الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تخفيف اللحظة

حسين سليمان- هيوستن

2005 / 5 / 20
الادب والفن


العالم صامت يقف من دون زمان- فالزمان لا مكان له في اليوم الطويل الذي لا يتحرك.)
هناك فقط
تحريكٌ لعجلة شاحنة، العجلة تدور لا من أجل الحركة بل من أجل الصورة التي لا تبرحني. صورة ثابتة لزمان كامل يستلقي فوق الأرض كلها.
هذا خلق. وتكوين مختلف للأشياء الأولى. لكن هناك فتح عند عتبة مختفية لم أكن أراها. الشاحنة التي أمامي واقفة كلها على دولاب واحد له شق توأم حديد معه مخلفات وحل أحمر. أنتظر في السيارة شارة المرور كي تصبح مزدوجة تقابل الريح الذي يهوي عليها، وعلى حبالها الممتدة عرض الشارع، ومعلقة فوق وواقفة مثل الواقفين. رأسي الآن يريد أن يخرج من الصمت للبحث عن هواء يحرك الشارة. على يميني واحدة في سيارتها تعدل شعرها. هناك هبة هواء- تحرك شعرها وتحرك حبال الشارة- شارة مزدوجة (لي ولها). تعدل شعرها كل مرة. لا تنتهي المرأة وأنا أستدير نحوها فترمقني بابتسامة ثم ترى بأنني واحد مختلف عنهم. فتعيد حساب مشاعرها كي ينرسم في رأسها ال Stereotype فتتجهم. أهز كتفي: ليكن! فالأمر لا يهمني. نعم، أظن أنني سأخرج من السيارة وأقف قبالتها عاقدا ذراعين ليستا لي. ذراعا "بوفالو" مثلا. عاقد ذراعين على صدري فأقف أمامها ملمحا بأن الأمر كله لا يهمني. لم آت إلى هذه الدنيا وأقف عند الشارة كي أنظر نحوك حين ترفع يدك خصلة الشعر، كانت التفاتتي يا سيدة عفوية. كانت هجرتي أيضا عفوية. فتنفخ نفخة شقراء ترفع بها غرتها وتطير قليلا على جبهتها. تظن بأنها جميلة بهذه الحركة. لكن شعورا بالمقت من جمالها ومن المكان ومن الزمان راح يتغلغل داخلي. فرحت انفخ دخانا. يمكن أن أتبعها بالسيارة حين تتحول الشارة إلى خضراء وهناك زمامير كثيرة خلفها لكن لأن الدنيا واقفة لم أكن أسمع منها شيئا. فلوحت بيدها من النافذة كي اتبعها. اتبعها على مهل مثلا! مازلنا بالطبع واقفين. لا وقت للحركة. ولا صوت. يحاول السائقون كبس الزمور. يظهر أن هناك عطلا في الصوت. تعطيل الصوت جاء خيرا. زندها في تلويحة اتبعني من النافذة يطير مع شعرها. تفتح زجاج النافذة فأسمع موسيقى. كانت تضع أغنية الأمريكي الغاضب "وضعنا البوط في مؤخرتك" البوط الأمريكي ومطرب "الكونتري ميوزك" "تابي كيث" Toby Ketih يغنيها والذي يظهر دوما على خشبة المسرح وحوله بنات آوى وهن البنات اللواتي سبقن زمانهن وذهبن لتحريك الموسيقى يقفزن كي نرى الوشم على بطونهن. هناك حلقة في السرة أيضا. البوط على المسرح. يضرب الخشب. وطاقية "الكوبوي" البنية فيها لمحة من سواد "البوفالو" الذي جننهم قبل قرون وهم يركضون خلفه. يدقدقون الباب على الهنود الحمر: بالله عليكم علمونا وسائل صيد هذا الحيوان الثقيل. يخبط أقدامه... أقدامه ليست أقدما أفريقية بل هي أقدام آسيوية هاجرت تقطع المضيق من سيبريا الى كندا، "البوفالو"، وثلج صامت قديم يهبط على البراري المهجورة. كان الصوت والنداء من بخار. فمن الصعب القبض على سراب!
والآن ما العمل... المدينة بحالها واقفة. تنتظر شارة خضراء. المرأة تحسب حساباتها الثانية المختلفة. تنفخ خصلات كسلى الآن- المرأة السيارة نفسها لا تعرف كيف تهبط الخصلات عند عينيها فهي لن ترى تحويل الشارة فتنفخها كي تطير، السيارة. تدعس على البنزين وتشد وتر فخذها كي تمضي ثم توتر ساعدها وهي تحرك المقود. أراها تريد أن تمضي. ثم تنفخ مرة أخرى. صارت تقريبا عصبية. راحت تحرك أصابعها، واقفة، ثم تقرض شفتها السفلى. تقضم أظافرها. ثم ترفع عينيها نحوي. أنا بساعدين معقودين. لن أتحرك. مثل "بوفالو" في ساحة ثلج. لقد عبروا سيبيريا يحملون السحر الآسيوي. الهنود. فصنعوا السماء وركبوا تحتها أكواخ قصب Igloo. لا يهم. كل العالم في لحظة واحدة. وهي تظن نفسها نفاخة تنفخ هواء يرفع الشعر. "آ آ آ آ" صراخ "الآباتشي" في أذني. نزلوا يعمرون القارة السفلى. وقطار القطار في القرن التاسع عشر يحث خطاه كي يبحث عن آخر "الموهيكانس" The last of The Mohicans . العالم المضغوط في لحظة أمامي واقف عند أقدامي يريد شارة خضراء للفتح. تقف تقريبا عاجزة ولا حول لها ولا قوة. لأول مرة. فتغلق النافذة وتطير عني أغنية الأمريكي الغاضب وضربة البوط في المؤخرة صاحبها "الكوبوي" سمينا قليلا يلبس قميصه الأسود وصوته مثل دولاب الشاحنة حديدا حادا إع إع إع "العاء" حرف مبهم، مثل ناعورة، لايشبه حرف العين العربي. وضع ناعورة صغيرة مكان الحنجرة فصارت الأغنية مع المطر والشمس.... رقص... جيتار.... لكن معه أيضا كان "ويلي نيلسون" Willie Nelson مع أن شَعره مربوط على طريقة أهلنا الهنود. إلا أن... يمكن. فتمهلت. نظرتُ تحتي. كان العالم ضئيلا في نهاية القرن العشرين يتحضر للولوج في القرن الذي بعده. دخول في شرفة العرس*. وهناك بهجة. في ساحة العصر Time Square في سيبتمبر ينزلون على مهل الكرة على كهرباء عكسية كي تتهشم. كسرات المرايا تولد عند الصفر. "تين ناين أيت" ...عند الصفر. العد العكسي للمادة. اجمع العالم على شارة حمراء، وقوف فيه صمت مرتقب لتحويل المادة إلى حب لن يأتي. الكره في شوارع نيويورك. ترف الراية الحمراء يحركها هواء فيه غضب فيجب أن تنطفئ كي تتحول إلى خضراء في بوادي فسيحة كي تمشي المرأة مع سيارتها وهي تنفخ شعرها الأشقر المصبوغ يظهر في جذوره ربطة سوداء تبين أصله الآسيوي القاري البعيد- الهجرة الكلية كانت من آسيا- فيجب العروج إلى صالون تصفيف الشعر مع صباغ بثمن 9.991$ لكنها تقضم أظافرها من قلة الصبر. فتزمر بعصبية للشارة كي تتحول إلى حركة لكن لا مكان للحركة فعالمنا، الشارع، صامت في برجي المكان. وهي تنظر نحو البرجين ثم ترمقني. عيناها طاقة وقدرة غاضبة. فأقول لها يجب التخفيف. تخفيف اللحظة.
فلا تفهم. أنا أيضا لا أريد أن أجعلها تفهم. لماذا تخفيف اللحظة؟!
اللحظة كثيفة، دماؤها حمراء، فيها غضب. واقفة. يجب أن تكون اخف. مثل الماء. يجري. خضراء. أو أن تكون مثل الهواء من دون زمن.
وأن الزمن الواقف! كأن عصر الخلق الممتد هو يوم واحد شمسه لا تتحرك وسياراته لا تتحرك واقفة عند أغنية واحدة. الشارة التي أخذت زماننا كله كي تتحول... زمن... زمن هو زمن ينتظر التفريغ... ممتلئ نفرغه قليلا كي تفرغ منه الطاقة... القدرة والغضب.
كيف لي أن أحرك الزمن... زمن الشارة؟!
إن تستدر المرأة، مرة أخرى نحوي، مثل المرة الأولى وتبتسم، حتى لو أدركتُ أنها ليست منا- والشارة حمراء وفي الشارع انتظار ونوافذ مفتوحة على أغان أمريكية ولاتينية... والسيارات مشغولة تنتظر الثواني القادمة كي تنطلق إلى شارع آخر، إن تستدر نحوي وتبتسم، فسأرجع لها ابتسامة وأقول، يجب تخفيف اللحظة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??