الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من حقنا معرفة تاريخنا

صليبا جبرا طويل

2013 / 9 / 4
حقوق الانسان


ما اكتبه في مقالتي هذه ليس بجديد، بل واقعا معروفا ملموسا، نعيشه يوما بيوم، ونتحدث عنه في جلسات التندر، والحوار والتسامر التي تجمعنا. وبشكل تعليقات وتغاريد على الفيس بوك والتوتر. فمخاض الربيع العربي لم يجيء بتغيرات سعيدة تذكر ولا بأحلام وأمال تمنيناها . بل حمل وحملنا معه ذكريات أليمة، لن تمحى من ذاكرة النساء والشيوخ والرجال وبشكل خاص الأطفال لعقود قادمة. أيقظ بصيرتنا، بتسليطه الأضواء على الصفحات السوداء من تاريخنا بدل البيضاء المضيئة منها. انقسم العرب وشرذموا. وأهمهم ظهور فئتين منهم فئة تشكك في تاريخنا العربي بوقائعه وانجازاته، وتطالب بإعادة قرأته ونقده وتحليله على ضوء الحاضر وبأسلوب علمي. وأخرى تريده كما هو، والإبقاء على حاله ونصوصه كما دونها السلف. وتناقلتها الأجيال دون ربطها بالزمان والمكان والتغيرات الحاصلة في كل عصر. وما أهدف من التلفت إلى تاريخنا الماضي هو سلامة السير لمستقبل امن وواعد وزاخر بالمتغيرات يمنح الأمن والسعادة ويمحى الفرقة والاختلاف والتعصب والعنصرية.

بحكم الواقع الحالي وحقيقة ما يجري من نزاع على تغير دساتير وأنظمة قائمة حاكمة، ومطالب جماهيرية عادلة، وجدل وصراع فكري، وعقائدي وإيديولوجي على الساحة العربية وما آلت إليه من أحداث تقشعر لها الأبدان ويندي لها جبين من وحشية دموية قاسية فالمشهد على مسرح الأحداث يدعونا إلى التوقف وإعادة التفكير في التاريخ العربي، وإعادة صياغته من جديد، لأن ما يجري سفرا اسود ممتد لتاريخ موغل في الماضي البائس، نعيش روحه في القرن الحادي والعشرين.

الموضوع أكبر مما نظن وأكبر مما يستطيع شخص واحد حمله ومتابعته. نتكلم من الألم الذي أصابنا واعتصرنا ومن هول الكارثة التي نعيشها...صراحة ماساتنا اكبر وأعظم مما كنا نفكر أو نتوقع. عندما ننظر للخلف للماضي ونقارنه بالحاضر ونشاهد ضراوة ما يحدث نتساءل أي تاريخ ندون لأحفادنا؟ قتلت الإنسانية في داخلنا اغتيلت الطفولة وبراءتها. اذا كان هذا حاضرنا فكيف كان الحال في الماضي؟

كثيرة هي المواضيع التي تدرس تحت عنوان التاريخ...هناك تاريخ الأديان، تاريخ الفلسفة، تاريخ النقد، تاريخ الفكر الديني، تاريخ الحضارة...الخ. موضوعاتها تتناول الفترة من مرحلة تأسيسها ومؤسسيها إلى الحاضر. هناك تداخل بينها، لا يمكن فصله عن بعض لأنه بمجموعها تنتج الهوية، والوعي الحضاري لتلك الأمة ومخزونها الثقافي. لكنها تتميز بالتغير خلال مرورها وانتقالها من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل وما يعنينا هنا هو جملة الأحداث والأحوال التي تمر بها الشعوب العربية وانتقالها من جيل لأخر..

طلبتنا وبشكل خاص يدرسون تاريخ معظمه عمره أربع عشرا قرنا. الدموية واضحة فيه، وبدأت منذ فجر بزوغ الإسلام السياسي باغتيال ثلاثة من أشراف القوم وهم عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والخليفة الأول بعد الرسول محمد (صلعم) أبو بكر الصديق مات ميتة طبيعية. رضي الله عنهم. ويطلق عليهم تسمية الخلفاء الراشدون. أما الشيعة فتضيف إليهم خليفة خامسة وهو الحسن بن على بن أبي طالب الذي استمرت خلافته لستة أشهر. يفضل الشيعة إطلاق فترة صدر الإسلام على تلك الفترة التي تبعت وفاة النبي محمد (صلعم) وقبل الدولة الأموية وعمرها ثلاثون سنة.

مجتمعاتنا العربية تتكون من جماعات اثنيه، عرقية مختلفة لكل منها تاريخها الشفوي. بتناقله جيل بعد جيل يدور حول أيام مشرقة وماسي عاشها أجدادهم على نفس رقعة الوطن الواحد. لماذا لا تنقل كل تلك الخبرات وتدون وتقدم كمادة تعليمية للجميع كي تتكون عندهم مفاهيم جيدة وينطلق الجميع فيها من مبدأ الاعتراف والصفح والتسامح على كل المجريات التي سببت الانزواء والقطيعة والبعد عن الأخر وجفاء التعامل.

الصور تكررت عبر العصور...ألان كما في الماضي شخصيات بارزة تغتال، مجازر على الهوية، مذابح طائفية، ومذهبية، اغتصابات مخزية وبالجملة، تشريد وتهجيرا قسريا، مقابر جماعية، ونهب وسلب، إبادات وقتل. السؤال هنا، ماذا تعلمنا من التاريخ ؟ ما هي الموعظة الإنسانية التي قدمها لنا التاريخ؟ لماذا علينا أن نعيش وأبنائنا بالخوف والرعب؟ لماذا ترهيب المواطنين؟ ما معنى الحكمة الإلهية في هذا التاريخ اللاانساني؟ متى يحين الزمن لمواجهة الواقع ومجابهة الحقائق التاريخية؟

ما أخفاه التاريخ طفا على سطح أحداث الربيع العربي، وظهر التباين والاختلاف، والتباعد والتفرق. لم نجد ما يدعوا إلى التقارب والتالف . تعمق الشرخ، والقطيعة، والهجر والافتراق، وطغت الأحقاد بدل المحبة. لنتذكر ما قاله جورج سانتايانا: "أولئك الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم أعادته". الأمم تتذكر كي تحييا ونحن نتذكر كي نعيد موتنا. فما بني على باطل فهو باطل، وما بني على حق فهو حق.

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والدينية والتقدم العلمي أثبتت علي مدار الزمن أنها صانعة التاريخ. ولكل أمة وشعب تاريخ يعتز فيه. وما وصلنا هو ما كتب من قبل أشخاص نادرا ما كانوا محايدين أو مستقلين أو معارضين للنظم الحاكمة.

عبر التاريخ قامت حروب أثنية وعرقية وطائفية ومذهبية كل منها حاول طمس التراث والوجود والهوية الثقافية والطائفية للأخر. نبش التاريخ عن أمم، وشعوب، وقوميات تم اجتثاثها لا يعني إيقاظ فتنة ولكنه يعني إيقاظ ضمير يقدم شواهد ويساهم في محو الألم الواقع على الأخر وفتح صفحة جديدة في العلاقات الإنسانية ومنع الاقتتال. وما لم نعترف بأخطائنا سيستمر الاقتتال والصراع ولن يكون هناك طرف يحقق الكسب والأخر يحقق الخسارة...لأن الخاسر الأكبر سيكون الوطن بتعدده الثقافي والاجتماعي.

النقد والبحث العلمي يشكلان الطريق السليم لإعادة قراءة التاريخ على ضوء الواقع الذي نعيشه. الناقد الجيد من صفاته أن يكون بعيدا عن التعصب والأحكام المسبقة متجرد من كل ما هو ذاتي. هدفه تحليل البناء التاريخي وغربلته وإبراز الواقع وأخطاءه وتصويبه وتقديم حقائق الأحداث كما جرت في حينها مبينا ايجابياتها وسلبياتها وأسبابها ومسبباتها كي يخرج بصورة متكاملة عن المحتوى الذي ينتقده .
البحث العلمي التاريخي يقوم بدراسة الحوادث والوقائع الماضية التي شكلت الحاضر وتحليلها ومحاولة فهم الحاضر على ضوء أحداث الماضي، لنتمكن من التنبؤ بالمستقبل. من صفات الباحث في التاريخ تقييم أصالة البيانات، ودقتها، وقيمتها واكتشاف أي تزوير أو تحريف في الوثائق أو المستندات أو التقارير أو الكتب التي استعملها في بحثه.

الصدق، الأمانة، النزاهة، الدقة، الموضوعية، الاستقلالية الدينية والسياسية عناصر مهمة وحيوية للمؤرخ كي يكتب وقائع وحقائق مجريات الأمور في عصره، ويؤرخها باستقامة بعيدا عن سطوة النظام ومصلحته ومن يلتف حوله من رجال سياسة وفكر وعقيدة و بالتالي تكون نتيجتها أقرب إلى الصواب من الخطأ، وأقرب إلى الحق من الباطل، وبعيدة عن الأوهام والأحلام.

في مقالتي هذه لم أعط أمثلة عن الصفحات السوداء من تاريخنا، فهذه مهمة من يرغب في البحث عن المعرفة، وهي حقائق يعرفها كل من بحث في بطون التاريخ ويجهلها من لا يبحث عنها. هناك جهات تعمل عمدا وبشكل فاضح ومقصود على تجهيلنا بها ومنع صدورها وحجبها من التداول. ومن كتب عنها وألّف فيها يقتصّ منه بالتهديد والقتل. النتيجة مع حجب المعرفة يستحيل تسلل ضوءها للعقول. ويبقى الجهل مخيما إلى ما شاء الله، أو شاءوا........ أو حتى ظهور ثورة عربية جديدة تجعل من المستحيل ممكنا. فالتاريخ لا يساير أحدا ولا يهادن أحد ولا يحتمل التستر. كفي مهزلة كفى كذبا، بيّنوا الواقع وأظهروا الحقيقة عارية كما هي بلا تصنع أو تجميل وبلا مغالاة أو كبرياء...ليتعلم أبنائنا كيف كان تاريخنا. وكيف سيكون مستقبلنا.

اسأل المؤرخين أخيرا، هل ستكتبون تاريخ الربيع العربي متسترين بعباءة الحاكم القديمة؟ أم تكونون شهود للحقيقة والواقع بعيدا عن أوامر ونواهي الزعامات السياسية والقبلية والدينية والفكرية؟ إن كانت ضمائركم حية اكتبوا بصدق، وبأمانة كي نجنب أبنائنا السقوط في صناعة الموت مستقبلا، لأن تاريخنا ينشر الخوف واليائس والترويع والإرهاب والهلاك.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط


.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق




.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا