الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون والثورة

السمّاح عبد الله
شاعر

(Alsammah Abdollah)

2013 / 9 / 4
الادب والفن


المثقفون والثورة
----------------
السمّاح عبد الله
----------------

لم تكن المفاجأة التي صدمتنا هي موقف التيار الإسلامي من انحياز الجيش المصري للشعب في ثورته الكبرى في الثلاثين من يونيو، فهو موقف متوقع ومتناسق مع فكر أصحابه، لكن المفاجأة الحقيقية هي موقف البعض من أصدقائنا المثقفين اليساريين الذين اقتطعوا معنا خبزة النضال طوال أكثر من ثلاثين عاما انحزنا فيه – نظريا على الأقل – لكل قيم الحق والعدل والخير والجمال، ولما حانت اللحظة الكبرى في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، قرفصوا أرجلهم معنا في ميدان التحرير يضربنا البرد والمطر والرصاصات الخوانة ونقتسم معا خبزة الحرية الطازجة، لم يقل أحد منهم وقتها إن انحياز الجيش للشعب كان انقلابا عسكريا، رغم أنه كان انحيازا منقوصا، ورغم أنه تنطبق عليه تماما أشراط الانقلاب العسكري، فالعسكر هو الذي آلت إليه مقاليد الأمور آنئذ، ومع ذلك هللنا له ورقصنا جميعا في الشوارع حتى بزوغ الصباحات، حتى أن الصديق الشاعر الراحل حلمي سالم كتب قصيدة في مديح العسكر ونشرها في جريدة "الحياة" من فرط فرحته بموقف الجيش من الشعب قال فيها : ( كنا نخشى العَسْكرَ/ ونراهم مسكونين بشهوات السلطة/ لكن العسكر في مصر الغضبانة أخذوا ورداً من صبيان الحارات وحطّوه على ماسورات المدفع/ وابتسموا للفتيان وللفتيات/ ولكن العسكر بعد يناير صاروا أبناء شيوخ الميدان وآباء صغار الميدان/ ووضعوا الطفلة فوق الدبابة. )، وسارت بنا الأحوال حتى وصلنا إلى حكم المرشد، ووصلنا إلى تفكيك أواصر الثقة بين الشعب والشرطة وبين الشعب والجيش، عام كامل من العبط السياسي والهبل الاستراتيجي وضيق الرؤية وعدم الانتماء والتمكين للعشيرة والغباء الخطابي والاعتماد على أهل الثقة وإزاحة الكفاءات الحقيقية والولاء الكامل لتنظيم دولي لا يعترف بحدود الوطن، عام كامل لم يمر فيه يوم واحد دون أزمات حقيقية طالت حتى المأكل والمشرب والكهرباء والسولار ورغيف الخبز، رئيس جمهورية يسأله مذيع ماذا أنت فاعل في أزمة المياه المحتملة بعد بناء سد النهضة الأثيوبي فيقول سأدعو الله لكي تنزل الأمطار، رئيس وزراء يُعَيِّرُ نساء الصعيد أمام العالم كله بأنهن لا يُحْسِنَّ غسل أثدائهن، وزير ثقافة يشتم مفكري وكتاب بلده ويتباهي بأنه "صاحب كتابين" وزير إعلام متبجح جعل جمال الشاعر المهذب الخلوق يخرج عن طوره ويقطع برنامجه ويستقيل على الهواء، وهكذا حتى أصبحنا أضحوكة تلوكها الألسن في كل أنحاء العالم، وحتى تطاول علينا الصغار قبل الكبار، وحتى تباهت دويلة صغيرة تابعة لقناة مشبوهة لا يبلغ تعداد سكانها عدد سكان حي شبرا بمساعداتها المالية لنا وتوجيهاتها السياسية لمستقبلنا، وبلغ السيل الزبى كما تقول الأعراب، فقام فتية من أنبل شباب مصر باستعادة فكرة اخترعها المصريون في موقف شبيه بهذا الموقف، موقف مر عليه قرابة المائة عام عندما اهتدى أجدادنا إلى فكرة التوكيلات التي جابت وقتها، بلا هواتف محمولة ولا فيسبوك، قرى ونجوع وكفور القطر المصري لتوكل زعيم الأمة سعد زغلول للتفاوض من أجل الاستقلال التام أو الموت الزؤام، حتى حط علينا الثلاثون من يونيو وأتت التجربة ثمارها المرجوة بشكل فاق جميع التوقعات وأدهش العالم أجمع حتى أن قناة سي إن إن وصفته بأنه أكبر تجمع بشري شهدته البشرية، فإذا بالجيش ينحاز للإرادة الشعبية، ويلم الليلة كلها في ثمانية وأربعين ساعة في مشهد جليل تجمعت فيه قلوب الشعب والجيش والشرطة على قلب رجل واحد وانضمت كقبضة اليد الواحدة لتحرس هذا الوطن وتحمي حدوده بعد أن كادت سيناء وحلايب وشلاتين وقناة السويس أن تضيع، وأعلن الفريق عبد الفتاح السيسي هذا الرجل القادم إلينا في ملامح سعد زغلول وجمال عبد الناصر، أن الجيش غير طامع في السلطة وأنه فقط حامٍ لإرادة الملايين من شعب مصر الأبي، وقام بالفعل بتسليم مقاليد الأمور لرئيس وحكومة ومؤسسات، فإذا بصحابتنا الذين اقتسمنا معهم خبزة النضال يقولون هو انقلاب عسكري وينادون بعودة الرئيس المنتخب، ولهؤلاء الأصدقاء أسأل سؤالا افتراضيا : ماذا لو ان الجيش لم ينحز للشعب في الثلاثين من يونيو؟، سأحاول الإجابة، بالتأكيد كانت ميليشيات الإخوان ستجرجرنا في الموتوسيكلات وتطوف بنا حول صينية ميدان التحرير مسحولين مسلوخين كفرة ملحدين، وكانوا سيعلقوننا في أشجار شارع القصر العيني وعلى أعمدة كهرباء شارع محمد محمود، وكان الإعلام الذي سيكون على رأسه الوزير المتبجح، سيصبح كله مشابها لقناتي الحافظ و25 يناير، تباركه قناة الجزيرة، سيغض الطرف عن جثثنا مشبوحة في الفضاء العريض ويحدثنا عن المؤامرة الكبرى على الشرعية والشريعة، وكان المذيع سيبتسم وهو يحاور السيد الرئيس المنتخب حين يسأله ومن الذي قتل الثوار في ميدان التحرير في الثلاثين من يونيو وسوف يجيبه الرئيس المنتخب بأن جبريل ورفاقه من الملائكة قرروا أن يخلصونا من الكفار والليبراليين فظهروا على هيئة جنود لم تروها وقاموا بالأمر، فارفعوا قضايا على جبريل ورفاقه من الملائكة، وكان السيد مؤلف الكتابين والذي لقبه الشاعر الدكتور نصار عبد الله بـ "الوزير وحيد المقال" سيجلس في مكتبه بشارع شجرة الدر بالزمالك خالعا الكازارولة الشهيرة بعد أن يكون قد أجلانا عن مكتبه بميليشيات أحمد المغير ورفاقه، ويصدر قرارا وزاريا ثوريا بأن تقوم هيئة الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة وهيئة قصور الثقافة بطباعة أشعار وروايات ومسرحيات الأدباء الذين تحلقوا حول مكتبه بهيئة الكتاب طوال فترة طرده من مكتبه بشجرة الدر، هؤلاء الأدباء الذين كثيرا ما تشدقوا في عقود سابقة بعناوين الحق والعدل والجمال، هؤلاء الأدباء الذين سارعوا باستخراج كارنيهات حزب الجرية والعدالة وأعدوا أنفسهم ليكونوا كتاب المرحلة القادمة – فنحن نعرف أن الإخوان المسلمين ليس لديهم كتاب – ولا أعرف ماذا سيفعلون الآن بهذه الكارنيهات؟

-------------------------------------
السمّاح عبد الله
رئيس تحرير "ديوان الشعر العربي"
-------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع