الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصائد للبيع حضارة للإيجار

أوس حسن

2013 / 9 / 7
الادب والفن


"قصائد للبيع ...حضارة للايجار"
..........................................

لم أكن في حياتي تلميذا ً نجيبا ً للنقاد، والمؤوليين للنص الأدبي، فقد أحببت المشاكسة والتمرد مذ كنت طفلا ً، ورضعت حليب المعاناة والهم الكوني، فقد اتسمت حياتي بقلق وجودي دائم، وبثورة ونفور من كل شيء سائد في المجتمع.كنت أنا ولم أكن الآخرين ..وقد أدركت لاحقا ً أن الشعر هو السلاح المعبر عن أحلام الإنسان وتطلعاته وآماله،وهو المعادلة التي تربط الهم الإنساني بالوجود وبالحقيقة المطلقة التي تمنحه الخلود عن طريق نصه الغريب ،لذا جرت العادة أن أكتب نصوصا ً خارج التنظير الأكاديمي والهندسة الإبداعية المحدودة، فكلما أمسكت بمفتاح جديد من مفاتيح الكتابة تكشف لي سر جديد من أسرار الحياة العميقة.

وجرت العادة أيضاً ً، أنني كلما كتبت نصا ً أدبيا ً مميزا ً ،أن ألهث وراء شاعر كبير أو كاتب معروف لكي أريه نصي المتواضع ، فيطلع عليه ويبدي الملاحظات المهمة و المفيدة بالنسبة لتجربة شاعر شاب مازال نقطة صغيرة في هذا المدى اللانهائي،فمنهم من كان يشجعني، ومنهم من كان يبدي ملاحظاته:.. أنت جيد ومتمكن من اللغة والابداع، لكنك ما زلت بعيدا ً عن الشعر واللغة الشعرية، ومنهم من كان يقول عليك أن تتبع الشروط المتوافرة في النص الفلاني أو الفلاني لكي يكون نصك النثري او القصصي او السردي مطابقا ً للغة السائدة في بنية الأدب الحديث، ومنهم من قال أن نصوصك ترتدي ثيابا ً غريبة، لكن القلة منهم قالوا بأنك مميز وثائر على المنظومة السائدة . كل هذه الملاحظات والآراء، طبيعية ومنطقية لشاعر ما زال في بداية الطريق ، فكل شاعر حاذق أراد لتجربته الشعرية أن تنضج وتختمر عليه أن يشرب عصارة كل هذه الأراء والملاحظات في كأس الحياة. الحياة التي ستعطي الشاعر مفاتيح الدهشة والحكمة إن عايش تفاصيلها اليومية المترعة بالآلام والشجون والنزيف الحاد المتكرر في كل لحظة.
لكن الأمر الذي أثار استغرابي ذات يوم وأصابني بغثيان لم أشفَ منه إلى الآن..
أنني عرضت إحدى قصائدي الجديدة على أحد الكتاب العراقيين المعروفيين وله خبرة طويلة ومتراكمة في مجال الكتابة والأدب والنقد،فأثنى على القصيدة ثناء ً واضحا ً وشجعني بحرارة لكنه أبدى ملاحظة، وقال لي:.. ( ترى الشاعر والكاتب ميكفي يكون مبدع وموهوب وعنده طاقات لازم جيبه مليان فلوس ولازم يكون عنده واسطات وعلاقات اخوانية علمود يوصل . .)،ثم أردف قائلا ً (( إذا عبالك الموهبة والأبداع والقدرة اللغوية والأحساسيس الصادقة ..تكدر تصنع شاعر فطز بيهن كلهن اكو شغلات اخرى لازم انت تعرفها وتتعلمها )) .
إن الواقع العراقي اليومي الذي أرهقته الحروب والنزعات والفساد الإجتماعي، الواقع المتخم بثقافة العنف والايدلوجيات المحنطة والتقاليد البالية التي تؤسس للعقل المحاصر، والخطاب التعبوي المتسم بسياسة التهميش والإقصاء،هو الواقع المرير والبائس الذي حاولت الهروب منه مرارا ً لجوءاً ً إلى الوسط الثقافي الذي يتسم بالإنسانية واللاطبقية،والذي يوفرلي فضاء ً مفتوحا ً للفكر للحر، ظنا ً مني أنني استطيع أن أمارس إنسانيتي بلا استعباد أو عبودية .كانت الصدمة أكبر من الواقع البائس،فالوسط الثقافي تملؤه الميليشيات الثقافية المريضة المصابة بهوس النرجسية والغرور والنواقص النفسية، وسط مليء بالمخمورين والمنحرفين، والتجار الذين يتقنون فن التلاعب بعقول البسطاء، لأجل غرائزهم ومصالحهم المادية،حينها أيقنت أن الثقافة تعاني من أزمة حقيقية خانقة،مرتبطة ارتباطا ً جوهريا ً بالأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد، فالمستقبل لأشباه المثقفين للنفعين المتطفلين، لعبيد الثقافة الإستهلاكية للمتسلقين الذين يلحسون أقدام الطبقة الحاكمة، أما اصحاب الكفاءات والمواهب والأبداعات فهم يغردون خارج السرب ويعيشون في غربة وعزلة روحية ،لكنني كنت على يقين تام أنهم هم السائدون ولو بعد مئة عام وهم من سيمثلون الحقيقة التاريخية لبلادهم .
إن المثقف الحقيقي هو الذي يعايش آلام الناس اليومية في الشارع ،يسافر معهم في أحلامهم البسيطة وتطلعاتهم المستقبلية،يحترم غيبياتهم الميتافيزيقية،يعمل على استفزاز الوعي وإثارة التساؤلات،يبدأ مسيرته بالشك،وينتهي برحلة طويلة ومجهولة إلى عالم المعرفة.
سرت قشعريرة في بدني برودة في الدم لزوجة في اليدين ،قلة في الهواء،صعوبة في التنفس ..انتابني شعور غريب اهتزت له ارجاء الأرض، تناهت اصوات إلى مسمعي ( قصائد للبيع ..نثرية تفعلية ...عمودي ... قصص قصيرة ... روايات بالتقسيط المريح ملاحم وأساطير بالتفصيخ ...يالله تعال تاريخ وحضارة للأيجار).
ابتلعت حزني كما يبتلع المساء شمس النهار،و أطلت التأمل في الأفق باحثا ًعن دمعة ٍ ضائعة وعن قلب ٍ أودعته يوماً ً في بقايا ذلك الوطن المتناثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا