الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفهم الدياليكتيكي للعملية التاريخية

اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

2013 / 9 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

طبقا للعمليات الجارية في حقل الوجود الاجتماعي و الوعي الاجتماعي تدافع الماركسية عن نظرية التطور الدياليكتيكي, فجميع الظاهرات وفقا للدياليكتيك متناقضة داخليا, و تحتوي في داخلها على تناقضات تتصارع وتتحد مع بعضها, انه لمن المستحيل مثلا فصل عمليات البناء و الهدم في البيولوجيا, و نفس الشيء أيضا بالنسبة للمجتمعات التناحرية المتناقضة, اذ في كل مجتمع منها هناك وحدة و تناقض بين الطبقات الاجتماعية ويستحيل تصور المجتمع الإقطاعي مثلا بدون وجود الطبقتين الإقطاعية و والفلاحية.
تبحث الماركسية و تجد مصدر الحركة الذاتية لجميع الظاهرات و العمليات في وحدة وصراع الأضداد, ففي كل ظاهرة طبيعية و اجتماعية يوجد وان كان بشكل غير متطور, لدى نشوء هذه الظاهرات, متناقضات مرتبطة ببعضها البعض, تتطور وتتفاقم وتحل في مرحلة معينة على هذا النحو أو ذاك.
في الحقل الاجتماعي, عموما, تفضي التناقضات المتفاقمة الى انتصار الجديد على القديم, الى انشقاق هذه الوحدة للأضداد, التي تشتت هذه العضوية الاجتماعية.
ان التغيرات الكمية البطيئة في حدود النوعية القديمة تفضي الى انتقال على شكل قفزة الى النوعية الجديدة, بيد ان التطور على شكل قفزة ليس بالضرورة ان يحصل في وقت زمني قصير.
تنطلق النظرية الدياليكتيكية في التطور من وحدة التطور الارتقائي و الثوري, من وحدة التغيرات النوعية البطيئة للنوعية القديمة, مع الانتقال المتسارع نسبيا الى حالة نوعية جديدة, وليس من الضروري عند هذا سواءاً أكان في الطبيعة او في المجتمع ان يكون التحول الثوري ونشوء نوعية جديدة مرتبط بالطوفان و الأعاصير الثورية العنيفة.
تعير الماركسية في تحليلها لهذه العمليات التاريخية أو تلك اهتماما كبيرا للكشف عن تناقضاتها الأساسية و طبيعة تصارعها, للفصل الدقيق بين القديم و الجديد, بين التقدمي و الرجعي. ان المنهج الدياليكتيكي يتيح ايجاد الطريق الأمثل لتسريع و تسهيل الانتقال من القديم الى الجديد.
ان الدراسة العميقة للعمليات الجارية في المجتمع وفي الطبيعة قد أتاح للماركسية ان تفسر تفسيرا علميا النظرية الهيغيلية بصدد الانتقال على شكل قفزة للتحولات الكمية الى نوعية.
وبالفعل, فان الظاهرة الجديدة لا تظهر بغتة دون تمهيد مسبق, فولادتها تكون أحيانا مرتبطة بمرحلة طويلة من التحولات البطيئة الجارية في نطاق النوعية القديمة. بيد انه في مرحلة معينة من هذه العملية البطيئة يفضي التطور الارتقائي الى قفزة, الى اضمحلال النوعية القديمة وظهور نوعية جديدة. ان ذلك هو قانون عام لتطور الطبيعة و المجتمع و التفكير الإنساني, فلا شيء يظهر بغتة دون تمهيد طويل نسبيا, دون تشكل وتراكم عناصر النوعية الجديدة المقبلة.
كما انه صحيح كذلك ان لا شيء يتلاشى فجأة على حين غره, دون تنامي العناصر المضادة للنوعية القديمة, فهذه الأخيرة شيئاً فشيئا تزعزع القديم و تمهد لتلاشيه. ان التحولات على شكل قفزات من النوعية القديمة الى الجديدة يمكن أن تكون طويلة للغاية في بعض الأحيان. لكن مع ذلك فهي حتمية, بدونها يستحيل تلاشي النوعية القديمة وظهور نوعية جديدة.
ان الفهم الدياليكتيكي للتطور يرفض محاولات تحويله الى مفاهيم (التطور و النشوء) المبتذل, الذي يحاول ان ينفي فكرة التحول من حالة نوعية معينة الى أخرى, فوفقا لهذا الفهم الخاطئ المبسط للقضية توجد ظاهرات قادرة على التغير ابديا دون تغيير جوهرها النوعي. وعلى اساس هذه التصورات المشوهة وعن التطور نشأت, على سبيل المثال, فكرة العلاقات و المؤسسات الاجتماعية الأبدية, تستخدم نظرية التطور المبتذلة من اجل اضفاء صفة الخلود على الملكية الخاصة, التي كانت موجودة في كل مراحل التاريخ, كما يزعمون!
ان المنهج الدياليكتيكي , اذ يدافع عن فكرة التطور الصاعد في الحياة الاجتماعية وتبدل ما فات اوانه وما كان يميل الى القديم, ينفي الاستثناء الكلي للأطوار السابقة من التطور التاريخي. فكل جديد تقدمي حقا اذ يستثني البنية الاجتماعية القديمة يحتفظ بصورة منقية بكل ثمين من منجزات المرحلة السابقة من التطور الاجتماعي, بكل القيم العلمية و الثقافية التي تكون ضرورية من اجل النظام الاجتماعي الجديد, يمكن ان تساعد على التقدم الاجتماعي. ان المحافظة على هذا التواصل هي اهم شرط للتقدم التاريخي نفسه, فبدون هذا النفي الدياليكتيكي مع الاحتفاظ بكل ما هو حيوي هام, لما وجدت بالطبع عملية التراكم, عملية زيادة المعارف و القوى.
تمشيا مع روح المعرفة العلمية, يرمي المنهج الدياليكتيكي الى كشف جوهر الأحداث و الظواهر الاجتماعية, وهو يرفض بصورة مبدئية أفكار اللاأدرية الاجتماعية ونفي إمكانية وجود القوانين الموضوعية للحياة الاجتماعية ومعرفتها, وهي الأفكار الواسعة الانتشار الى حد كافي في فلسفة التاريخ و السوسيولوجيا الغربية المعاصرة حاليا, فهذه اللاأدرية المكشوفة أو المستترة توجه المعرفة الاجتماعية نحو مجال (الظاهرات الاجتماعية) فحسب, و تحذر من (مغبة) محاولة التعمق في جوهر الظاهرات, لأن هذا سيكون (بدون فائدة).
لقد كتب الكانطيون الجدد الكثير من أجل التحذير من البحث عن قوانين موضوعية في علم التاريخ وعلم الاجتماع, فما يسميه الكانطيون الجدد بعلم التاريخ, لا يطمح إلا إلى وصف الظاهرات الاجتماعية و التاريخية, بدون محاولة البحث عن أسباب و كنه تلك الظاهرات.
ان هذا الخوف من القوانين التاريخية الموضوعية و نفيها المباشر أو الغير مباشر منتشرة على نطاق واسع في علم الاجتماع البرجوازي حاليا, ومن السهل تتبع تطور هذا في تلك المؤلفات خلال القرن العشرين و القرن الحالي حتى يومنا هذا.
يبين المنهج الدياليكتيكي بطلان كافة الأشكال لتجلي اللاأدرية, من الناحية العلمية, و يعلل سبيل معرفة الظاهرات وجوهرها وقوانين وجودها وتطورها, إن منهج المعرفة الدياليكتيكية يسترشد بثبات المبدأ, الذي يؤكد أن الممارسة الاجتماعية هي مقياس الحقيقة وتتيح معرفة عزل الحقيقة عن الخطأ.
ان الدياليكتيك العلمي يقف ضد اللاحتمية, ضد نفي العلاقات الحتمية بين الظاهرات, وهو يرشد الى الدراسة العميقة للظروف, التي تبرز في ظلها الظاهرة المعنية سبباً ضروريا لنشوء أو تلاشي أو تحول هذه الظاهرات والأحداث أو تلك, وانطلاقاً من أولية السبب وثانوية النتيجة يأخذ الدياليكتيك بالاعتبار الارتباط الموجود بينهما وإمكانية التأثير النشيط للنتيجة على الأسباب التي ولدتها.
ان مبدأ الحتمية في فهمه الدياليكتيكي يتيح أخذ الصلة الطبيعية و الضرورية بين الماضي والحاضر, بين التطور الاجتماعي الحاضر والمقبل بعين الاعتبار, ان طرح المسألة على هذا النحو يستثني إمكانية تصوير الواقع الاجتماعي الفعلي ككومة عشوائية من الظاهرات والأحداث العرضية الغير متصلة طبيعيا ببعضها البعض.
ان نفي الحتمية التاريخية والقوانين الموضوعية في التطور الاجتماعي صفة مميزة للعديد من المذاهب الفلسفية والتاريخية والسوسيولوجية في الوليات المتحدة, ويحث على ذلك في كثير من الأحيان شعور إنساني خاطئ لا يرغب في إخضاع الإنسان (تقييده) بقوانين التاريخ, التي تحد من (إرادته), ووفقا لهذا المنطق ينبغي اذاً نفي القوانين الموضوعية, التي تقيد (حرية الاختيار) للإنسان.
يقول ليورويس في كتابه "العلم, الإيمان, الشكية" : ( ان الأمر الرئيسي في قناعاتي الفكرية يقوم في أن التصور عن العالم كوحدة هو هراء, إنني اعتبر ان الكون هو خليط كامل دون وحدة, دون صلة أو نظام).
ونحن اذ تقول ان اللاحتمية الاجتماعية, التي لا تبقي مكانا للفهم العلمي لسير التاريخ, تبقى بالنسبة لعلماء الاجتماع الغربيين شيئا بديهيا, إلا أننا نشير الى ان الدفاع بواسطة المنهج الدياليكتيكي عن الحتمية التاريخية لا يعني ابداً نفي الصدفة التاريخية, لأن الصدفة نفسها تعتبرها الماركسية شكلا لتجلي الضرورة وتتمة لها, فالحتمية التاريخية تشق لنفسها طريقا متجلية في الأشكال المتنوعة للصدف, إلا أنها مع ذلك لا تكف عن كونها حتمية.
لقد اشرنا إلى أن رفض الحتمية التاريخية وقوانين التاريخ الموضوعية يجد تفسيره عند الكثير من الفلاسفة الغرب بعدم الرغبة في الانتقاص من حرية الفرد... الخ. بيد انه قبل ماركس, كانت متداولة فكرة جيدة, تقول ان الحتمية ما هي إلا حتمية مُدركة, وقد طورت الماركسية هذه الفكرة, فالناس من اجل معرفة القوانين التاريخية الحتمية فقط ومعرفة سير التطور الاجتماعي, الذي تحدده هذه القوانين, يكتسبون إمكانية العمل عن معرفة بالأمور والدفاع عن أهداف واقعية مستقبلية تقدمية, وضرب محاولات القوى الرجعية الرامية الى الدفاع عن الأنظمة المتعفنة المحكوم عليها بالزوال, من خلال إدراك الحتمية التاريخية تكتسب الجماهير الشعبية والطبقات التقدمية حرية الحركة, انها تصبح مبدعة واعية للتاريخ, تعجل سيره وتساعد على التقدم الاجتماعي.
ان الدياليكتيك المادي, إذ يثبت وجود القوانين الموضوعية لتطور العالم, يأخذ بعين الاعتبار حقيقة ان هذه القوانين لا تتجلى على نمط واحد وعلى قالب واحد, فالقوانين الواحدة بجوهرها تتجلى بأشكال مختلفة في الأزمنة والأمكنة المختلف, فقد كانت متباينة للغاية سبل نشوء النظام الرأسمالي في بريطانيا وروسيا و الوليات المتحدة وهولندا, وغيرها.
ان ما تقدم يشير إلى أي مدى يحاول الكثير من اليساريين (الثوريين للغاية) ان ينسبوا للماركسية الدفاع عن قوانين التطور الاجتماعية المبسط وفق خط واحد دون أي انقطاع وانحراف وتعدد أشكال تجلي هذه القوانين, ان الماركسية تدافع عن العلم التاريخي الذي يقول ان التاريخ يتطور بموجب قوانين, ومتعددة الأوجه, فمنتقدي الماركسية ينسبون إليها صورة تاريخية تذكر بموعد (الباص السريع), يتضمن وقت للانطلاق, ووقت للوصول, و الانتظار, فالمغادرة في أوقات محددة.
ان أعداء الماركسية من كل شاكلة (ينفون) إيمانهم (بهذه الصورة) للتاريخ, بالرغم من أنهم هم الذين ابتكروها بأنفسهم.
ان الدياليكتيك المادي للفهم التاريخي يتيح في الواقع إعادة رسم لوحة ديناميكية للغاية ومتعددة الجوانب للعالم مع تناقضاته الداخلية وصراع الأضداد الموجودة في إطار من الوحدة مع عملية تطور العالم الأبدية والتلاشي الطبيعي للقديم.
يعكس كل أشكال فلسفة التاريخ المثالية, التي بنت على نحو تأملي صرف, على نحو سلفي مصوراتها التخطيطية وقوانينها الشاملة و الميتة, محاولة عبثا ان تشمل بها سير التاريخ بمجرد قصص وسرد ليس له أي معنى, يبدأ الدياليكتيك المادي من الطرف الآخر, فهو ينطلق من الواقع الفعلي ويعكس على نحو معمم قوانينه في التطور, و يستخلص استنتاجاته العلمية على أساس دراسة التاريخ الماضي و الحديث دراسة دقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في


.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال




.. لماذا تتبع دول قانون السير على اليمين وأخرى على اليسار؟ | عا


.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا




.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ