الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد انتفاضة القضاة: هل تنضم الشرطة المصرية إلى معركة التغيير؟

هويدا طه

2005 / 5 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


انتفاضة القضاة في مصر- بكل ما للقضاء والقضاة من هيبة واحترام في مصر بل في كل مجتمع بشري- منحت الحركة المصرية الشعبية المطالبة بالتغيير دفعة كبرى، فرسخت أقدامها كحركة مفصلية فاعلة في حياة الشعب المصري.. عندما وقفت بتحدٍ لمبارك ونظامه.. وأصرت على ضرورة استقلال القضاء استقلالا تاما.. في مسألة الإشراف الكامل على أي انتخابات، والقضاة بهذا الموقف المشرف.. جعلوا أفئدة المصريين تتعلق بهم، فراح كل مصري يرنو إليهم وهو مفعم بالأمل.. أمل أن الوقت قد حان.. لتتقدم الصفوف في معركة التغيير.. هذه الفئة المحترمة من الشعب.
فالقضاء في أي مجتمع هو قمة المجتمع المدني.. ومرجعيته العظمى عندما ينشد العدالة، وبسبب مسؤولية القضاء عن العدالة بكل صورها.. العدالة.. أرقى وأقدم مطلب إنساني على سطح الأرض.. يحظى القضاة بتلك المكانة الرفيعة، وهذا أمر تشترك فيه كل الشعوب.
وبسبب موقف القضاة الذي أحيا الأمل في نفوس الناس.. بعد أن كان يحتضر على يد أدوات(دولة الفساد).. من قوة البوليس الغاشمة وتضليل الإعلام الحكومي.. إلى استفراد المتحكمين الفاسدين بالقرار والنفوذ والثروة، بدأت فئات أخرى في الشعب المصري تتحمس للنزول إلى معركة التغيير.. واشتد عود الحركات التي بادرت بمطلب التغيير حتى قبل انتفاضة القضاة.. مثل حركة كفاية الشابة.. وتزايدت جرأة أي تحرك أقدم.. كان يحسب خطواته.. ويغلف مطالب الشعب بمطالب فئوية خوفا من بطش النظام.. أيام كان مستفردا بالخلائق مدعوما من واشنطن.. مطمئنا لإطلاقها يده الباطشة على رقاب العباد.. فصارت حركة الصحفيين والمحامين والمهندسين وغيرهم.. أكثر حماسا وأكثر إقداما وجرأة، وأكثر تركيزا على مطلب(التغيير الشامل)وليس الفئوي أو النقابي.. فتسيس الشارع.. ليصبح المشهد المصري في الأيام الأخيرة.. غير قابلٍ للعودة إلى الوراء.. دارت إذن عجلة التغيير..
وعندما تكون الدولة(فاسدة)فإن فسادها يتجلى- في أبشع صوره- في إخضاع ذراعها الأمني لإرادة أولي الأمر الفاسدين، لتنفيذ أهدافهم وأطماعهم.. وممارسة السرقة والنهب بل والسطو.. بالقوة والقهر والقمع.. ليكون البطش بالمعارضين سجنا وقتلا.. هو السمة القبيحة لتلك الدولة البوليسية..
البوليس إذن.. هو الفئة(المكروهة)في دولة الفساد.. بسبب ما تمارسه- كرها أو طوعا، خضوعا أو تواطئا- من بطش ٍ ضد فئات الشعب الأخرى.. المطالِبة بتغيير وضع ٍ.. لم يعد ممكنا استمراره.
فأين الشرطة المصرية.. من تلك الحركة المفعمة في مصر؟!
موقف الشرطة المصرية
كتب فيل مارشال لمجلته(سوشياليست ريفيو)مقالا هذا الشهر.. يصف فيه ما راقبه عن كثب في شوارع القاهرة.. وهو كمراقبٍ غريب يجمع ملاحظاته من الشارع.. حضر إحدى مظاهرات حركة كفاية، ويبدو أنه ألم ببعض مفردات اللغة العربية.. إذ شرح في مقاله معاني كلمات مصرية مثل كلمة(كفاية)وكلمة(انفتاح)وغيرها.. ومن ملاحظاته التي جمعها.. كان السؤال الذي وجهه أحد ضباط الشرطة.. لواحدٍ من المتظاهرين في حركة كفاية.. كان ذلك الصحفي- كما قال- يقف بالقرب منهما، حيث قال الضابط:"متى ستكون مظاهرتكم التالية.. فقد ننضم إليكم"!
وفي الكتيبات التي يصدرها(مركز النديم لمعالجة وتأهيل ضحايا التعذيب)في مصر.. قصص تشيب لسماعها.. أو تحبط.. فلا تعود تأمل خيرا في بلدٍ.. يمارس فيه ضباط الشرطة هذه الأفعال الشنيعة ضد مواطنيهم.. أو.. قد يلح عليك السؤال.. أليس هؤلاء الضباط.. مصريين أيضا؟! لماذا إذن يتوحش المصريون على بعضهم البعض؟ هؤلاء الضباط الساديون.. الذين يطفئون السجائر في لحم ضحاياهم ويطلقون الكلاب الشرسة عليهم.. ويغتصبون النساء ويقطعون الأطراف.. ويجلدون الظهور ويقلعون العيون ويشوهون الوجوه بالأحماض.. هؤلاء الضباط.. أين يسكنون؟! أليست بيوتهم بجوار بيوتنا؟ أبناؤهم.. أليسوا في مدارس أبناءنا؟! هل نراهم في الأسواق والطرقات وفي محطات المترو؟! من أين يجيء هؤلاء المفترسون؟.. وهؤلاء الذين ينزلون إلى الشارع للتصدي لمتظاهرين عزل.. ألا يعيشون مثل مواطنيهم معاناة قصوى.. في ظل(دولة الفساد)هذه؟! ماذا يفعل وأين وكيف يعيش الآن.. ذلك الشرطي.. الذي قتل الشاب محمد السقا في مظاهرات الإسكندرية، وذلك الذي قتل الفتى طارق غنام في مظاهرات طلخا؟!
وهؤلاء الذين ساموا أهل سيناء صنوف العذاب.. فاعتقلوا وعذبوا الآلاف من أبناء هذا الجزء المعزول المهمش من الوطن.. بعد تفجير فندق طابا.. حتى ثارت ضدهم النساء المنكوبات في أبناءهن وأزواجهن.. كيف كانت ردة فعلهم.. وهم يرون نساء عاديات.. لسن محزبات ولا صحفيات ولا علاقة لهن بالتمديد والتوريث.. من قريبٍ أو بعيد.. يثرن ويغضبن لهذا الظلم والقهر ضدهن وضد رجالهن؟!
وهؤلاء الذين يحرقون المنازل ويهدونها على رؤوس أصحابها.. في الصعيد.. وهؤلاء الذين يرتشون.. وهؤلاء الذين يستغلون نفوذهم ليثرون بدون وجه حق.. مستغلين خوف المواطن المصري الأزلي من العسكر.. هؤلاء وغيرهم.. كيف ينظرون الآن إلى اللحظة الفاصلة في التاريخ المصري.. التي ضمن أحد أهم أهدافها المستقبلية.. محاسبة الشرطة على جرائمها.. حسابا عسيرا؟!
مَن مِن هذين النوعين من ضباط الشرطة.. ذلك الذي يتوقع منه أن يضيف إلى موقف(القضاء المصري).. موقفا تاريخيا آخر.. تتخذه(الشرطة المصرية)؟ ذلك الذي يمارس التعذيب على مواطني بلده وبطش به لصالح الأباطرة الكبار؟ أم ذلك الذي سأل متظاهرا عن موعد المظاهرة التالية.. كي ينضم إليه؟!
ليس معقولا على الإطلاق أن يكون(كل)ضباط الشرطة المصريين.. على هذه الدرجة من البشاعة، فكما كان هناك بعض القضاة الذين أساءوا إلى سمعة القضاء.. انتفضت عليهم الغالبية العظمى من القضاة، لتنقذ سمعة القضاء المصري.. فلابد أن هناك في الشرطة المصرية من يمكنه.. الانتفاض أيضا!
سمعة الشرطة المصرية التي تخطت الحدود.. حتى لم يعد الشعب فقط يستاء منها.. بل منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان المصرية وغير المصرية.. حتى صار الناس في مصر يغيرون شعار الشرطة(الشرطة في خدمة الشعب)إلى.. الشعب في خدمة الشرطة! هذه السمعة السيئة تحتاج من الضباط الشرفاء إعلان موقفهم لإنقاذها.. وتحتاج منهم.. لحظة حاسمة تحفر في تاريخ الشعب المصري.. كما حفر القضاة الشرفاء موقفهم إنقاذا لسمعة القضاء.. التي لوثتها دولة الفساد في ظل نظام مبارك ! فهل يتوقع ذلك في المرحلة المقبلة؟!
انتفاضة الشرطة المصرية
بالطبع انتفاضة الشرطة المصرية المأمولة.. لمساندة الشعب.. لن تكون الأولى من نوعها في تاريخ مصر، فالعيد القومي للشرطة المصرية يوم الخامس والعشرين من يناير.. يحتفل به في هذا اليوم.. لأنه اليوم الذي اتخذ فيه رجال الشرطة موقفا مشرفا عام 52، عندما ساندوا شعبهم في معركته ضد ظلم الاحتلال البريطاني، الظلم واحد.. جاء على يد احتلال أجنبي.. أو جاء بيد احتلال بلطجي داخلي.. ومن تكون لديه نزعة التصدي للظلم.. لا يكتفي بالغضب من ظلم الغريب.. بل يغضب أيضا من ظلم القريب! وكما رفض ضباط شرطة مصريون إطلاق النار على المصريين في ذلك اليوم.. بل وانضموا إليهم.. يمكن لضباط هذا الجيل أن يرفضوا أيضا! وكما ظل موقف الشرطة المصرية التي فتحت(كوبري عباس)على الطلاب المتظاهرين عام 46.. موقفا مشينا مدانا في تاريخ مصر، سيظل إطلاق النار الآن على المتظاهرين.. نقطة سوداء في تاريخ الشرطة المصرية، لكن السؤال هو.. عن أي الرتب في سلك الشرطة.. يمكن أن يصدر هذا الموقف المنشود.. ليكون فاعلا؟!
العقيد محمد الغنام من الشرطة المصرية.. له قصة فريدة! وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه في بعض توجهاته الإيديولوجية، فالرجل ينتمي لأسرة يبدو أنها عريقة في مناصب الشرطة، كان والده لواء بالشرطة، وآخرون أيضا من أسرته، وهو نفسه الغنام.. له مؤلفات في القانون.. ونال شهادة الدكتوراه في القانون من روما، ويقول البعض عنه أنه كان متعلقا بوالده عاطفيا إلى حدٍ كبير، وعندما توفي والده في مستشفى الشرطة.. اتهم جهة ما في جهاز الشرطة ومستشفاها.. بالتسبب في وفاته بالإهمال المتعمد، وبدأت مسيرة(انقلابه)على نظام ٍ.. كان حتى تلك اللحظة.. جزء منه، ورفع عدة دعاوى قضائية.. منها ما يتعلق بتعمد إسقاط اسمه عن بعض مؤلفاته.. وقد كسبها، وعندما غضب عليه رؤساؤه.. تعرض للتهديد.. فحرق مجهولون سيارته، وضرب في زقاق مظلم وغير ذلك من تفاصيل... لجأ إلى السفارة السويسرية.. التي تدخلت لدى الحكومة المصرية لتسمح له بالسفر، وهناك راح يعقد مؤتمرات صحفية.. يفضح فيها سوءات وعورات نظام.. كان حتى الأمس القريب.. ذراعا له، ويقول إن لديه وثائق تدين مبارك وجهاز الشرطة بأكمله.. بشأن عمليات الاعتقال العشوائي والتعذيب الوحشي للمواطنين.. وراح يعد لرفع دعوى قضائية على مبارك باسمه وشخصه في بلجيكا.. ثم يبدو أن الأمر توقف.. ربما لأن بلجيكا لم تعد ترغب في وضع نفسها في مأزق مواجهة حكام العالم الفاسدين أو الظالمين.. لاسيما بعد رفع فلسطينيين قضايا في المحاكم البلجيكية ضد شارون.. بسبب جريمته في مذبحة صبرا وشاتيلا.
ما يمكن أن تقدمه الشرطة للشعب إذن.. قد يكون في أحد اتجاهين.. أحدهما أن رتبا معينة من ضباط الشرطة.. يمكن أن.. تتمرد! والفرصة السانحة لذلك الآن أكبر.. حيث يغلي الشارع المصري متوقعا التغيير الشامل.. وأحد أماني هذا التغيير.. هي(تطهير)جهاز الشرطة المصرية سيئة السمعة.. من هؤلاء المفترسين.. الذين يسحلون أبدان المصريين ويسحقون كرامتهم.. لصالح نظام مبارك.. لفرض القهر السياسي على الشعب، أو هؤلاء الذين رضوا على أنفسهم أن يكونوا عصا لبعض رجال الأعمال.. يضربون بها المواطنين لنهبهم بالقوة.. والضباط المتوقع تمردهم.. هم هؤلاء الذين يشعرون بهذا النبض الشعبي ويتعاطفون معه.. بل ويحسونه هم أنفسهم..
فإذا كان في الشرطة المصرية(ضباط أحرار)فإن ساعة إعلانهم لموقفهم قد حانت.. لينالوا احترام فئات الشعب الأخرى.. ويستعيدوا ثقتها بهم.. ويحظون بالمساندة المتبادلة معهم.. في معركة التغيير.. التي هي لصالح الجميع..
الاتجاه الآخر.. قد يكون من الرتب الدنيا.. على نسق(تمرد قوات الأمن المركزي)في الثمانينات.. هؤلاء المطحونون.. الذين يستعملهم رؤساءهم دروعا في الشارع.. ووقودا في معركة.. ليست معركتهم.. هؤلاء الذين يعانون كباقي جيرانهم وعائلاتهم.. من الجوع والامتهان والنسيان والتهميش.. كيف يكون الأمر لو صدرت إليهم أوامر من رؤساءهم بإطلاق النار على متظاهرين.. لا يختلفون عنهم في مطالبهم.. ولا ينادون بأكثر مما يتمنوه هم.. وحانت اللحظة.. فرفضوا تنفيذها..؟ حينئذٍ قد يحتاجون إلى دعم ٍ من الفئات الأخرى.. الأكثر قوة في الشارع والأكثر تنظيما.. كالقضاة وحركة كفاية والنقابات.. لكنهم بالتأكيد سوف يغيرون بموقفٍ كهذا.. مجرى الأحداث في مصر..
مناشدة الشرطة المصرية
على أن موقفا كهذا.. يؤمل أن تتخذه الشرطة المصرية.. لن يأتي من فراغ.. ومخاض ولادته في الساحة المصرية المعقدة.. هو مخاض عسير! فالمواجهة مع نظام سئم منه الشعب والعالم.. فصار مكشوفا يائسا.. قد تكون مواجهة مخيفة.. وما زلنا في مراحلها الأولى، فإذا كان(القضاة الشرفاء)وهم يحسمون أمرهم بالمواجهة معه.. يعلمون أنها.. مواجهة دستورية.. فإن(الضباط الشرفاء)يعلمون أن مواجهتهم للنظام.. تختلف.. فهم ذراع أمني.. أي مسلحون! وحتى يحسمون أمرهم.. يحتاجون إلى حسبةٍ مختلفة.. هم الأدرى بها.. وبساعة الصفر المناسبة لها.. لكن الشيء المؤكد في هذا الأمر.. أنهم.. هؤلاء الضباط الشرفاء.. بالتأكيد موجودون! والمدنيون لا يملكون إلا أن.. يستحثوهم.. يناشدوهم.. إن لم يكن بطلب دعمهم الكامل لحسم الأمر.. فعلى الأقل.. بطلب عدم الاستجابة لأوامر التعامل العنيف مع المتظاهرين.. فهم مثل فئات الشعب الأخرى.. يراقبون الأحداث.. ويعرفون أن لحظة ما ستأتي عليهم.. يكون عليهم فيها الاختيار.. بين نظام حوّل بعضهم إلى وحوش.. وشعبٍ أعزل.. ينتمون إليه..
هذه المناشدة لرجال الشرطة.. ضباطا كبارا كانوا.. أو مجندين صغار.. هي المتوقعة في الفترة المقبلة.. فهم ليسوا من كوكبٍ آخر، وثوب مبارك كما يزداد اهتراء أمام أعين المواطنين.. فإن الشرطة هي الأقرب رؤية لهذا الثوب المهترئ.. وربما الآن.. وبينما نحن نضع الاحتمالات حول موقف الشرطة المصرية.. يكون هناك من يتهيأ.. خاصة بعد ما لاقاه القضاة من حماس ٍ وتشجيع ٍ شعبي بالغ.. لإعلان موقفٍ.. يزيد درجة حرارة البركان المصري الموشك على الانفجار.. وبينما تتزايد رقعة الاحتجاج في ربوع مصر.. حتى صار العبء الملقى على كاهل الشرطة يطال أنحاء البلاد.. يكون هناك ضباط آخرون.. يتساءلون أيضا في إحدى تلك المظاهرات.. عن(موعد المظاهرة القادمة)! وبينما يناشدهم المدنيون بعدم الاستجابة لأوامر القتل.. لابد أن هناك من بينهم.. من يهيئ نفسه.. أو تهيئه الظروف.. للانضمام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟