الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشل حكم الإخوان في مصر ؟

سميح مسعود

2013 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


فاز الإخوان في الإنتخابات الرئاسية ، وتمكنوا من الوصول إلى سدة الحكم في مصر لأول مرة بعد ما يزيد عن ثمانين عاما من الإنتظار ، تم لهم الفوز بعد أحداث مصاحبة لتحولات سياسية تاريخية شهدتها الساحة المصرية ، حصل فيها مرشحهم في انتخابات جولة الإعادة النهائية على أصوات المعارضة لا حباً فيه ، ولكن كرهاً في منافسه مرشح النظام السابق ، وهكذا إعتلى مرسي كرسي رئاسة أرض الكنانة ، وتمكن الإخوان من الظهور كفاعل مهم في الحياة السياسية المصرية .

فجاة وجد الأخوان أنفسهم أمام تحديات جسيمة اقتصادية واجتماعية وسياسية ورثوها من النظام السابق ، أنتجها الفساد والإختلاس والفضائح المالية والاستبداد والسيطرة على زمام الأمور من قبل مبارك وزمرته لعقود طويلة بدون مساءلة ، في ظروف عمتها البيروقراطية وغياب للديموقراطية والحقوق المدنية للمواطنين .

لا حاجة لي للوقوف عند سلسلة طويلة من حيثيات وتفاصيل تلك التحديات ، ويكفي فقط ذكر ، حصيلة الديون العالية التي تقدر بنحو57 مليار دولار، وارتفاع معدلات النمو السكاني ومعدلات الفقر والبطالة والأمية ، وانخفاض مستوى الخدمات الصحية ، وانخفاض الموارد والانتاج والدخول ، ووجود عجز غذائي دائم نتيجة تزايد السكان بمعدلات عالية .

ولا بد من أن أضيف إلى هذه التحديات المزمنة ، تحديات اخرى جديدة ظهرت على السطح مع تداعيات ثورة 25 يناير 2011 ، من أوضح دلائلها تراجع غير مسبوق في الإنتاج والصادرات وعوائد السياحة وتدفقات الإستثمارات الأجنبية ، وتفاقم عجز الميزانية ، وانخفاض احتياطي النقد الاجنبي ( حسب الإحصاءات الرسمية ) من 36 مليار دولار إلى 15 مليار دولار تكفي بالكاد لتغطية واردات ثلاثة أشهر .

مما لا شك فيه ان كل هذه التحديات قد فرضت واقعا ً جديداً في مصر ، برزت ملامحه الاقتصادية المتداعية مع بداية حكم الإخوان ، ولهذا توقع المراقبون أن يطور الرئيس الجديد خطابه السياسي بما يتماشى مع طبيعة تحديات المرحلىة الجديدة ، للتصدي لها ، وإيجاد الحلول الناجعة لمطالب المصريين المتمثلة بالعيش الكريم وحرية التعبير وتحقيق العدالة الإجتماعية ، إضافة إلى مطالب أخرى عامة تتجسد بدفع التنمية في كل مجالاتها ، و إصلاح أجهزة الدولة بما يساعد على تطهير البلاد من الفساد والمُفسدين .

اتجهت الأنظار نحو الرئيس الجديد لمعرفة برامجه التي سيضعها للتصدي للتحديات التي تواجه مصر ، ولمعرفة حلوله الإسلامية لتحقيق العدالة الإجتماعية ومواجهة البطالة والفقر والاختلالات والعجوزات المالية ، وتنفيذ اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ومؤسساتية وتشريعية ضرورية من اجل تعزيز الديموقراطية ، وإرساء دولة القانون والإحترام القاطع للحقوق والحريات الإنسانية .

للأسف ، في اللحظة الحاسمة عند تولي السلطة ، لم يتضمن خطاب الرئيس الجديد أية برامج إصلاحية وإنمائية لحل مشاكل الوضع المعيشي للمواطن المصري ، فقد غيبت نشوة الحكم التي تملكت الإخوان كل ما كان مطروحاً من مطالب شعبية في ميدان التحرير ، وأحيت بدلاً منها رغبة ملحة لديهم للإستئثار بالسلطة ، وهذا ما أطلق عليه الإعلام المصري إصطلاح " أخونة " مؤسسات واجهزة الدولة المصرية بما فيها مجلس الشورى وأجهزة القضاء .

وعلى هذا الأساس تم فرض وتوظيف أعضاء كثر من تنظيم جماعة الإخوان في مراكز ومواقع رسمية عليا لا يستحقونها ، أغلبهم من متواضعي القدرات المهنية والإدارية أصحاب خلفية أعمال دعوية ومشاريع خيرية ، يُلمون في قضايا الزكاة وتوزيع التبرعات والمكرمات اكثر من معرفتهم بقضايا السياسة والتنمية والتجارة والمال والإقتصاد .

وقد كرس الإستئثار بالسلطة استبداداً جديداً أخذ يلوح في الأفق من قبل مكتب إرشاد جماعة الإخوان ، تجلى فيه المرشد وهو يتباهى ويختال ، باستخدام لغة خطاب أصولي رجعي متعجرف يدعي فيه امتلاك الحقيقة الدينية المطلقة ، ويستقوي به ضد الرأي الأخر ومرجعيات الاحزاب الأخرى ، كما ويحاول به معتمداً على الأدعية المأثورة والوعظ حل مشاكل الفقر والجوع والبطالة وقضايا التنمية العصية .

وهكذا اهتم الاخوان بالسيطرة على جوانب مهمة من مفاصل السلطة بما فيها وسائل الإعلام الحكومية باقصاء كل من لا ينتمي لجماعتهم ، تعمدوا عدم الاستعانة بكفاءات القوى السياسية والفئات المجتمعية التي تحالفت معهم في تفجير ثورة 25 يناير ، وبهذا تراجعوا عن تعهدهم بأن تكون ادارة الدولة تشاركية مع كل القوى الوطنية ، والأنكى من ذلك وأخطر هو أن اهتمامهم قد انصب على التحكم بمؤسسات الدولة دون اجراء أي جانب من الإصلاحات الهيكلية اللازمة فيها ، أبقوها على حالها بكل مفاسدها كما كانت عليه في العهد السابق .

وتوالت المفاجأت ، وتوالت الصدمات أثناء العام الأول من حكم الإخوان ، ارتكب الرئيس الجديد سلسلة اخطاء جسيمة ، أول هذه الأخطاء عدم تشكيل حكومة توافق وطني من مختلف ألوان الطيف السياسي ، والاكتفاء بحكومة على رأسها بيروقراطي مغمور بامكانات ذاتية متواضعة سواء من حيث المقدرة على الحكم أو من حيث الخطاب ، مما ساهم في تفاقم إشكاليات التحديات السابق ذكرها بدلا من التصدي لها ، واتخاذ قرارات كثيرة غير صائبة ساهمت في خلق مناخ مليء بالتوتر على كل المستويات ، من مظاهره التعسف في استعمال السلطة ، و افتعال صراعات مع أغلبية القوى السياسية ، و ارتكاب انتهاكات للحريات ، واهدار لحقوق الإنسان ، وتعد على أحكام القضاء وعلى حرية الإعلام ، إضافة إلى استخدام اسلوب استعلائي تجاه الاخر ساهم في معاداة الأقباط والطوائف الأخرى ، ومعاداة دول بما يتفق وسياسات جماعة الاخوان .

وهناك نتائج سلبية كثيرة أخرى تمخضت عن حكومة الإخوان ، أورد منها على سبيل المثال لا الحصر : سوء ادارة أزمة المياه مع اثيوبيا ، وتنفير المستثمرين الاجانب وتجميد الإستثمار ، وتبني شبه سياسات غير ناضجة لا تمتلك حلولاً للقضايا الإقتصادية المستعصية ، مما أدى إلى ظهور سلسلة أزمات متواصلة في مجال الخبزو الوقود والمواد الغذائية الرئيسية ازدادت حدة يوماً بعد يوم .

وثاني هذه الأخطاء ، تمرير الدستور الجديد رغم رفض الأقباط وجميع القوى المدنية والاحزاب الأخرى له ، لطابعه الإسلامي وغموض صياغته فيما يتعلق بحرية التعبير وغياب الضمانات الصريحة لحقوق النساء والمسيحيين ومنظمات المجتمع المدني ، وقد أدى هذا إلى توقف التواصل مابين المعارضة والرئيس وحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ، وظهر الرئيس في ظل هذه المعطيات الجديدة في مسار تصادمي مع كل أطياف المعارضة ، ومع أجهزة القضاء و منظمات المجتمع المدني .

وثالث هذه الأخطاء ، وهو أهم خطأ قاتل وقع به الرئيس مرسي ، يتمثل بما أصدره من إعلان دستوري في نوفمبر من العام الماضي ، قيد من خلاله سلطة المحكمة الستورية العليا ، واكتسب على أساسه سلطات جديدة ، وتسبب هذا الإعلان في اندلاع أزمة سياسية حادة ، تجسدت باحتجاجات عنيفة وجهتها القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني معلنة رفضها للإعلان الدستوري الإستبدادي ، وقد صاحبتها مظاهرات حاشدة عمت كل المدن المصرية ضد الرئيس مرسي وحكم الإخوان .

كما انتقدت منظمة العفو الدولية الإعلان الدستوري ، واعتبرت أن " السلطات الجديدة التي اكتسبها الرئيس المصري بحكم الإعلان الدستوري الجديد تُقوض حكم القانون وتنذر بمرحلة جديدة من القمع ، لأن التعديل يمنح الرئيس من الناحية الفعلية سلطات غير محدودة وتحول دون أي طعن قانوني في قراراته لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد ، كما يجيز الإعلان الدستوري للرئيس إصدار أية قرارات أو اتخاذ أية إجراءات يراها ضرورية لمواجهة اي خطر يهدد الثورة أو سلامة الوطن " .

وقد طلبت منظمة العفو الدولية من الرئيس المصري بأن يحترم المبدأ المتمثل في أنه لا أحد فوق القانون ، بما في ذلك الرئيس نفسه ، وذلك بإلغاء الإعلان الدستوري الذي يمنح قراراته حصانة من الطعن .

ولأنه لم يفهم الأمور كما ينبغي ، لم يستجب لطلب منظمة العفو الدولية ، ولم يستجب لمظاهرات أبناء شعبه ، عامل الأمور باستهتار واستهانة ، وسرعان ما تواصلت ضده المظاهرات الشعبية الضخمة والحراكات الشبابية ، بتدفق جموع غفيرة إلى الميادين ، ما عجل في عزله واسقاط شرعيته في زمن قياسي .

وهكذا انتهى حكم نظام الإخوان في عام واحد ، ولا أحتاج هنا إلى وصف وتحليل الاحداث والتطورات والانقسامات السياسية التي ظهرت في أعقاب عزل الرئيس الإخواني ، وإنما أريد التأكيد فقط على أن الخروج من الأزمة الحالية التي تعم مصر يكمن في إقامة الدولة المدنية ( لا دينية ولا عسكرية ) التي يحكمها الدستور والقانون ومنظمات المجتمع المدني، ولا تقوم على خلط الدين بالسياسة ، وترفض استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية ، كما وتكفل المواطنة المتساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن منابتهم ومعتقداتهم وفكرهم ، الجميع شركاء في الوطن بدون تهميش أو إقصاء .

الدولة المدنية ، هي وحدها القادرة على إلحاق مصر وبقية الدول العربية بركب الدول المتقدمة في القرن الحادي والعشرين ، إنها الركيزة الأساسية للنهضة المنشودة .

إنها طريق الخلاص من الغلو الديني والقمع والتهميش واقصاء الاخر وعدم الإعتراف بغير المسلمين من شركاء الوطن والتراب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ