الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى المعادلة السياسية المصرية ، الدم يساوى ماذا؟

أحمد محمد أنور

2013 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


فى المعادلة السياسية المصرية .. الدمُ يُساوى ماذا ؟
أحمد محمد أنور
لن أكتب كثيراً هذه المرة ولن أطيلَ عليكم ، فالكلمات تتبدى لى بلا تأثير أو معنى ، ولكنى سأكتب لأن يراعتى ثكلى ، ومشاعرى ظمأى ، سأكتب بوحى من الحجا رغم حيرته وثورته ، سأكتب لأتنكر لهذا المُناخ الفاسد المُخضب بالدماء ، وسط دموع البكائين وحيرة الجاهلين وتصفيق المتاجرين ، إن نزولى ونزول جماهير الشعب المصرى البسيط للميادين يوم 30 يونيو السابق كان غضباً جارفاً ضد حكم مرسى وجماعة الاخوان ، غضب من سوء الأحوال الاقتصادية ، وتدنى معيشة المصريين ، وغلاء الأسعار ، وتصاعد الأزمات ، والادارة الضعيفة للدولة المصرية سواء مؤسسة الرئاسة أو الحكومة برئاسة هشام قنديل ، والتعامل شديد السوء مع قضايا الأمن القومى المصرى سواء فى سيناء أو فى منابع النيل ، واستمرار الهيمنة الأمريكية على مصر ، وتضخم أوداج الجماعة بما دفعها لإقصاء كل أطياف المجتمع بما قرره الواقع، نزولى مع الناس فى هذا اليوم ، لم يكن يعنى باى حال من الأحوال تحالفاً مع نظام مبارك الفاسد ، أو استدعاءً لتدخل الجيش بشكل سافر فى الحياة السياسية ، أو تصالحاً مع القتلة من جهاز الشرطة ، أو تفويضا للجيش أو الشرطة أو كائناً من كان ، لإستباحة دماء المخالفين، كان نزول الناس لأجل غاية واضحة جلية هى تحرير الارادة المصرية من كل استبداد دينى أو عسكرى، تحرير الارادة المصرية من القمع والاقصاء والتكفير ، تحرير الارادة المصرية من المسلك الخاطىء التى حُوصرت فيه بالتبعية التامة للولايات المتحدة والصهيونية العالمية ، ولم يكن استدعاء الشعب لقواتِه المسلحة، حين شعر بخطر الانقسام والتمزق الذى دبَ فى أوصال المجتمع المصرى كله، وغياب الدولة المصرية وقرب اضطمحلالها وترهل مؤسساتها وانتشار الفوضى وخرق القوانين، الا جنوحاً فطرياً لديه بإتجاه المدرسة الوطنية المصرية هروباً من فصيل غير مأمون التوجه.
فى 14 نوفمبر الأسود تغيرت أشياء ، لم يكن الظلم جديداً لنبكى حالنا الآن ، كما لم تكن أول تجاربنا مع دماء أبنائنا ، فقد رأينا دماءَهم الزكية فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد والعباسية ، كان القتلُ واحداً ، وكان الألمُ واحداً ، وكان الدمُ واحداً ، رغم تصفيق البعض فى كل مرة ، لكن فى هذه المرة ، كان 14 نوفمبر ، اعداماً جماعياً لأناسٍ لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ، لكنهم مثلُنا يتنفسون ويشعرون ويُخطئون ويُصيبون ، فى هذه المرة كانت الجُرعة من الألم جدُ كبيرة ، فكان الحزنُ أكثرَ رسوخاً فى النفسِ ، فى هذه المرة فقدنا الكثير ، فى هذه المرة كان التصفيقُ عالياً ، فى هذه المرة كانت الخسائر كبيرةً ، فادحةً ، تتجاوزُ إلى الضميرِ الوطنى للمصريين ، الذين ابتُلوا بمَن أَجَجَ فُرقتَهُم وأَلَبَ بعضَهم على بعضٍ ، عبرَ عقود طويلة من حكم أنظمة لا تنتمى لهذا الشعب ، فى هذه المرة تاهت الثورة وسط عُباب التصفيق فلم نجد لها صدى ، والآن أدركُ جيداً أن جانباً عظيماً من الثورة قد انتهى وأفلس ، فقط حين غَضَت كثيرُ من قوى الثورة الطرفَ عن سفك الدم المصرى لخصومهم السياسيين بهذه الوحشية فى رابعة والنهضة ، كان ذلك إيذاناً بعودة دولة القمع والاستبداد دون أن يكون للثورة أى حضور ..واليوم اذ يسعى بعضُ الشباب للبدء من جديد وكأننا ما لبثنا أن خرجنا من يوم التنحى العظيم 11فبراير 2011 ، الكل على قلب رجل واحد تحت شعار واحد ( لا وطنى ولا عسكر ولا اخوان )، لكن يا تُرى هل لا يزال الأمرُ ممكناً ؟.
كان بلا غرو أمراً كارثياً أن تُزهق أرواح المئات من المصريين ، بنيران الشرطة المصرية فضلاً عن الجيش المنوط به حماية مصر وأهلها وأمنها فى كل وقت وكل مكان وضد كل عدو ، يبدو أننا غارقون فى الوحل ، المشهد بحق غامض ، ولا يصح معه تخمينات ولا تحليلات ، تماماً مثلما أنه لا يصح معه تحقيق أى مكسب سياسى رخيص - لأى طرفٍ مهما كان - على حساب الدم المصرى المُستباح بأيد مصرية ، انها تراجيديا اليوم وحصاد الماضى المُثخن بالظلم والقهر والاستبداد ، بكل ما أفرزه ذلك من انحطاط أخلاقى وتخلف دينى واستبداد ثيوقراطى ، ومجتمع يحمل فوق كاهله تراث حضارى هو الأعرق لكنه تائه لايزال أسير البحث عن هُويته ، لن أُطيل لأن فى القلب وجع وفى الحلق غُصة ، فمن يتدثرون بطهارة الاسلام اليوم هم من دفع بشباب مصر لهاوية الاقتتال من أجل حفنة من المكاسب الدُنيوية الزائلة ، هم من لوثوا عباءة الاسلام ، وانتهكوا حُرُماته ، ونكسوا راياته ، وأشاعوا الفتنة ، وأججوا الفُرقة ، وأفشوا الطائفية ، هم أول من جعلوا الانسان - بنيان الله المُكرم - وقوداً يحترق ليضمن بقاءهم ، وانزلاق الجيش - والشرطة - لهذه الهاوية السحيقة ، وتدنيسه لشرفه العسكرى باستباحة الدم المصرى - تماما مثل ماسبيرو ومجلس الوزراء وبورسعيد - أوصلنى الى حقيقة خطيرة لم تكن يوماً غائبة عنى بقدر ما أضحت اليوم ناصعة جلية ، مؤداها أن كل من يُناور على الساحة السياسية - أفراداً ومؤسسات وأحزاب وجماعات ومنابر وخلافه - كُلهم بلا استثناء ، يتحركون بدافع لا شأن له بالاسلام أو الوطنية المصرية ..
فى هذه المرة انكسرت أشياء بداخلنا ، وسُلب من قِيَمِنا الكثيرُ ، وقليلُ مَن يدركُ أو يلتفتُ، وبتُ أسائلُ نفسى ليل نهار، ما ثمنُ هذا الدم المراق فى بلادنا الطيبة ! ، وما طعمُ المستقبل الذى ننتظره حين نتخلى عن أسمى ما فينا وهى انسانيتنا!، لم تكن أبداً رؤية رومانسية حالمة بقدر ما كانت تعبير عن سؤالٍ يصرخُ فى أعماقى ، فى المعادلة السياسية المصرية ، الدمُ يساوى ماذا ؟، فعلى ضوء إجابة هذا السؤال سوف نُعرى أنفسنا ونكشفُ زيفَ منطقنا ، ونتخيرُ الدربَ الذى نسلُكُه ، هل نستعيدُ كرامتَنا داخل بلادنا ونحررُ عقولَنا ونسمو بإنسانيتنا ، أم نمضى فى أزقةِ الخرابِ التى نسلُكُها الى النهاية .. لنصلَ الى الخلاص فوق رقاب الكثير!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات التهدئة في غزة.. النازحون يتطلعون إلى وقف قريب لإطلا


.. موجة «كوليرا» جديدة تتفشى في المحافظات اليمنية| #مراسلو_سكاي




.. ما تداعيات لقاء بلينكن وإسحاق هرتسوغ في إسرائيل؟


.. فك شيفرة لعنة الفراعنة.. زاهي حواس يناقش الأسباب في -صباح ال




.. صباح العربية | زاهي حواس يرد على شائعات لعنة الفراعنة وسر وف