الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توق الشاعرة

مرح البقاعي

2005 / 5 / 19
الادب والفن


حين تطوف حول قصائد نواب تكتشف أن العبور إلى العالمية لا يكمن في اتخاذ الإنكليزية لغة للتعبير فحسب، بل إن شرطه يتأكد بمدى انغماس الشاعر بالشأن الإنساني، والقضايا العامة، بوعي ودراية بليغين.
بقلم: مرح البقاعي وكريس توماس



كم هو حجم الجراءة المنوط بخوض مغامرة النص الشعري، عموما؟ وكم يتضاعف ذاك التهوّر الإبداعي حين يُجترح هذا الفعل بقلم أنثوي يجسر على لغة البوح وتعرية النفس لمقذوفات فوّهة ضمير الشاعر الحارقة؟ وكيف ينتصر المجتمع- بخصوصيته البنيوية الثقافية - لهذه "الظاهرة" في حيّز تغيب فيه شراكة المرأة في صناعة الحدث؟ وكم تتراجع أولوية التقييم الفني للعمل كقيمة إبداعية وإنسانية على حساب الفضول الجمعي للتعرّف على الصوت الذي تجرأ على صمت النساء الداكن؟ وماذا لو أضفنا إلى كل إشارات الاستفهام تلك الفعلَ الباهر لهذا الصوت الشاب المتحدّر من مكة "نعمة إسماعيل نواب" الذي يصوغ أدبياته لا بلغة الضاد هذه المرة، بل بأدوات الأبجدية اللاتينية؟

تقول الشاعرة نواب في مجموعتها الشعرية التي حملت عنوان The Unfurling، والصادرة في الولايات المتحدة باللغة الإنكليزية عن دار نشر Selwa Press في ولاية كاليفورنيا، وهي دار تعنى بنشر تاريخ السعودية المعاصر بالإنكليزية حصرا:


الحرية/ أما آن لأفكاري/ أن تحوم/ وتجوب وتعبر صحاري الربع الخالي الشاسعة/ وتسري وتجوس خلال الكهوف الغائرة؟
أما آن لصوتي أن ينطلق/ صوت من لا صوت له/ يكسر حاجز الصمت؟

يبدو أن نواب لا تفصل حالتها الشعرية ونزوعها إلى عملية الحرية المعقدة في إطار جغرافي وتاريخي قد حجب هذا الحق عنها لعهود حين تقوم بمواجهتها الثانية وتدعو إلى حفل عام لتوقيع الكتاب في مكتبة جرير بجدة كاسرة بذلك تراكم تابوات حدّت من سيل المرأة في تيار الحياة العامة.

تقول النواب التي تعيش في مدينة الظهران السعودية مع زوجها وطفليهما: "لم أتوقّع هذا الإقبال اللافت على المكتبة حين عقدنا حفل التوقيع وكان الأول من نوعه لسيدة في المملكة. كل ما أردت آنذاك هو مشاركة الآخرين حالة الشعر التي تعتمر في نفسي. لقد ذهب بي الشعر أبعد من ذلك. لقد توّجني بمحبة الحضور وقراء الشعر".

بدأ الشعر بنبض في عروق الشاعرة نواب في سن مبكّرة. لقد تفتّحتْ ذاكرتها الفتيّة على أمهات الشعر الإنكليزي بتوجيه من أبيها حين كانت برفقته لمتابعة علومه في أدنبرا-اسكتلندا. تقول نواب: "عندما كنتُ في الثامنة من العمر كان والدي يقرأ عليّ أشعار شكسبير كل يوم مساء قبل أن أخلد إلى النوم. لقد لوّنتْ هذه القصائد ذاكرتي وأمدّتْني بدفق من الحس الموسيقي الشعري الجارف. ووجدت نفسي في سن الـ14 عاما أقرأ مسرحية يوليوس قيصر وأهيم شغفا بنصوصها إلى الحد الذي جعلني أحفظ العديد من مقاطعها غيبا".

يبرهن هذا الاستطلاع الذهني والانسجام المعرفي مع ثقافات الغرب تحوّلا ديناميكيا وتفاعليا يترافق مع انهيار الحوائل الجغرافية في وجه مد الاتصالات في عصر الفكر العولمي. والمثقف العربي ليس بمعزل عن حمأة هذه التحوّلات العالمية إذا كان خياره الانفتاح والحوار مع الآخر المختلف، وبلغته. وقد جاهرت نواب بخيارها بعيدا عن عُقَد الانتقاص أو الشيزوفرينيا الثقافية. لقد اخترقتْ نواب، وبجراءة لافتة، العزلة اللغوية والمعرفية لتشرف على العالم بنص قوامه نبض الشرق الدافق ورصانة الثقافة الإنغلوسكسونية، فأتى نصها الشعري مهاتَفة لـ"الآخر" بأصالة صوت "الأنا" وهمها الوجودي. وقد أعلنتْ نواب عن هذا الموقف في مقدمة كتابها حيث استعارت من أقوال الشاعر والفيلسوف الألماني جوهان غوتيه ما مفاده: "مهمة الشاعر أن يخاطب جوّانيّته أولاً.. عندها فقط ينطلق ليحاور العالم".

تتابع نواب رحلتها في تقديم كتابها في مناسبات عامة حيث عقدت مؤخرا أولى حفلات التوقيع في العاصمة الأميركية واشنطن في مكتبة بارنز أند نوبل الشهيرة في جادة جورج تاون، وهي المحطة الأولى من سلسة حفلات ستلتئم في ولايات أخرى. وهذه الجولة التي تُوّجت بنجاح وإقبال لافتين قد تكون سابقة لشاعرة سعودية في الولايات المتحدة. ونواب التي انطلقت الشرارة الشعرية الأولى لقصائد ديوانها إثر لقائها بالشاعرة الأميركية نعومي شهاب ناي حين كانت الأخيرة في زيارة لدولة البحرين في العام 2000 وبعد حوار معمّق ومستفز عن التجربة الشعرية والإبداعية الأنثوية عادت نواب إلى أوراقها لتخطّ أولى قصائد مجموعتها The Unfurling التي ضمت بين جناحيها 80 قصيدة اختارتها الشاعرة من مجموع 135 عمل شعري.

وهي لا تنأى بنفسها عن الرغبة في نقل الامتداد إلى اللغة العربية ليتسنّى للقارئ العربي متابعة أعمالها بلغته الأم.

إلى جانب اشتغالها بالشعر تمارس نواب التصوير الفوتوغرافي، ولها العديد من الدراسات المنشورة في الصحافة السعودية والدولية تناولت فيها قضايا متغايرة في شأن الإسلام، والفن، والتشكيل، والخط العربي، تُرجم بعضها إلى اللغات اليابانية والفرنسية والهولندية والبرتغالية.

حين تطوف حول قصائد نواب تكتشف أن العبور إلى العالمية لا يكمن في اتخاذ الإنكليزية لغة للتعبير فحسب، بل إن شرطه يتأكد بمدى انغماس الشاعر بالشأن الإنساني، والقضايا العامة، بوعي ودراية بليغين يتأصل فيهما الداخل الحميم ويمتد ليشارف العالمي المشترك بين أطياف البشرية جمعاء.

تصدّرتْ تغطيات حفل توقيع مجموعة نواب الشعرية الصفحات الثقافية لصحف عدة في السعودية. وكتبتْ صحيفة "اليوم" عنوانها بخط عريض: "لأول مرة... شاعرة سعودية توقع ديوانها بنفسها للقراء". أما صحيفة "عكاظ" فوصفت الحفل بـ"الظاهرة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر.. -سوق أزمان- في تلمسان رحلة عبر التاريخ والفن والأد


.. المخرجة والكاتبة دوروثي مريم كيلو تروي رحلة بحثها عن جذورها




.. هاجر أحمد: بوعد الجمهور إنه هيحب شخصيتى في فيلم أهل الكهف


.. حاول اقتحام المسرح حاملاً علم إسرائيل فسقط بشكل مريع




.. لماذا غنت كارلا شمعون باللهجة الجزائرية؟.. الفنانة اللبنانية