش العربي "
من زمن كان يدعى، سبعة وأربعون بعد الألف والتسعمائة.
قال والدي :
كانت ولادتك باطلة ومحولة ..؟وطبعاً لم أدري ماذا يقصد فقد كان كثير النرفزة خاصة بعد سماع نشرة أخبار " صوت فلسطين " من برلين بصوت البحيري ، وترتفع درجة حرارته أكثر مع نشرة أخبار " هنا لندن ".
كان نصفه بلشفيكياً ، والنصف الأخر حسينياً.
يقال أنه راهن مرة جارة أبو سامي ، لو انتصر الانكليز ليخرج عارياً في حواري " الغابسية ، والمزرعة ".
انقضى العمر ولم ينفذ وعده. بيد أنه لم ينسي قوله، كانت ولادتك " باطلة ومحولة"..؟ ويلعن رب الاستعمار..
ربما كان هناك سراً " وطنياً “ ما وراء هذا التعبير..وربما لهذا أورثني وجع الرأس ،وعشق زيتون الوطن ورائحة زعتره. وشراب الميرمية مع الشاي .
رغم انه كان شهر آذار، شهر الحب والنكاح. واستنفار الديكة.."!
كان يوماً أصفراً،تدفق فيه اللون الأصفر من كل بقاع الأرض . وولدت فيه الخرافة.
وتمزقت الحطة البيضاء. وغزا الشيب، شوارب الرجال. كان الأسى يملئ كل الشوارع.قبل الرحيل والترحيل القسري.
وكان هناك مشروع وطن. لم أكن أدري أنه وطن غير نهائي وقيد الإنشاء.
وأن الوعد البريطاني بوطن فلسطيني مجرد كذبة كبرى كجزء من تقاليد إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، مثل إمبراطورية العثمانيين.
ربما لقررت حينها، العودة الى رحم حبة " التمر " !؟
واختصرت المشوار!
والإبحار في محيط بلا مرفأ على ظهر سعفة من نخلة ولادتي .أو حتى في زورقي الورقي . مع صرصار الحقل نغني معاً كل أغاني العشق للبدايات الجميلة
لم أستطع اختصار المشوار ، بيد ان الزمن اختصرني الى مبني للمجهول.
ولم يبقى سوى " نوية " صغيرة وقلب عاشق.
منفي عن الزمان، ومنفي عن المكان.؟ زمن تصفي فيه القوة حسابها مع التاريخ.
فقد احتلت ألاف المستوطنات مراع صباك. وكذلك أحلامك، وسرق يومك، كما ليلك..ترى بماذا تحلم؟!
بثدي قديم مملوء لبناً وعسلاً..
أم بتاريخ عتيق..
أو بشجرة التين والصبار، على كتف ساقية صغيرة. وزورق ورقي . أم بذلك الفرح الطفو لي مع " أنطوانيت وملكة ، ويوسف " وصرخات " الأم نزهة "
..عزا دير بالك هذول أخواتك يامشحر ". وتسأل " الأم نزهة " ابنتها ملكة أنت مين بدو يتزوجك ولك يا هبله ..فتشير ملكة بإصبعها نحوي ...
ولك هذا أخوكي راضعين من بز واحد ..روحي انصرفي من قدامي ..؟
انتفخت بطوننا جوعاً، حتى الصرصار أبو جناحين، كان يخيل لنا عصفوراً دورياً
ونحلم بزرقة البحر، ونمارس هواية نحت المستقبل. نبحث عن قوافي أخر الكلمات ونصطاد " زيز " الحقل ونعلقه على شجرة صبار . منشداً تراتيل صلاة الحب وأنشودة الأناشيد.
أما الكبار، فكان من الصعب عليهم الخروج من دائرة الوعود، والتعرف على العالم على حقيقته، كما هو بالفعل.مأزقاً معرفياً فشل في قراءة إختلاف الثقافات والانتماء. ومعرفة من يكتب التاريخ، وكيفية البناء للذين لم يولدوا بعد.
حلمت بيوم لم يأت بعد.
بيد أني، في كافة الأحلام، كنت الخاسر الأكبر.
كما أنا اليوم.
خسرت حلمي
الذي أتعبه قلقي، التائه في التيه.
ولعقت قدماي أمعاء كل شوارع مدن السردين المعلب.ومواقف الحافلات .وقضبان سكك الحديد وصمت الكلمات الغريبة. ومواء قطط الليل. وأرصفة الباعة .
وأمطرتني نظراتهم بوابل من الأسئلة الجافة .
حولتني الى إطار خشبي لتلفزيون عتيق
لوردة، أسود وأبيض. مجهولة النسب. فلا تتعب نفسك في البحث عن مجهولين النسب. فالمنطقة كلها، كانت وما زالت ممراً لكافة أنواع الغزاة.
وتحول تاريخنا الى مبني للمجهول. الى قبائل بلا شجرة عائلة . الى تمثال خشبي نخرة السوس ، والنكبات والوعود ، والشعارات الكبيرة ، والخوف والأوهام ، والتعصب . وأعيد النظر في كافة قواميس الخيانة . وأصبحت مجرد وجهة نظر.
اعتبرها كما شئت أفكار مجنونة ، أو ثرثرة بلهاء!
ربما.. شئ جميل رسم مشهد ولادة جديدة . في زمن وضع فيه الركود الجميع على الأرفف. وتعيد ترميم بعض الآثار القديمة في داخلك
وترفع راية قوة الحلم في مواجهة من يصادر حلمك.
لا فرق. فنحن مجانين
هنا مملكة الجنون ..ووطن النكبات. ونحن شعب الجبارين. الذي لم يصدق رواية أن " الأله " وزع ميراثه على الأخرين..؟!
قالوا إنك منفي من الوطن..
منفي من الزمان والمكان.
وعزاؤك أن تغمض أجفانك، قبل موعد الرحلة الأخيرة. بلا جواز سفر.
أترى.. أنت فلسطينيا سعيدا.. ستسافر بلا تأشيرة خروج.
فقد التهم زمانهم، مكانك..!
ربما عليك البحث عن بلدان جديدة ..؟أو كواكب أخرى.
أطلق عليها حتى كل الأسماء الحسنى
وطناً ...منفى ..مقبرة..مجزرة
وخذ معك ما تبقى من أحلامك.
منفي أنت ..
منفي أنت ...
ماذا تبقى..؟
هوية وخيمة، وكمشة أحلام صغيرة.
وأحرف متناثرة لثرثرة قديمة
وخيط عنكبوتي صغير.
آه ..يا أمي، التي أضاعت ثديها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أباك
جهاد علاونه ( 2013 / 9 / 3 - 19:38 )
أبوك كان رجلا طيبا جدا لأنه أنجب من أمك الباطلة والمحولة هذا الانسان الحساس,الذي يشعر بكل شيء حوله ويتأثر فيه.


2 - ايا فلسطين
عبله عبد الرحمن ( 2013 / 9 / 3 - 22:02 )
ماذا تبقى لنا سوى احلام لا نستطيع ترميمها لتكون صالحة حتى تروى في صباحات جديدة
انكفكف الدمع لنكون سعداء بولادة فيها امل البدايات الجديدة
نتلاشى رويدا رويدا في وعود وشعارات كبيرة وخوف واوهام وتعصب . صدقت استاذي
لكننا سنبقى سعداء بوجودك انسانا رائعا ومعلما ووطنا نستظل بثقافته وعطاءه


3 - الغالي سيمون
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 9 / 4 - 08:46 )
تحية و سلام و محبة و احترام
لا اعرف لماذا عندما انقطع بسبب السفر اتذكرك و اقلق و ليس بيني و بينك من لقاء عن قرب
كان عندما كنت في العراق العام الفائت و كان خلال الايام الماضيه
ربما القلق على صحتك... المهم انت بخير و تكتب
اتدري لماذا يُصبح الديك صائحاً
انه يُشير الى انطلاق صبح جديد
مهما كان.... فيه انتصار للحقيقه التي هي ان الارض تدور حول الشمس و ان الايام تتلى
شوهَّ الصفار الغازي تلك السحنات الجميله لأهل الديره و عطل انسيابيتها باتجاه الخير

جميلة رغم قساوتها ذكريات الرحيل و الترحيل لأنها تعني الاستمرار وانها قضَّتْ و تقض مضجع التراكم الاصفر و الغت و تلغي احلامه الصفراء و عذبت و تعذب ما تصور انها لحظات الاستقرار
النخله يا سيمون مع السدرة من الاشجار حتى لو اقتلعت تترك اثر حيث سيقال كانت هنا نخله او سدرة حتى لو زرعوا مكانها الالاف الشجيرات و الاشجار
وكذلك هو حال النهر حتى لو جف يقال كان هناك نهر
ذكريات كثيره و مواقف كبيره كانت تحت النخله و وفي ظلالها و على شواطيء الانهار
كمشة الاحلام التي بين يديك تُرعب من يحمل النووي بين يديه
اكرر التحية ايها الباسق


4 - رد الى الأحبة
سيمون خوري ( 2013 / 9 / 4 - 11:52 )
أخي جهاد علاونة المحترم تحية لك وأنت تدري مدى تقديرك وقيمتك الإنسانية والأدبية. كذلك دورك في كشف الحجاب عن ذلك المستوروالتابو. اخي جهاد تحية لك ولمرورك الكريم
اختي المحترمة عبلة عبد الرحمن تحية لك وللعائلة الكريمة شكراً على مرورك الكريم هذه القطعة ستكون جزء من مواد أخرى أمل أن اتمكن من كتابتها وتتعلق حول سنوات الترحيل القسري. مع التحية لتعليقك المهذب
أخي عبد الرضا حمد جاسم تحية لك وشكراً لهذا القلق الذي يثبت لي مرة اخرى حجم إنسانيتك . لكن لي تعليق أخر وهو أنك من الحالات التي اعتز بها من حيث القدرة على إلتقاط الفكرة وهو ما يعبر عن مقدرة ووعي وتفكير عالي المستوى. فكرة النخلة بالتأكيد النخلة لا تموت حتى لو إقتلعت من جذورها. نواجه ثقافة القوة بقوة الثقافة. وهذا يذكرني برطب البصرة وبعذابات أهلها على مر السنين. وتلك القامات الثقافية التي أنجبتها البصرة ووادي الرافدين. اخي عبد الرضا لك مني كل محبة وتقدير واحترام ..سيمون


5 - النخلة أخت الزيتونة
مريم نجمه ( 2013 / 9 / 4 - 19:42 )
الصديق العزيز والكاتب المبدع سيمون أحيي قلمك اللامع ..

أبكيتنا ثم أقلعتنا معك في رحلة العمر الثرية طفولة وشباباً وحكيماً ,, وزّعت علينا بطاقات الحب من تراب عكا برائحة البرتقال الذي أغوى نابليون وجيشه وقادة الإنكليز ليغيروا الُمناخ البحري وبيوت الكنعانيين بحفارات القبور وطمس المعالم الإنسانية لشعب أعطى العالم - الرائحة الإلهية - فأقصيَ إلى المجهول وامتد الوباء ليطالنا نحن أيضاً معكم ياأهل الأرض المحتلة !
كثيرة هي المشاهد المؤثرة والأسماء التي لا تغيب عن الوعي والترحال في مقالك الجديد لأنها من صلب النبتة - النخلة - .. معمّرة ودائمة الخضار,
نفرح بنثرك وكتاباتك الندية الجاذبة للمتابعة والإطمئنان عن صحتك التي تهمنا فهي دليل التحدي واستنبات ورود الأمل لأجيال لاحقة ..
دمت بخير

تحياتنا القلبية أخ سيمون مع الإعتزاز


6 - رائحة الزعتر والميرمية والياسمين.. وآه يا وطن
ليندا كبرييل ( 2013 / 9 / 5 - 06:10 )
فلسطين أم فلسطينات أصبحت بلادنا العربية؟
إنك تنشد بصوت كل مواطن عربي في زمن تشرذم فيه الوطن وتفتت ولم يعد لكلمة خيانة معنى صار كل شيء عالمكشوف
وانهالت زرافات اللاجئين على البلاد الأجنبية من كل صوب وناحية، حتى أوقفوا إعطاء الفيزا لأنهم لو فعلوا لهرب الجميع من الجحيم
ذكرياتك محزنة، لكنها تثير في نفسنا ما يمر به وطننا اليوم، وكلنا في النهاية يا أستاذ سيمون ضحايا لعبة تهدف إلى تثبيت مخططاتها ومصالحها
فلنحمدْ ولنشكرْ
أنكم بخير وعافية، وأن البلد الذي استقبلكم أغدق من عطفه ما لم يقْدِم حكامنا على جزء منه

يسعدني أن أقرأ لك بين حين وآخر ، مواصلتنا خير دواء للنفس والروح
تفضل والأساتذة الكرام تحياتي المخلصة

اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث