الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خدمة الديون بين الاندماج و الخصوصية - الجزء الثالث

أشواق عباس

2005 / 5 / 20
الادارة و الاقتصاد


أسباب المديونية
تبدو الصورة واضحة في بداية السبعينات حينما بدأت جذور أزمة الكساد التضخمي في الدول الرأسمالية تفرز بشكل واضح ثمارها في مجال تباطؤ و تدهور معدلات النمو الاقتصادي ، وزيادة البطالة و ارتفاع معدلات التضخم ، و عجز في موازين المدفوعات . ثم يأتي انهيار النظام النقدي الدولي و تعويم العملات الأجنبية القوية و ما نتج عنه من اضطربا في الأسواق العالمية النقدية .
و أمام معاناة الأقطار العربية بحكم تبعيتها اضطرت و خاصة غير النفطية للاقتراض المستمر من المصادر الخارجية لتطوير خدماتها الأساسية ، و توفير الاستثمارات الضرورية لمشروعاتها الإنتاجية ، و تمويل ميزان حساباتها ، إلا أنها وجدت نفسها أمام مشكلة أصبحت اعقد جذورا و أصعب حلا ، و هي مشكلة المديونية (الديون الخارجية) المترتبة عليها و المتعاظمة باستمرار ، نتيجة ما يترتب من زيادات ضخمة على الدين الأصلي ، و الناجمة عن العجز عن السداد ، مما يجعل البلدان النامية غير قادرة على دفع و خدمة هذا الدين و فوائده و في اغلب الأحيان تقطع هذه الدول المدينة جزءا كبيرا من دخلها القومي و من ناتج هذا الدخل بالعملة الصعبة للوفاء بالتزاماتها تجاه الدول الدائنة ، لتخفف عن كاهلها عبء الفوائد لا أكثر طمعا بالحصول على قروض خارجية ، إلى أن باتت تراوح في مكانها ، و دخلت التنمية فيها حلقة مفرغة فهي تسدد الفوائد لتستقرض من جديد و هكذا .
و هنا سنقوم بتقسيم الأسباب إلى نوعين:
1 – أسباب داخلية مسؤولية المدينين .
2 – أسباب خارجية و مسؤولية الدائنين .
و قبل كل ما يمكن ذكره علينا أن نقر بحقيقة أن الاقتصاديات العربية كافة غنيها ووسطها و فقيرها ، هي اقتصاديات معتمدة اعتمادا كبيرا على الخارج ، و الذي يصل كثيرا إلى حد التابع للاقتصاديات المتقدمة .
أولا : الأسباب الداخلية و مسؤولية المدينين في تفاقم مشكلة المديونية :
لابد قبل التكلم عن هذه العوامل أن نقر بحقيقة أن التأثير القوي للعوامل الخارجية على مديونية العالم العربي يعود أساسا لوجود قوى و عوامل داخلية ساعدت بشكل أو بأخر في إقرار آثارها بشكل أكثر فاعلية و قوة . فمن البديهي أن تكون هناك علاقة مشتركة بين هذه الأخطار داخليا و تلك الأخطار خارجيا ، مما يعني أن المسؤولية ليست أحادية الجانب بل هي مسؤولية مشتركة لكلا الجانبين. و أهم هذه العوامل :
1- الأخذ بسياسات الإحلال محل الواردات و التوسع في عملية التراكم : و ذلك من خلال زيادة معدلات الاستثمار في قطاع السلع الاستهلاكية المعمرة بشكل خاص ، و هذا يتطلب استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج لهذا النوع من النمو التوسعي نتيجة لعجز دول العالم الثالث عن إنتاجها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الاستيراد ، و بالتالي تعاظم المديونية و بمعنى أكثر إيضاحا الاعتماد المتزايد على العالم الخارجي ، و العجز عن تعبئة الفائض الاقتصادي ، و الارتباط القوي و المباشر بين ما حدث من نمو في الديون الخارجية للبلدان النامية و بين التوسع الذي حدث في فجوة مواردها المحلية ، و هي الفجوة القائمة بين معدل الاستثمار القومي و معدل الادخار المحلي أو تلك التي تناظرها بين الواردات و الصادرات .
فأمام ظروف الإقراض الميسرة و انخفاض أسعار الفائدة في فترة السبعينات ، وجدت معظم البلدان العربية في الاقتراض الخارجي بديلا لجهود الادخار المحلي . فعلى سبيل المثال في عام 1992 بلغ ما أنفقته الدول العربية غير النفطية 28.5 مليار دولار ، في حين لم يتجاوز حجم مدخراتها المحلية و الوطنية نحو 5.8 مليار دولار . أي أن الادخار لم يغطي سوى 5.5% من الاستثمار ، و هنا إذن يتم اللجوء إلى التمويل الخارجي
إذن أساس المشكلة يكمن في عدم فاعلية السياسات المالية و الاقتصادية في توجيه الأموال نحو الاستثمار المنتج ، و ليس في ضعف المدخرات لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجزء الأكبر من القروض يتجه نحو شراء المعدات العسكرية و لتمويل مشاريع ضعيفة الإنتاجية .
أما فيما يتعلق بتزايد الفجوة في الموارد المحلية ، فسببه تزايد نسبة الاستهلاك المحلي قياسا بمعدلات التزايد للناتج المحلي نتيجة التزايد السكاني من جهة ، و التبذير في الإنفاق الحكومي بشكل مستمر في الدول العربية من جهة أخرى ، و لاسيما و أن الإنفاق العسكري يستنزف القدر الأعظم من العملات الصعبة ،و بالتالي تزايد الديون ، فالدول العربية تستدين لتمويل نفقاتها العسكرية .
2 – نمط التنمية الاقتصادية السائدة فيها : و الذي اتسم بالفشل و العجز ، فالتجارب التنموية في الأقطار العربية اعتبرت التنمية مرادف للوصول إلى مستويات المعيشة المرتفعة للدول الرأسمالية بغض النظر عن ظروف الدول العربية وواقعها، ووضع العملية التنموية فيها ، فانتهجت سياسات معينة لتوفير سلع استهلاكية زمنية يستهلكها فقط ذوي الدخول المرتفعة ، و عندما اصطدمت هذه السياسات بطرق مسدودة لجأت نحو الانفتاح في ظل واقع يتسم بعجز متزايد في موازين مدفوعاتها ، مما أثقل من الديون عليها عندها بدأت هذه السياسات بالتخبط فتارة لجأت إلى التكنولوجيا المستوردة على اعتبار أنها جاهزة للإنتاج مباشرة (إقامة المشاريع بطريقة المفتاح باليد ) ، متناسية أن ذلك يحتاج إلى خبرات هي حتما مستوردة أيضا ، أي أن ما ستخرجه سيعود بالديون المتزايدة ، و هذا طبعا دون مراعاة وضع البلاد الأمر الذي ساهم في تكريس التبعية ،و تارة أخرى قامت هذه لسياسات باعتصار القطاع الزراعي بسحب الفائض منه لوضعه في خدمة القطاعات الأخرى ، كل ذلك على حساب تطوره و حرمانه ، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تناقص حجم الفائض فيه ، مما اثر سلبا على الحجم المخصص للتصدير مما أسهم في زيادة العجز في ميزان المدفوعات ، بل أصبح استيراد المواد الغذائية يستنزف نسبة هامة و متزايدة عبر الزمن من العملات الأجنبية لاسيما أمام التزايد السكاني ، و ارتفاع الأسعار العالمية للأغذية ، اخذين بعين الاعتبار أن اغلب هذه المواد المستوردة أساسية ، أي لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها كالحبوب مثلا . الأمر الذي هدد الأمن الغذائي ، و قد حاولت بعض الدول المدينة معالجة هذا الوضع من خلال إنتاجها مثلا لنماذج التصنيع الإستراتيجية إلا أن ذلك شكل عبء على ميزان مدفوعاتها بسبب :
- استيرادها للسلع الوسيطة و قطع الغيار و براءات الاختراع .
- تخلف هذه الصناعات أمام التقدم التقني عالميا و بالتالي فشلها في أسواق المنافسة .
- تحولت هذه الصناعات إلى غطاء ترفي الأمر الذي خفض المدخرات ، أي أن فشل السياسات التنموية في الدول العربية كانت له أثارا وخيمة جدا على تفاقم أزمة مديونيتها .
3 – الفساد الإداري و تهريب رؤوس الأموال : فقد كشفت أزمة المديونية الخارجية على أن تطور هذه الأزمة كان مقترنا بوجود فساد إداري ضخم في أجهزة الدولة . الأمر الذي أدى إلى نهب جانب كبير من القروض الخارجية التي كانت تحصل عليها هذه الدول ليعاد تهريبه للخارج و إيداعه في حساب من استولوا عليه ، فقد قدر إجمال حجم الأموال التي يمتلكها مواطنو البلدان العربية ذات العجز المالي في الخارج بنحو 220 مليار دولار ، الأمر الذي أدى إلى إحداث ضغوط شديدة على موازين المدفوعات و قدرة هذه الدول على الوفاء بأعباء ديونها الخارجية .
ففي الوقت الذي من المفترض أن تتجه فيه القروض لخدمة العملية التنموية و زيادة المدخرات المحلية ، نجد أن النسبة الأكبر منها تعود على شكل تدفقات في رأس المال إلى الخارج ، و بالتالي فان القدرة على خدمة الدين تقل بشكل كبير بحيث يصبح من المتعذر إعادة الإيرادات المتحققة على الموجودات في الخارج .
4 – التدهور المستمر في قيمة عملات البلدان المدينة في مواجهة عملات البلدان الدائنة : الأمر الذي ساهم في زيادة القيمة النسبية لرقم المديونية من جهة ، و من جهة ثانية اضعف من حصيلة الصادرات للبلدان المدينة مما زاد في قيمة فاتورة الواردات الخاصة بها .
5 – التضخم المالي : فجميع الاقتصاديات العربية تعاني من ظاهرة التضخم ذات الخصوصية و التعقيد . فهو ناجم عن العوامل السابقة من جهة و كون هذه البلدان عاكسة لآلية التضخم الرأسمالي المعاصر من جهة ثانية . فهناك علاقة بين التضخم و تزايد الديون . فالتضخم يؤثر على ميزان المدفوعات لأنه يضعف القدرة التنافسية لصادرات الدولة في السوق العالمية ، فيشجع الاستيراد و يضغط على سعر الصرف للعملة المحلية ، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور و هروب الرساميل مما يؤدي إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات و بالتالي الاستدانة و الاقتراض . و حتى في الحالة المعاكسة أي اثر المديونية على التضخم ، فهي تعمل على إزكاء قوى التضخم ، فعندما يرتفع معدل خدمة الدين فان ذلك يؤثر على قدرة البلد المدين على الاستيراد ، و بالتالي الضغط على الواردات لاسيما أمام زيادة أعباء الدين ، و بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار عالميا الأمر الذي يؤدي إلى نقص العرض منها و بالتالي ارتفاع أسعارها محليا .
6 – غياب السياسات السليمة للاقتراض الخارجي : فعندما بدأت الدول العربية بعملية الاقتراض و الاستدانة لم تكن لديها رؤية صحيحة حول كيفية و آلية و حدود و مجالات الاستخدام السليمة و الرشيدة لهذه القروض ، و قدرتها التسديدية و الائتمانية . أي انه لم يكن لديها إستراتيجية سليمة للاقتراض الخارجي مما أدى إلى وقوعها في أخطار جسيمة و كبيرة ، ساهمت بشكل أساسي في تفاقم هذه الأزمة و تأزمها، و تتجلى هذه السياسة فيما يلي :
- لم تؤدي القروض إلى حدوث أي زيادة في الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي ، و ذلك بسبب اعتماد هذه الدول على تمويل وارداتها من السلع الاستهلاكية مما لم ينتج أي مورد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من اجل تسديد أعباء القروض .
- عدم وضع دراسة واضحة و دقيقة للفترة الزمنية للاقتراض،و التي يحتاج خلالها الاقتصاد القومي للتمويل ليبدأ بعدها بمرحلة النمو الذاتي ، أي لم تكن لدى تلك الدول المدينة أية رؤية حول تطوير قدرتها على النمو الذاتي ، فكان من ابرز ما نجم عن ذلك أن الأقطار العربية أفرطت في الاستدانة الأمر الذي ادخلها ضمن نطاق المرحلة الانفجارية .
- عدم مراعاة وجوب التزامن بين بدء التسديد للقروض و فوائدها ، و بين بدء فترة إنتاج الطاقات الإنتاجية الجديدة التي مولت بها هذه القروض ، فقواعد الاستدانة تقتضي بوجوب تساوي فترة السماح مع فترة بداية الإنتاج و بالتالي فان عدم مراعاة الدول العربية لهذه القاعدة أدى إلى وقوعها في أخطاء كبيرة ، و لاسيما أمام الحاجة لتدبير الفائض المطلوب لخدمة أعباء هذه القروض .
- عدم وجود هيئة أو جهاز مركزي في تلك الدول المدينة على المستوى القومي تكون مهمته مراجعة شروط القروض و ما قد ينجم عنها .
- من الأسباب التي زادت الأمر تعقيدا، الأخطاء التي ارتكبت في تقييم المشروعات ذات التمويل الأجنبي و لاسيما المقارنة بما تحصل عليه من امتيازات و العائد الذي يعود على المستوى القومي .
يتبع ...














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل


.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده




.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال


.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.




.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي