الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق ماذا والى أين؟ الحلقة 5 (التعليم والتجربة اليابانية)

محمود شاكر شبلي

2013 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



شروط النهضة الحضارية للمجتمع وفلسفة التغيير.......(تكملة )


إالتربية والتعليم :-

نّ المؤسّسات التربويّة بما فيها المدارس والكليات والمعاهد الثقافيّة هي العمود الفقريّ الّذي تقوم عليه حضارة أي بلد. أن النظرة والتعامل الصحيح مع المعرفة هي التي دفعت بالشرق سابقا وبالغرب وبعض دول الشرق حاليا الى صفوف المقدمة من الركب الحضاري المعاصر.
هنالك فجوة كبيرة وهوة واسعة تفصل بيننا وبين العالم المتمدن , علينا تقليص تلك الفجوة وردم تلك الهوة العلمية والثقافية عن طريق أجراء تغييرات أساسية في طرق التربية وتجديدات جوهرية في مناهج التعليم الحالية.. لابد لنا من هزم الجهل وتحطيم الحواجز الذي وضعها اأصحاب العقول القاصرة والمستبدون كسد منيع بيننا وبين نور المعرفة .
فلنغير رؤيتنا لطرق تحصيل المعرفة ولنجعل الطالب يختاروبمحض إرادته مادته العلمية التي ستكون حجر الأساس لمستقبله المهني ولننبذ الطريقة المتخلفة والمجحفة التي نتبعها الان من جعل معدّل الدرجات هو المقياس! ولنعط للطالب في السنة الاولى أو أول سنتين من دراسته الجامعية حق تغييرأختصاصه بما يراه مناسبا لتوجهاته وبمساعدة مستشار تعليمي مختص يمارس عمله داخل أروقة الكلية كما هو حاصل في الدول المتقدمة لكي يستطيع الطالب أن يتواصل بصدق مع دروسه وأختصاصه بدون ملل أو شعور بالأحباط أو بالغبن. فلنسخّر الجامعات والمعاهد العالمية لخدمتنا ولنجعلها أحدى وسائلنا لتحقيق التقارب الإنساني وتبادل المعرفة مع الحضارات الاخرى للأرتفاع بشأن بلدنا بين البلدان وأمتنا بين الأمم كما أراد الله لخلقه في ذكره الحكيم: «وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون»، آية 13 من سورة الجاثية.



الهيئة التدريسيّة
قال جون ديوي: "بإمكان المدرسة أن تغيّر نظام المجتمع إلى حدّ معيّن، وهو عمل تعجز عنه سائر المؤسّسات الاجتماعيّ". ،
أن دور المعلم في المدرسة والأستاذ الجامعي أشرافي وأرشادي أكثر منه تلقيني في مدارس وجامعات الدول المتقدمة, حيث أن الأستاذ يحث الطلاب على البحث ومقارنة المعلومات وأبداء الرأي الشخصي والنقد وأضافة معلومة جديدة وأنارة الزوايا المظلمة والمناقشة في أي موضوع. أن سلوك طاقم إعداد الأجيال في البلدان المتقدمة من العالم يدل على كفائته العالية في تعليم تلك الاجيال وتربيتها لتمكينها من المشاركة في تطوير مجتمعاتها. إنّ التفاعل والتعامل اليوميّ بهذا الشكل للطلاب مع المواد العلمية والثقافية وبشكل مكثّف، سيساهم رفع مستوى السلوك الحضاري بالاضافة للقيمة العلمية ويؤدّي إلى أنغماسهم في الدراسة والبحث وابتعادهم عن السلوك والفكر المتخلف والعنيف.


التجربة اليابانية:

ما سر اليابان؟ وما سر نهوضها ؟
أن الذي نهض باليابان هو أصرار ومثابرة أمة ضربت بالقنابل الذرية وهزمت وتحطمت واستسلمت لكنها ردّت بهذا النهوض الهائل. أمة قامت من بين الاجداث وخططت ونجحت في بناء بلد عظيم وحضارة متفوقة بيد وعقل إنسان منضبط ساهم في تكوينه نظام تربية وتعليم راقي.
في كتابه المتميز «أسرار الإدارة اليابانية» حاول الدكتور حسين حمادي أن يجيب عن السؤال المهم: «ما الذي فعله إنسان اليابان لتخطي خسارة الحرب؟ وكيف وضع نفسه على الطريق لكي يجعل من اليابان واحدة من أكبر ثلاث قوى اقتصادية في عالمنا المعاصر؟» فيقول منذ تولي الإمبراطور ميجي مقاليد الحكم بمساعدة رجال الساموراي عام 1867م، كان التصور أن حل المشكلة القومية لليابان هو التحديث، وهو بأن تصبح اليابان دولة عصرية قوية تدخل في المجال الصناعي بكل قوة، ولا بد لها من فتح الأسواق الخارجية بالقوة، والحل( كما أعتقدوا أنذاك) يكمن في التوسع الأفقي على حساب الجيران، حيث القوة العسكرية هي المفتاح لتحقيق هذا التوسع. وهكذا دخلت اليابان في حرب مع الصين وأنتصرت عام 1895م، ثم على روسيا عام 1905م، ثم على كوريا عام 1910م، ثم دخلت اليابان الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية لتستولي على الهند الصينية والفلبين والملايو وسنغافورة وبورما وتايلاند. ولكن هذا كله لم يوصل إلا الى الخسارة في الحرب العالمية الثانية و إلى الاستسلام غير المشروط عام 1945م. من هنا ابتدأ إنسان اليابان بالبحث عن طريق آخر وأتخاذ قرار اخر، وكان أساس هذا القرار الجديد هو التوسع الرأسي أو العمودي من خلال إنسان اليابان نفسه وتطويرعقله، وليس بالتوسع الأفقي باستخدام السلاح الياباني أي أن الحل يقع داخل حدود اليابان، وأنه مرتبط بالإنسان الياباني وبالعقل الياباني. ومن هنا جاء دور النظام التعليمي في اليابان لكي يأخذ دوره االخطير في صنع إنسان اليابان الجديد الذي حقق الطفرة الحضارية.

الشخصية اليابانية:
الشخصية اليابانية منضبطة،‏ تقدس الوقت،‏ وتحترم النظام‏،‏ وتبدع بالعمل الجماعي والفردي من ضمن الفريق الواحد‏،‏ وتلتزم وبشدة بآداب التعامل‏. أخلاقيات المتاجرة اليابانية رفيعة وموصوفة بالصدق والأمانة‏.‏ وهناك إحساس عام بالأمن والأمان في اليابان لتوافر الوظيفة المنتجة والتأمين لمعظم الخدمات الاجتماعية‏.‏ وهذه الأخلاقيات نابعة من الاهتمام بالبرامج التعليمية المتعلقة بالأخلاقيات والسلوك للمواطن‏، ومنذ الصغر في البيت والمجتمع والمدرسة‏.‏ كما أن محاسبة القانون صارمة للمخالفين،‏ والإحساس بالعيب المجتمعي بات يخلق بالمواطن الياباني منذ صغره مقدرة قاسية‏ على نكران الذات وتحمل الألم.‏ القانون الياباني لا يرحم الغني أو الفقير‏،‏ الوزير أو الغفير‏،‏ فحينما تكتشف المخالفات‏،‏ تدرس أسباب حدوثها،‏ ويحاسب مرتكبوها‏,‏ وتمنع تكررها‏.‏ بالإضافة إلى أن القيم المجتمعية اليابانية تفرض على الشخص الاعتذار‏.‏ لذلك فأنهم يحنون رؤوسهم ويعتذرون ويعترفون بأخطائهم في معظم الأحيان ولا تأخذهم العزّة بالأثم.
‏ إن الطبيعة الشاقة والجغرافية المحيرة للبلد أعطت اليابانيين لغرض العيش والمحافظة على أنفسهم من الانقراض القدرة على العمل الشاق أيضا قرنا بعد قرن وحقبة بعد أخرى، حتى أصبح لدى الياباني «أخلاقيات عمل» يصفها بعض الخبراء بأنها (أكثر أخلاقيات العمل عمقًا وأصالة في العالم كله).
يذكر الدكتور حسين حمادي في كتابه «أسرار الإدارة اليابانية» أيضا أن المراقبين يفسرون حالة «إدمان العمل» التي يلاحظونها على إنسان اليابان المعاصر بأنها تعود في جزء كبير منها إلى تأثير التربية التي ركز عليها نظام التعليم منذ الصغر. فقد وفرت هذه الجرعة المؤثرة شحنة مستديمة عند اليابانيين إلى درجة تجعلهم يخشون عدم العمل، فهم يدركون تمام الإدراك أن توقفهم عن العمل يعني أن بلدهم سيتوقف عن الوجود!

المعلم الياباني:
يعكس دور المعلم في اليابان في مختلف المراحل اهتمام اليابانيين بالتعليم وحماسهم له، ومدى تقديرهم له، فالمعلمون يحظون باحترام وتقدير ومكانة اجتماعية مرموقة، ويتضح ذلك من خلال النظرة الاجتماعية المرموقة لهم، وكذلك المرتبات المغرية التي توفر لهم حياة مستقرة كريمة، ويتساوى في ذلك المعلمون والمعلمات. ويتضح كذلك من خلال التهافت على شغل هذه الوظيفة المرموقة في المجتمع. فمعظم هؤلاء المعلمين هم من خريجي الجامعات، ولكنهم لا يحصلون على هذه الوظيفة إلا بعد اجتياز اختبارات قبول شاقة، تحريرية وشفوية. وبالطبع نسبة التنافس على هذه الوظيفة شديدة أيضًا، وهم بشكل عام يعكسون أيضًا نظرة المجتمع إليهم، ويعكسون أيضًا صورة الالتزام وروح الجماعة والتفاني في العمل عند اليابانيين. فهم إلى جانب عملهم في المدرسة وقيامهم بتدريبات ودراسات لرفع مستوياتهم العلمية، فهم يهتمون بدقائق الأمور الخاصة بتلاميذهم، كما يقوم المعلمون بزيارات دورية إلى منازل التلاميذ أو الطلاب للاطمئنان على المناخ العام لاستذكار التلاميذ من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤكدون التواصل مع الأسرة وأهمية دورها المتكامل مع المدرسة.
فلا تكاد تنظر إلى أي جهة من جهات النهضة اليابانية دون أن ترى موضوع التعليم يقابلك بوضوح، وبدأت إصلاحات النظام التعليمي الحديث في اليابان في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، ثم انتعشت في بداية القرن العشرين. وعندما دخلت اليابان الحرب العالمية الثانية كانت لديها قاعدة صناعية وتعليمية، وبعد الحرب تحول التعليم الياباني إلى تعليم يعتمد التدريب على التفكير أكثر مما يعتمد على النقل والحفظ. ومع مرور الزمن استقرت هذه المفاهيم في نظام تعليمي مركب، أصبح يشد خبراء التعليم في العالم.. وأصبحت مناهج التربية والتعليم اليابانية اليوم من المناهج العالمية التي تنظر إليها وتحاول تقليدها الأمم الأخرى. أن المؤسسة التعليمية والبحثية الان هي أضخم تشكيل في جسم الأمة اليابانية , فهي تضم نحو ثلث سكان الدولة في اليابان , أما حجم الإنفاق على هذا القطاع هناك فيكاد يصل إلى ربع موارد الدولة.


ماهي رؤيتنا ؟ وما هو المضمون ووما هو الاسلوب...؟!!
لابد لأمتنا لغرض التجديد الحضاري من خطة تعليمية واضحة المعالم والغايات تتفق عليها الصفوة المثقفة المختصّة والعقول الواعية وتدعمها الأجهزة الرسمية في الدولة. ولكي تحقق الخطة التعليمية هدفها لا بد من مراجعة شاملة وتصحيح أساسي في المضمون والأسلوب؛ فأما في المضمون فتجدر مراجعة كل الجزئيات في نظام التعليم لتعاد صياغتها بما يخدم التوجه الجديد، وأما في الأسلوب فلا بد من نبذ الأساليب التلقينية التي تعطل ملكة التفكير وتشل القدرة على الإبداع. لا ينبغي أن يكون المطلوب من الدارسين استظهار معلومات لا يلبثون أن ينسوا أكثرها عن قريب، بل يجب تنمية حاسة التعلم، وتطوير القدرة على البحث، وتعليم التفكيرالنقدي، وتنمية الإبداع والابتكار.أما تركيز التعليم على تقديم المعلومات بمعزل عن تربية القيم فسوف يقود إلى إجهاض الخطة برمتها وتفريغها من محتواها لتصبح شبحًا بغير روح.
ولابد أيضا من توفير امكانات هائلة ومبالغ محترمة لتطوير المؤسسة التعليمية لغرض الحصول على أداء غير متعارف عليه سابقا لتنفيذ الخطة التعليمية المرموقة, فإذا عجزت هذه المؤسسة الجبارة عن أن يكون لها في خطة الأمة النهضوية الحضارية أعظم الدور وأبلغ الأثر، فحري بالأمة أن تنسى هذه الخطة، وتقنع ببقائها في الذيل من ترتيب أمم الأرض!

يتبع في الحلقة 6








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواهب غير مفيدة للمجتمع ???? مع بدر صالح


.. تونس : لماذا كل هذه الفيود على الحريات؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. بعد حرب غزة.. هل ستفوز حماس إذا أجريت انتخابات؟ شاهد كيف رد


.. بسبب التصعيد الإسرائيلي في رفح.. تزايد حدة التوتر بين القاهر




.. أمير الكويت يصدر مرسوما أميريا بتشكيل الحكومة الجديدة | #راد