الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مستقبل العلاقات الصينية - الأمريكية

بيدر التل

2013 / 9 / 4
السياسة والعلاقات الدولية




تشكل العلاقات الصينية الأمريكية نمطا فريدا من العلاقات الثنائية، كونها تجمع عناصر متناقضة كالتعاون والصراع في وقت واحد، حيث تعمل في إطار توازن دقيق من المصالح المتبادلة والتهديدات المتوقعة. عند دراستنا لموضوع العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فلا بد من ان ننظر لهذا الموضوع من منظور شمولي، فنحن ندرس العلاقة بين دولة عظمى (الولايات المتحدة الأمريكية) وأخرى تسعى إلى لعب دور عالمي وخاصة في ظل تراجع الدور الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وبدء تحول النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث ستكون الصين أحد الأقطاب الرئيسية وخاصة أنها تملك جميع العناصر التي تؤهلها للعب هذا الدور من (عناصر عسكرية، اقتصادية، جغرافية، .. الخ)، وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة وجود مخاوف أمريكية وخاصة لدى صناع السياسة الأمريكية من تنامي القوة الصينية، ويعتبر ملف العلاقات مع الصين بجميع أبعاده- بلا شك- أحد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.

تعود العلاقات الحديثة بين الولايات المتحدة والصين إلى عام 1972 عندما زار الرئيس الأمريكي نيكسون الصين، وأصدروا بيان شنغهاي والذي بموجبه تم إنهاء حالة المقاطعة بين الجانبين في ظل حالة الصراع واحتدام الحرب الباردة التي كانت تسود النظام الدولي. في هذه القراءة لن نستعرض التطور التاريخي للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث سنكتفي باستعراض أبرز القضايا الخلافية بين الجانبين، من اجل تقديم تقييم لمستقبل العلاقة بين الدولتين.

يعتبر ملف "الكوريتين" من أبر القضايا الخلافية بين الدولتين والتي تعود بجذورها إلى خمسينات القرن الماضي ، وتبرز المخاوف الصينية في الوقت الحاضر بسبب تبني الرئيس الأمريكي باراك أوباما مبدأ جديد في السياسة الخارجية الأمريكية والذي يتمثل "بالتوجه شرقا بهدف إعادة بناء القوة والنفوذ الأمريكيين في منطقة شرق أسيا والمحيط الهادي"، حيث تمثل هذه السياسة تهديدا للمصالح والنفوذ الإقليمي للصين في تلك المنطقة. ويعتبر ملف حقوق الإنسان في الصين أيضا إحدى القضايا الخلافية بين البلدين، حيث ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن هنالك تراجع كبير في هذا الملف في الصين (بمعنى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في الصين) في حين أن الصين ترفض الدعوات الأمريكية لاحترام حقوق الإنسان حيث تعتبر هذا الملف شأن داخلي وأن لكل دولة خصوصيتها ورؤيتها المختلفة بما يتعلق بحقوق الإنسان. وكذلك يعتبر الملف التايواني من القضايا الخلافية بين الدولتين، حيث تعتبر تايوان حجر عثرة أمام محاولة أي تقدم متين بين البلدين، فمجرد إثارة القضية تعني تأزم العلاقة بينهما، ورغم الاتفاق بين البلدين حول المسألة التايوانية في السبعينات الا ان الولايات المتحدة حرصت على تعزيز علاقتها مع تايوان من خلال إبرام العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات كان أخرها "اتفاقية التعاون العسكري"، وهو ما اثار غضب الصين وأعلنت تعليق علاقتها العسكرية مع واشنطن. وبرزت منطقة الشرق الأوسط محورا جديدا للخلافات بين البلدين وخاصة الملف السوري والذي أظهر خلافا عميقا بين البلدين، حيث "عرقلت روسيا والصين اتخاذ أي قرارات لإدانة نظام بشار الأسد أو فرض أي عقوبات فاعلة عليه". وبشكل عام يمكن أن نلحظ عدد القضايا الخلافية بين الدولتين والتي تعطي مؤشرات على حالة من الصراع في العلاقة فيما بينهم أو درجة من التنافر السياسي بين البلدين.

لكن من ناحية أخرى، يعتبر الملف الاقتصادي احد أهم محاور العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية تطورا مستقرا، حيث تعتبر الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للصين وبحسب بعض الإحصاءات فقد "بلغت الصادرات الصينية للولايات المتحدة 21% (من إجمالي الصادرات الصينية)" وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما إلى ما يزيد عن خمسمائة مليار دولار أمريكي عام 2012. وتعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الصين في تصريف سندات الخزانة الأمريكية، حيث تعتبر الصين أكبر مستثمر في هذه السندات = (بالرغم من ذلك تظهر بعض القضايا الخلافية بين البلدين تتعلق بالسياسات النقدية الصينية وانخفاض سعر العملة الصينية مقابل الدولار، واحتجاج الصين على بعض السياسات الاقتصادية الحمائية ضد الواردات الأمريكية من الصين، وغيرها ..) . ان الملف الاقتصادي يعطي بعدا جديدا في تقييمنا للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين ، فبالرغم من التناقضات في العديد من الملفات وحالة التنافر السياسي في الكثير من القضايا، إلا ان البلدين يتبعوا منهج براغماتي يقوم على الواقعية ويتناسى المبادئ، ويركز على المنفعة والمصالح المتبادلة في إدارة العلاقة فيما بينهم.

وعلى أي حال، تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين بقلق وتزداد مخاوف واشنطن بشكل مستمر، نظرا للنمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده الصين، ونظرا لزيادة قوتها العسكرية حيث يرى عدد من الخبراء ان الفجوة بين البلدين تتضاءل بمعدلات سريعة، وهذا يشكل تهديد مباشر للولايات المتحدة الأمريكية. وهنا لا بد من ان نشير الى وجود تيار قوي داخل النخبة المجتمعية الأمريكية ترى في الصين عدو قائم او قادم ، وأن "السياسة الأمريكية في صيغتها الحالية هي سياسة عبثية ستجعل من الصين اقوى وستصبح أكبر تهديد للدور الأمريكي في أسيا والعالم". ونظرا لتزايد الدور الصيني في العالم وبشكل خاص تزايد مكانته الإقليمية ، فقد انتهج الرئيس أوباما سياسة جديدة تهدف إلى العودة إلى أسيا من خلال تعزيز التواجد الأمريكي في المنطقة ولاسيما من خلال الاتفاقيات والتحالفات الأمنية (خاصة مع اليابان-تايوان-كوريا الجنوبية .. الخ) و إتباع سياسة "الاحتواء" والعمل على تطويق الصين. وتنظر الصين الى هذا التحرك الأمريكي بريبة وشك، ويرى عدد من المسؤوليين الصينيين "أن هنالك محاولات أمريكية لزرع بذور التفتيت داخل الصين، وأن الضغط الأمريكي في قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات الدينية ماهي الا غطاء وتكتيك مرحلي تخفي فيه أمريكا دوافعها الحقيقية التي تتلخص في تقسيم الصين وتدمير استقراره ودوره العالمي. وتتحرك الصين باتجاه مضاد لهذه التحركات الأمريكية من خلال زيادة تفاعلها مع الدول المجاورة لها وعلى رأسها "دول مجموعة شنغهاي" والتي تضم الصين وروسيا وكزاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، والتي تهدف الى تعزيز التعاون الاقتصادي بين هذه الدول وتحقيق الأمن والاستقرار في أسيا الوسطى. وكذلك زيادة التنسيق والتعاون التجاري والسياسي والثقافي بين دول مجموعة بريكس والتي تأسست عام 2011 وتضم بعضويتها خمس دول من ذوات الاقتصاديات الناشئة هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

وأخيرا، وفي محاولتنا لاستشراف المستقبل حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين، فانه من المرجح استمرار حالة التناقض والخلاف حول القضايا سابقة الذكر مع صعوبة ايجاد حلول جذرية لهذه المشكلات وخاصة في ظل ازدياد حالة عدم الثقة المتبادلة بين البلدين مع الاخذ بالحسبان أن هذه التناقضات أو الخلافات لن تصل الى درجة التصادم العنيف أو العسكري نظرا لما تمتلكه الدولتين من إمكانيات وقدرات هائلة يمكن أن تلحق بهما خسائر فادحة في حال المواجهة. أما بما يتعلق يالتعاون الاقتصادي، فعلى الرغم من بروز عدد من القضايا الخلافية بين البلدين في المجال الاقتصادي، الا انه من المتوقع استمرار ازدياد حجم التعاون الاقتصادي فيما بينهم نظرا لوجود نوع من الاعتمادية الاقتصادية المتبادلة فيما بينهم ، وخاصة أن الادارة الامريكية والصينية نتتبع نهج براغماتي يركز على المنفعة والمصالح المتبادلة بين البلدين. ويذلك نصل الى نتيجة مفادها: أن مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين سيكون مزيج من الصراع والتعاون في نفس الوقت، علما أن هذا الصراع لن يصل بأي حال من الاحوال الى المواجهة العسكرية رغم التناقضات والقضايا الخلافية بين البلدين، أما التعاون سيقتصر على القضايا الاقتصادية حيث أنه من المتوقع استمرار تطور العلاقات الاقتصادية بينهما مع إمكانية إيجاد حلول للقضايا الاقتصادية الخلافية بين الجانبين.

المراجع:
(1) أحمد طاهر، مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية، السياسة الدولية، العدد 193
(2) باسل حسين، مقاربات في العلاقات الامريكية الصينية، العرب نيوز.
(3) ماجد صقر، العلاقات الامريكية الصينية .. مزيج من الصراع والتعاون، محيط: شبكة الاعلام العربية، 11-يونيو-2013
(4) هنري كاسنجر، مستقبل العلاقات الامريكية الصينية، الاتحاد الاماراتية، 20-3-2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تقدير ولكن
فؤاد النمري ( 2013 / 9 / 5 - 04:40 )
قرأ لنا السيد بيدر التل قراء شاملة وصحيحة لأهم القضايا في عصرنا الراهن وهو يستحق كل الشكر والتقدير على هذه الإلتفاتة المستوجبة
ولعل أهم ا توصل إليه محللنا ذو الإعتمادية هو التأكيد أن كل الخلافات السياسية والعقائدية بين الطرفين، الصين الشعبية والولايات المتحدة الأميركية، لن تعيق تطور العلاقات الإقتصادية
في تحقيق فرنسي تلفز قال أحد المحللين الأريكان أن العلاقات الإقتصادية بين الولايات التحدة هي بمثابة قنبلة نيوترونية ستنفجر وتدمر العالم
هذا ما كنت أقوله لكن السيد التل لم يصل إلى مثل ما توصلنا إلية ويكشف عن خطورة هذه العلاقة -هزلية- بين الطرفين
العلاقة الحيوية للنظام الرأسمالي التاريخية تعود اليوم بصورة هزلية بين الصين كمركز والولايات المتحدة كمحيط
أميركا تستورد من الصين ما قيمته 500 مليار دولار ولا تصدر إليها بضائع لأكثر من 200 مليار ةيبقى 300 مليار تسددها دولارات
يتبع


2 - / تابع
فؤاد النمري ( 2013 / 9 / 5 - 05:31 )
دولارات غير مليئة وزائفة ولذلك توفر في الإحتياطي الصيني زهاء 4 ترليون دولار
مثل هذه العلاقة غير الطبيعية لن تستمر طويلاً حيث لا تستطيع الصين أن تتصرف بهذه التلال من الدولارات. فلو ألقت مثلاً بترليون واحد في الأسواق المالية لانهار الدولار وانهار النظام العالمي بعد أن تدولرت كل عملات العالم، كما لا تستطيع الصين أن ترفع أجور عمالها وتحسن مستوى حياتهم وهي متدنية بصورة تدعو للرثاء لأن ذلك سيؤثر سلباً على حجم صادراتها إلى أميركا وإلى العالم

وهكذا فإن الرابط الإقتصادي والتجاري لا يمسك بخناق الطرفين فقط، المركز والمحيط، بل بخناق العالم كل العالم وسيخنقه قريباً وفي المدى المنظور عندما لا تعود الصين تتحمل تلالاً إضافية من الدولارات الزائفة عندئذٍ سينهار الدولار وتنهار معه كل عملات العالم المرتبطة به

اخر الافلام

.. قطر تعلق على مساعي الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق


.. من بينهم طبيب ومعلم وطالب.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران إسرائيلي




.. مستقبل السياحة في جزر المالديف لن يعتمد على سحر شواطئها فحسب


.. مقتل 7 فلسطينيين وإصابة 9 باقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين




.. بين سليماني ورئيسي .. ما هو سرّ الخاتم؟