الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور . . ولادة مشوهة

هادي فريد التكريتي

2005 / 5 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ليس من طبيعة الاحتلال ، أي احتلال، وأهدافه خدمة البلد المحتل مهما كانت الحجج التي يسوقها ذريعة لاحتلاله للبلد المعني ، والعراق ليس خارج هذا الإطار ، فالولايات المتحدة الأمريكية عندما أعلنت الحرب على العراق ، كانت تنفذ مخططا لمصالحها الحيوية في المنطقة ، ولم يكن هدفها مساعدة الشعب العراقي للخلاص من نظام ديكتاتوري وفاشي ، وفق ما تروج له في أروقتها ، ولو كان ما تدعيه أمريكا صحيحا لاختلف الأمر عما هو عليه اليوم حال العراق والعراقيين ، ولما حصل كل هذا الخراب الذي نعاني منه . إن ما يحصل ليس نتيجة لبعض إجراءات خاطئة ستزول ، أو هي أعمال عفوية لبعض جنود " قيادة الاحتلال " عن غير قصد ناتجة من عدم فهم نفسية الشعب العراقي سرعان ما تعالج ويوضع حد لها ، كما يحلو لبعض المدافعين قوله دفاعا عن الاحتلال ..لو كانت الدعوى الأمريكية صادقة لما رسخت إدارة الاحتلال المدنية الفرقة ،عن عمد وتصميم مسبق ، بتشريعات نص عليها قانون إدارة الدولة ، وحرصت أن تكون هذه ملزمة عند صياغة الدستور الجديد من قبل الحكومة المؤقتة والمنتخبة على حد سواء ، حتى وإن تغيرت تسمية الاحتلال ، من احتلال إلى قوات متعددة الجنسيات ، تغيرت الأسباب والموت واحد ... فالموروث من الخبرة الاستعمارية المتراكمة هي برسم التداول والتطبيق لكل احتلال وقوى محتلة مهما كانت جنسيتها ، فمبدأ فرق تسد ، كان حاضرا في الأذهان عندما صاغت قيادة الاحتلال "قانون إدارة الدولة " فهذا القانون لم يكن في فقراته ما يؤسس على وحدة الشعب العراقي ووحدة أراضيه ، بل على العكس أوجد هشاشة في الخروج على وحدة العراق وشعبه من خلال تثبيت مبدأ المحاصصة الطائفيةـ الدينية والقومية، ولتجاهله ـ عن قصد ـ الواقع السياسي للحركة الوطنية العراقية وتأثيرها على الوضع السياسي في العراق قبل وبعد سقوط النظام ، ففي العراق تكونت حركة سياسية وطنية فاعلة منذ بدايات الحكم الوطني ، شاركت فيها جمعيات ونقابات وقوى لأحزاب وطنية ديموقراطية وقومية وشيوعية ، لها أهداف سياسية تسعى لتنفيذها من خلال برامج عمل اقتصادية ، ثقافية ، اجتماعية ، ضمن المجتمع العراقي ، كما كان نشاطها مقاوما للاحتلال البريطاني وتواجد قواته على الأرض العراقية ، ولم يكن هناك نفس طائفي أو عنصري متميز ذو تأثير على هذا الواقع ، منذ بدايات الحكم الوطني وحتى الانقلاب الفاشي القومي ـ البعثي عام 1963، وإبان ثورة العشرين الوطنية، عندما تصدرت المرجعية الشيعية مقاومة الاحتلال البريطاني ، لم تتحدث باسم الطائفة ، أو بنفس طائفي ، بل وجهت خطابها الوطني باسم العراق وشعبه ، ورغم كل محاولات الاحتلال البريطاني وما بذله من جهد بين العراقيين لم يستطع شعاره سيئ الصيت " فرق تسد " من تحقيق أدنى نجاح في دق إسفين بين مكونات الشعب العراقي ، الطائفية والقومية والدينية وباقي الأثنيات الأخرى ، وقد خلا الدستور العراقي الأول من أي نص طائفي ، كما هو حال الدساتير المؤقتة الأخرى ، إلا أن الاحتلال الأمريكي وإدارته المدنية ، تجاهلت كل هذا المسار التاريخي للشعب العراقي وأعادت العراق القهقرى إلى العصر العثماني وحكم المماليك ، حيث الطائفية والصراع الطائفي.، من هذا الجانب أمريكا مدانة رغم دعواها الكاذبة وتبجحها بالديموقراطية للعراق ..
إن تبني محاصصة طائفية ـ قومية من جديد بعد الأخذ بها في تشكيل الحكومة المنتخبة ، يعني أن هناك إصرارا على تجسيد الطائفية والعنصرية في صياغة الدستور من قبل الحكم الحالي ، وهذا ما يؤسس لخلل في بناء الدولة العراقية الجديدة ـ تتحمل مسؤولية ترسيخه القوى الفائزة في الانتخابات ـ والعمل على إيجاد حالة قلقة وغير مستقرة بين المكونات السياسية والفكرية والأثنية للشعب العراقي ، سرعان ما تفجر صراعات دامية لتجاهل تواجد هذه المكونات وغمط حقوقها، وهذا ما كان يهدف إليه مشرعو قانون إدارة الدولة ... إن تسمية 55 عضوا من الجمعية الوطنية ( يجهل الشعب العراقي قدراتهم العلمية والفكرية وحتى تاريخهم السياسي ) كأعضاء في لجنة صياغة الدستور على أسس طائفية وعنصرية ، وفق تشكيلة الحكومة ، مخالف ليس لرغبة الشعب العراقي وقواه السياسية المتمثلة في أحزابه الوطنية والديموقراطية واليسارية ، وإنما حتى لقانون إدارة الدولة نفسه ،الذي يرسخ الفرقة عن وعي وإدراك بين مكونات الشعب ، الذي تتمسك به الحكومة الحالية ، فالديموقراطية تعني مساهمة ومشاركة كل ممثلي قطاعات الشعب في لجنة صياغة الدستور، من الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات المهنية ونقابات العمال ومنظمات المرأة والشباب وحقوق الإنسان و المجتمع المدني بغض النظر عن تواجدهم أو تواجد ممثليهم في الجمعية الوطنية ، فمن يتواجد اليوم في الجمعية الوطنية ربما لن يحالفه الحظ في الدورة القادمة ، ومن هنا تأتي أهمية مشاركة كل مكونات الشعب العراقي ، ليس على أسس طائفية وقومية ـ عنصرية وإنما على أسس تتماشى مع روح العصر وتطوره ..
إن صياغة دستور جديد لعراق ديموقراطي وفدرالي ، يحول دون تكرار مآسي الماضي التي عانى منها الشعب العراقي على امتداد تاريخه الوطني ، منذ تأسيسه وحتى اللحظة ، تتطلب مساهمة ومساعدة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية وشخصيات دولية قانونية ـ دستورية ، لوضع دستور لا ينظم العلاقات الوطنية بين الأمة العراقية الجديدة فقط ، بل وبين دول العالم كذلك ، فمن أجل بناء عراق حر ديموقراطي وفدرالي ، يجب أن يكون له دستور تقدمي ، علماني يؤسس على فصل الدين عن السياسة أسوة بالدول الديموقراطية والمتطورة ، لا يميز بين دين وآخر وقومية وأخرى ، وقضاؤه حر مستقل ونزيه ، وسلطاته لا تعلو عليها سلطة ، بمثل هذا الدستور فقط نكون قادرين على إرساء وحدة لأمة عراقية ، تعيش كل مكوناتها بأمن واستقرار مزدهر...
والحديث عن الدستور يتلازم مع الاستفتاء عليه والجهة التي ستشرف على هذه العملية ، لا شك أن الإشراف على الاستفتاء أمر في غاية الصعوبة ، فالدستور والموافقة عليه وعدمها يؤسس لواقع ليس هو كالواقع لانتخابات برلمانية ، لدوام فعل الدستور لسنين طويلة بما لا يقاس مع الانتخابات التي ينتهي أمدها بأجل معلوم ، وتعديل الدستور هو ليس كتعديل قانون الانتخابات أو غيره من القوانين ، وأي خلل فيه تكون نتائجه ذات تأثيرات سلبية على الكثير من مناحي الحياة العراقية المختلفة ، وضحايا هذا الخلل لا يمكن معالجتها بسهولة ، من هنا تأتي أهمية التنظيم لعملية الاستفتاء والإشراف عليه ، وبما أن الإشراف سيكون لنفس الجهة التي أشرفت على إجراء الانتخابات الأولى فلا بد من إبداء بعض ملاحظات حدثت ، فالسيد فريد أيار الناطق الرسمي باسم المفوضية العليا المستقلة يتحدث دائما بإيجابية عن تنظيم الانتخابات والإشراف عليها ، ويقلل من أخطاء ارتكبتها اللجنة ، في حين إن هذه الأخطاء قد حرمت قطاعات واسعة من ممارسة حقها المشروع ، ولم تكن هذه القطاعات في المنطقة التي يمارس فيها إرهاب الإرهابيين ، بل في مناطق هي تنعم بالأمان وسلطة الدولة ، مما أدى إلى تغيير موازين قوى في هذه المناطق ، ورغم الطعون التي قدمت ، وشكوى المواطنين من هذا الإجراء إلا أن اللجنة العليا تجاهلت الأمر وحتى لم تفتح تحقيقا في الأمر ، ناهيك عما رأته وسمعته اللجنة العليا عن الممارسات المخالفة التي ارتكبتها بعض القوى والتي حرمتها ضوابط اللجنة القائمة والمشرفة على الانتخابات ، إضافة لسرقات حصلت في الصناديق ، وتزوير نتائج القوائم في مناطق مختلفة ، كل هذا سكتت عنه اللجنة ، وهذا كله قد ترتب عليه نتائج قد أخلت بالتمثيل الحقيقي في الجمعية الوطنية ...وتصريحات السيد آيار عن نجاح العملية الانتخابية ووصفها ب" الموضوعية والحياد والديموقراطية " مقارنة بانتخابات نصف قرن مضى من عمر العراق القومي والبعثي ، هي مقارنة بائسة ومدانة مسبقا من كل مكونات الشعب العراقي ، كنا نتطلع لمقارنة بواقع أحسن وأفضل ..! فهل سيكون تنظيم الاستفتاء والإشراف على الدستور بنفس الطريقة والنهج والممارسة ؟..إنها إشكالية لا يجوز القفز عليها بل تتطلب حلا جادا وتصحيحا للأخطاء بشجاعة وإدانة لمرتكبيها ومعاقبة قائمتهم ، والعمل على انتهاج نهج مغاير يضمن شفافية في المراقبة وحيادية في الإشراف ، يدين مرتكب المخالفة من السلطة قبل غيره من خارجها .! والعمل بجدية على تلافي كل الأخطاء التي أقرتها اللجنة العليا ، وتلك التي أغمضت العيون عنها ، إلا أنها تبقى دليل إدانة تمس مهنية وحيادية اللجنة ..يأمل الكثيرون ألا تتكرر..
وعلى كل القوى السياسية من قوميين وطنيين وديموقراطيين و شخصيات وطنية ، وكل العراقيين المحبين لوطنهم ولشعبهم ، تقع مسؤولية القيام بحملة مناهضة للمشاريع التي تهدف إلى تكريس المحاصصة الطائفية البغيضة ، وفضح القائمين بها والداعين إليها وتوعية الشارع العراقي بالمخاطر التي ستنجم في حال نجاح مثل هذه المشاريع وتطبيقها على واقعنا المعاصر، كما يتطلب الأمر وحدة جادة وحقيقية بين قوى التيار الديموقراطي واليساري لحشد كل الطاقات وتجاوز كل الخلافات للحيلولة دون ولادة دستور طائفي يشوه نضال وتضحيات شعبنا ، ويؤسس لواقع متخلف قد تجاوزه شعبنا منذ ثورة العشرين الوطنية ..!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي