الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة ليست مرفوضة بذاتها وانما بنوعها

ماجدة تامر

2005 / 5 / 19
العولمة وتطورات العالم المعاصر


" ليس العالم بضاعة للبيع " ! تلك هي إحدى العبارات التي أطلقت في وجه مؤتمرات العولمة وسط دوي اللعنات والاحتجاجات الغاضبة، متهمة العولمة بأنها تقلب رأسا على عقب مفاهيمنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها .
كما أنها تساهم في الانتشار السريع للشركات المتعددة الجنسيات وتساعد على تعدد السيادة في داخل الدولة ذاتها والمؤسسات. ثم الغموض في مجال السيطرة والتحكم بالسياسة والمجتمعات ، لصالح كيانات بعيدة وغامضة ،
مما يخلق لدى البعض إحساسا بعدم الأمان والاستقرار ،
مع فقدان تدريجي للسمات التقليدية المميزة ، و خلط كبير في المعطيات والمسميات وبالتالي سيادة الخوف وتفشي ظواهر عدم الثقة والأمان لدى الأفراد والمؤسسات بشكل عام .
العديد من الناس يربط التبادل التجاري الحر بسيطرة الشركات الكبرى واستغلال الأطفال في الأعمال الشاقة واللامساواة وفقدان الأمن الاجتماعي والتهديد المستمر للبيئة مع الدعوة إلى توحيد الثقافات وغيرها من الأمور التي لازمت أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحالي .
إلا أن هناك فئـة تعتبر أن الانتقادات التي توجه للعولمة مبالغ فيها أو بالأحرى كاريكاتورية . حيث أن ميزات هذه العولمة - حسب رأيهم - عبارة عن مكتسبات متجددة باستمرار كالاقتصاد الجديد والتكنولوجيات الحديثة واستغلال الثروات بالطرق المثلى من اجل الوصول إلى منتجات متنوعة وبأسعار منخفضة وخلق حالة من حالات التنافس الضرورية لتحسين نوعية الإنتاج المفترض أن يكون نابعا من ثقافات مختلفة والذي لن يكون أيضا إلا نتيجة التزايد في الحريات .
وهذا ما يبحث عنه الكثيرون وخاصة ممن أصابهم الإحباط في حياتهم اليومية وبما أن الإنسان بشكل عام يريد أن تتغلب الإيجابيات على السلبيات و يسعى إلى إضفاء صفة الإنسانية على جميع المكتسبات ، وهذا للأسف ليس ممكنا دائما .
لذلك لا بد وان يطرح السؤال ، وهو ألا يمكننا تعديل العولمة بغية التخفيف ما أمكن من أثارها السلبية إن لم يكن إزالتها ؟ وهل من الممكن التوصل إلى تطوير المعايير الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المشتركة بين دول العالم ، حتى يتم التبادل الحر بشكل عادل ومتوازن للجميع ؟
ومن الجدير ذكره أنه بفضل التبادل التجاري والحر بشكل عام ، فان البعض يرى أنه بامكاننا الاستفادة من ذلك التنافس القائم بين المساهمين وحتى بين الدول التي بلغت درجة كبيرة من التطور .
أما الدول النامية والتي تعاني من الاختناق بسبب ضعف نموها الاقتصادي ، فان مثل هذه المعايير المشتركة التي تطبق على جميع الدول ، تعتبر مجحفة بحق الدول الفقيرة . لأنها لن تتمكن من الصمود أمام المنافسة العالمية ، على عكس الدول الغنية القادرة على حماية نفسها جيدا .
وفي هذه الحالة ، ماذا تفعل دول الجنوب أو الدول الفقيرة ؟ فليس من باب المصادفة أن تقوم بمحاربة المعايير العالمية الجديدة التي تصب في قالب واحد .
فالشركات على سبيل المثال ، عليها أن تخضع لقوانين البلدان التي تعمل فيها وان تحترم عاداتها وتقاليدها . إلا أنها تنزع وبشكل تلقائي إلى إهمال مثل هذه القوانين وتطبيق قوانينها الخاصة التي تجدها ضرورية لضمان أرباحها .
فهناك مسائل هامة على الشركات والمؤسسات العامة الأخذ بها ، كتلك المتعلقة بحقوق الإنسان وعمل الأطفال وسلامة العامل والمستهلك معا وغيرها من المسائل المشابهة .
إلا أن ذلك كله لا يطبق إلا وفق المصلحة الخاصة للشركة التي تأخذ بعين الاعتبار ، الربح السريع مع انخفاض في الأجور .
بيد أن المصلحة الخاصة تلك والتي توضع فوق كل اعتبار سرعان ما تعود بعواقب وخيمة على هذه الشركات ذاتها وتجعلها تدفع الثمن عاجلا أم آجلا .
ولنأخذ على سبيل المثال كلا من شركتي النفط " شل " الإنكليزية و " توتال الف " الفرنسية : عندما أدى تسرب بقع من النفط في عرض البحار إلى تحميلهما كامل المسؤولية مما سبب لهما خسائر فادحة وفقدان بريقهما آنذاك . وكذلك الحال مع شركة " يونيون كاربايد " الأمريكية التي تسببت في مصرع 8 آلاف شخص بسبب انفجار مصنعها في الهند في منتصف الثمانينات ، مما أدى ذلك الحادث المأساوي التي حاولت التملص منه بسرعة كبيرة ، إلى الإطاحة بقادة الشركة الأمريكية تلك .
والبعض ما يزال يتذكر تلك المقاطعة العالمية التي تعرضت لها شركة "ريبوك" العالمية لصناعة كرة القدم عندما اكتشف بان صناعة هذه الكرات قد تمت من قبل الأطفال الباكستانيين دون الـ 12 سنة والذين يعملون فيها .
وسرعان ما استخلصت هذه الشركة الدروس والعبر من هذه المقاطعة ، فعملت على الفور إلى تغيير شعارها المرسوم على الكرات لتلميع صورتها أمام العالم . فقد أقامت مصنعا جديدا مع مراقبين مستقلين أطلقت حملة هائلة من الدعاية حول جودة هذه الكرات التي كتب عليها عبارة " لم يشترك الأطفال في صناعتها " .
إن العواطف الإنسانية الخالصة ليست هي المنطق الأساسي لعمل الشركات ، وانما مصالحها الخاصة المحسوبة جيدا ، والعمل على تحسين صورتها الخارجية بشكل مستمر لجعلها مقبولة لدى المجتمعات الدولية .
ولكن علينا ألا نعتقد بأن تلك الشركات والمؤسسات لا تأخذ أيضا بعين الاعتبار القضايا العالمية العادلة انطلاقا من حقوق الإنسان وغيرها وذلك وفقا لتجاربها وحسها الحضاري . فلاشيء يمنع من أن تحسن هذه الشركات من قواعد سلوكها واعمالها ، وذلك بعدم التهرب من المسؤولية والالتزام بالمحافظة على البيئة وتحسين منتجاتها آخذة بعين الاعتبار مسائل محاربة الفساد وعمل الأطفال وردود أفعال الأفراد والمؤسسات .
وعليها أن تعلم بان السعي نحو الربح لا يتعارض مع الأخلاق وجودة الإنتاج . وبالفعل فقد أظهرت دراسة قام بها خبراء من أحد المراكز العالمية للبحوث الدولية تفيد بان 85% من الشركات المتعددة الجنسيات ، وكذلك90% من الشركات الأمريكية أيضا قد أدركت مسائل عالمية كثيرة تتعلق بحقوق الإنسان واحترام البيئة وغير ذلك فقامت بتحسينات كبيرة وتعديلات هامة على برامجها .
ومنذ عام 1999 أخذت على عاتقها معظم الشركات تلك القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد على المستوى العالمي . وخاصة بما يتعلق بعمل الأطفال ن فقد تلقت معظم الشركات ردود أفعال غاضبة تطالب بكل بساطة بمنع تشغيل الأطفال أو على الأقل منع استيراد المنتجات المصنعة من قبلهم .
إلا أن هناك أبحاثا أخرى قام بها أحد الدارسين من جامعة " كور نيل" الفرنسية تدعو إلى التأمل . فهي ترى أن منع استيراد المنتجات المصنعة من قبل الأطفال من شأنه أن يؤثر سلبا على ظروف معيشتهم ، وذلك بحرمانهم من أي مصدر للدخل ، مما يؤدي إلى استغلالهم من قبل بعض الجهات وزجهم في أعمال الدعارة وحثهم على ممارسة البغاء .
وهناك دراسة أخرى قامت بها منظمة اليونيسيف الدولية في عام 1998 حول عمل الأطفال ، كشفت بان هناك من 5 آلاف إلى 7 آلاف طفل في " نيبال " وحدها قد سقطوا في البغاء نتيجة فصلهم عن عملهم في بعض مصانع السجاد التي كانوا يعملون بها . مما أدي إلى إغراق عائلاتهم بالفقر المدقع .
إن مثل هذه المواضيع المأساوية يجب أن تتدخل بها الحكومات و تعالجها وذلك بعقد شراكة حقيقية مع الشركات الكبرى بغية التوصل إلى حلول مناسبة ترضي جميع الأطراف .
فمسألة عمل الأطفال ، على سبيل المثال ، يجب أن ينظر إليها أيضا من منظور آخر . ذلك أن هناك أطفالا كثيرين يضطرون للعمل على حساب كرامتهم ودراساتهم ومستقبلهم من اجل إنقاذ أسرهم ، مما يجدر بهذه الشركات وسواها ، أن تأخذ بعين الاعتبار ظروفهم المعيشية القاسية ، وذلك بالتخفيف ما أمكن من أعباء العمل لديهم ، وذلك بعدم تعريضهم للعقوبات أو الأعمال الشاقة والتهديد بالفصل ، ثم جعل دوامهم جزئيا حتى يتسنى لهم متابعة دروسهم .
ثم على الدولة أن تخصص لعائلاتهم الإعانات والمساعدات اللازمة . وقد لاقت مثل هذه الحلول صدى واسعا في بعض البلدان ، كالمكسيك وبنغلادش وكانت النتائج مشجعة .
وبناء على ذلك يرى المراقبون انه بإمكاننا إدخال تعديلات على العو لمة ، إن لم يكن بالإمكان التحكم بها وذلك إذا استطعنا جعل السوق والقانون يسيران على قدم وساق .
فالعولمة حسب رأي الكثير من المحللين ليست مرفوضة بذاتها وإنما بنوعها. وهكذا فان الهوة سوف تبقى قائمة بين أنصار العولمة ومعارضيها ما لم نمهد الطريق لظهور اتجاه عالمي قوي يعمل على جمع هؤلاء والتقريب بين وجهات النظر ما أمكن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي