الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع المصري وموقف القوى الديمقراطية المغربية

محمود بلحاج

2013 / 9 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الوضع المصري وموقف القوى الديمقراطية المغربية

تقديم:

بداية نود التأكيد على أمرين أساسيين: الأمر الأول هو رفضنا لكل أشكال العنف والقمع الذي يتعرض له الشعب المصري بصرف النظر عن انتماءاته السياسية والدينية والطائفية، وبالتالي إدانتنا واستنكارنا للمجازر البشعة التي ارتكبتها( ومازال ترتكبها) العناصر الأمنية (= الشرطة والجيش) والجماعات الإسلامية على حد سواء . ومن جهة أخرى، نرفض تدخل الجيش في العمل السياسي، تماما كما نرفض العمل السياسي الديني؛ أي استعمال الدين في السياسية، وبالتالي إخضاع واحتجاز إرادة الشعب المصري في الانعتاق والتحرر باسم الشرعية الدينية تارة، وباسم الشرعية الديمقراطية تارة أخرى. ونشير في هذا السياق إلى أن جماعات الإسلام السياسي عادة ما تحصر الديمقراطية في العملية الانتخابية فقط ولا يتجاوز تعريفها هذا الحد الضيق ، وبالتالي فإنها تتعامل معها؛ أي مع الديمقراطية، بالمنطق الميكيافلي. ومن هنا فالديمقراطية في نظر جماعات الإسلام السياسي، وبشكل عام، ما هي إلا وسيلة للوصول إلى الحكم بعد أن فشلت في تحقيق ذلك عن طريق العنف والعمليات " الجهادية" الإرهابية مند عقود طويلة، بينما أن الديمقراطية في مفهومها الواسع، والحديث، هي مجموعة من القيم الفكرية والأخلاقية كما هي سائدة الآن في المجتمعات الغربية الديمقراطية . الأمر الثاني هو أننا سنحاول في هذه المقالة المتواضعة رصد موقف القوى الديمقراطية المغربية من الأحداث الجارية بمصر، نظرا لأهمية هذا الموقف على مستقبل هذه القوى المحاصرة إعلاميا، قانونيا واجتماعيا.

علاوة على هذا سنحاول أيضا المساهمة في نشر وكتابة التاريخ الموضوعي للأحداث الجارية حولنا ، خاصة حول ما يحدث من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومصادرة الحق في التعبير والاحتجاج باسم الشرعية الدستورية/ الانتخابية وامتلاك الحقيقة المطلقة. أضف إلى ذلك طبيعة ونوعية الصراع الدائر الآن في مصر، ومدى تأثيره على مستقبل الربيع الديمقراطي، أو ما يسمى بالربيع العربي، الذي ما هو " إلا عودة الشعب/ الشعوب إلى السياسية بعد غيابه الطويل " حسب المكفر السوري صادق جلال العظم، وهو الأمر الذي يستدعى منا توضيح بعض الأمور المتعلقة بهذا الصراع، الذي هو في العمق صراع حول هوية مصر ما بعد محمد حسنى مبارك وليس صراعا حول من يحكم مصر كما يعتقد البعض، حيث من الأخطاء الشائعة جدا في كتابات الإسلاميين ومسانديهم ( قناة الجزيرة مثلا)، ومعهم بعض القوى الديمقراطية أيضا هو الحديث عن رفض المعارضة المصرية لحكم الإسلاميين ، بينما أن الصراع في جوهره يتمحور حول هوية الدولة المصرية بعد رحيل مبارك، أو بصيغة أخرى الصراع يتعلق بالدستور ولا يتعلق بالجهة التي ستقود البلاد، والفرق بين هذين الأمرين شاسع جدا، ففي حالة وجود، على سبيل المثال، دستور مدني ديمقراطي يحترم الجميع، ويساوي بين المواطنين على أساس المواطنة وليس الدين والعرق والانتماء السياسي والمذهبي، دستور يجعل رئيس الدولة في خدمة الشعب وليس العكس ( الشعب في خدمة الرئيس) ، قلنا، في حالة وجود هكذا دستور سيكون موضوع الجهة التي ستقود البلاد لا يهم كثيرا ، ولا معنى له أطلاقا، بحيث أن حقوق المواطنين ستكون مضمونة ومحترمة.

أما بخصوص موضوع الربيع الديمقراطي فمن الضروري، والمفيد، الإشارة هنا إلى أن بعض الأنظمة الإقليمية تحاول جاهدة، وبكل الوسائل، موت/ وقف الربيع الديمقراطي الجذري لشعورها بالخطر على مستقبلها السياسي والاقتصادي والعائلي( السعودية، البحرين، الكويت، الإمارات، الأردن، المغرب..) ، بينما تريد أنظمة إقليمية ودولية أخرى تحويله(=الربيع الديمقراطي) إلى ربيع ديني وطائفي (إخواني/ سنوي تحديدا) من أجل الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة( أمريكا ، تركيا، قطر، إسرائيل ..)، لكونه سيشكل تهديدا حقيقيا لمصالحها الإستراتيجية في الشرف الأوسط وشمال أفريقيا في حالة وصول البلدان التي عرفت الثورة، وخاصة مصر( نظرا لثقلها التاريخي والبشري والعسكري ..)، إلى بناء أنظمة وطنية ديمقراطية ثورية، بحيث تستطيع اتخاذ القرار الوطني وحماية مصالح شعوبها، فماذا سيكون مصير مشروع "الخلافة الإسلامية " الذي تطمح إليه تركيا وقطر مثلا في حالة وجود نظام وطني ديمقراطي ثوري بمصر؟ ونفس الشيء بالنسبة لمشروع الشرق الأوسط الكبير !!.

موقف القوى الديمقراطية المغربية بين الانحياز والخجل:

من الملاحظ أن معظم المقالات التي أصدرها الكتاب والفاعلون الديمقراطيون المغاربة في الداخل والخارج، لم تتطرق، مع الأسف، إلى الخلفيات الموضوعية لاندلاع الأحداث الدموية التي نشاهدها الآن في مصر عبر مختلف القنوات الفضائية، فمعظمها تعالج / تناقش ما حدث بعد يوم 30 يونيو المنصرم، وبالتالي فإنها لم تعالج، وبشكل موضوعي، الأسباب الموضوعية التي أدت إلى حدوث ما حدث من جهة، وانحياز الجيش المصري وجميع مؤسسات الدولة المصرية ( المؤسسات الدينية والقضائية والحقوقية والإعلامية...) إلى صف المعارضة والمطالبين بتنحي وعزل ذ. محمد مرسي وتنظيم انتخابات مبكرة، وبالتالي دخول الجيش على خط المواجهة والصراع السياسي والاجتماعي من جهة أخرى، وهو الصراع الذي بدء مع أول اجتماعات اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ، التي انسحب منها الأقباط، و القوى اليسارية واللبرالية احتجاجا على كيفية اشتغالها أولا، وحول تشكيلتها ثانيا. وبعدها يأتي قرار عزل النائب العام عبد المجيد محمود من طرف رئيس الدولة آنذاك(= محمد مرسي) رغم أن القانون يقضي بعدم قابليته للعزل وهو ما يعتبر خرقا سافرا للقانون من قبل الرئيس المنتخب، هذا مع إضافة قرار توقيف مئات من القضاة والإعلان الدستوري الذي يؤسس لحصانة الرئيس حيث تجعله فوق المساءلة والمحاسبة أمام القضاء أو البرلمان، مرورا بتمرير الدستور والتصويت عليه وأحداث أخرى لا تقل أهمية عن التي ذكرناها، لكننا لا نستطيع تناولها جميعا لضيق المجال.

ولهذا، فهي مقالات، وبشكل إجمالي، تفتقر إلى الحد الأدنى من التحليل المنطقي والبناء الموضوعي للمواقف المعبرة عنها. وهي مواقف منحازة في غالبيتها العظمى، وبشكل واضح لرواية وحكاية الإخوان لما جرى ويجري الآن في مصر. هذا في الوقت الذي يحاول فيه الإخوان بكل الوسائل المتاحة لديهم الظهور بمظهر الضحية والمستهدفين من قبل القوى المعادية والمناهضة للإسلام، ومن ثم محاولة حصرهم للخلاف/ الصراع بين الإسلام والعلمانية ( المسلمين والعلمانيين)، حيث اعتبرت بعض قيادات الأخوان أن المظاهرات التي عرفتها مدن وقرى مصر يوم 30 يونيو الماضي هي حربا على الإسلام.والخلاصة النهائية لهذه الرواية( = رواية الإخوان) هي أن القوى المعارضة لسياسة وتوجهات حكومة ذ. مرسي " تناهض " الإسلام، ولا تناهض البرامج والتوجهات السياسية والقانونية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية للحكومة التي كان يتزعمها ذ. مرسي، وهي السياسة التي يحاولون من خلالها التمكن من مؤسسات الدولة وأجهزتها في أفق أخونتها ، وتطبيق بعد ذلك مشروعهم القديم / الجديد المتمثل في تأسيس دولة الخلافة، حيث سبق لمرشد الجماعة أن عبر في وقت سابق عن نيتهم استعادة نظام الخلافة البائد. طبعا، هذه الرواية لا تخلو من التضليل والكذب إذا ما وضعنا الأمور في نصابها الطبيعي وتعاملنا معها بشكل منطقي وموضوعي. وبهذا، فإنهم يحاولون تبرير مسؤوليتهم التاريخية مما يحدث من العنف والفوضى مند وصول حزب الحرية والعدالة للحكم( الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين). هذا إلى جانب محاولة ظهورهم بمظهر المدافعين عن الديمقراطية من خلال تشبثهم بنتائج صناديق الاقتراع.

يكفي التمعن قليلا في كيفية تعامل حكومة الإسلاميين مع نداءات القوى السياسية والمدنية والحقوقية بمصر من أجل احترام حقوق الإنسان ( نداء منظمة العفو الدولية مثلا) ، ووضع دستور ديمقراطي يمثل جميع المصريات والمصريين على تعدد واختلاف دياناتهم وأجناسهم، لمعرفة مسؤولية ذ. مرسي وحكومته فيما يحدث الآن من الفوضى والقتل، ولمعرفة أيضا الأهداف الإستراتيجية التي كانوا ؛ أي الإخوان وحلفائهم من الإسلاميين وبعض الأنظمة الإقليمية والدولية، يسعون إليها، ومنها أخونة مصر ، وليس أسلمتها كما يقول بعض الديمقراطيين المغاربة. وبهذا الموقف، يساهم الديمقراطيون المغاربة من حيث يدرون أو لا يدرون في تشويه الحقائق الموضوعية للصراع الدائر الآن بمصر بين التيار الاستبدادي والفاشي (بقيادة جماعة الإخوان المسلمين) الساعي إلى تأسيس دولة الابرتايد القائمة على أساس الدين والطائفية( الإسلام/ السنة) ، وبين التيار الديمقراطي الحداثي( الليبرالي والعلماني) الساعي إلى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتسع لجميع المصريين والمصريات، دولة القانون والمواطنة.*

والأخطر من هذا هو أن معظم كتابات الديمقراطيين المغاربة حول الشأن المصري الراهن تساهم في تمييع الجوهر الديمقراطي والثوري لحركة 30 يونيو الاحتجاجية التي قادتها حركة " تمرد " الشبابية،و التي تشكل امتدادا طبيعيا وموضوعيا لثورة 25 يناير 2011 التي أسقطت الدكتاتور محمد حسنى مبارك، خاصة عندما اعتبرت أن أحداث 30 يونيو انقلابا عسكريا، وهو الأمر الذي يخالف الوقائع الموضوعية على الأرض. فالجميع يعلم أن ما حدث يوم 30 يونيو كان احتجاجا شعبيا حيث خرج ملايين المصرين ( بعض النظر عن العدد ) بمختلف عقائدهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية( مسلمون، مسيحيون، ملحدون، علمانيون، لبراليون، ..)، والجنسية كذلك ( أطفال، شيوخ، شباب، نساء ورجال..الخ) إلى الشارع ضد حكومة ذ. محمد مرسي، وهو الاحتجاج الذي ساندته مؤسسات الدولة المصرية برمتها، بما فيها مؤسسة الجيش ، وبالتالي فإن الجيش لم يقم بانقلاب عسكري كما هو متعارف عليه في القاموس السياسي، وفي باقي التجارب الانقلابية المعروفة في تاريخ البشرية كذلك، وإنما قام بالتدخل إلى جانب الشعب المصري، وبالتالي من الأهمية جدا تسجيل هذا الفرق الجوهري بين مفهوم الانقلاب العسكري والتدخل العسكري إلى جانب الشعب. ومن الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح على كل باحث نزيه وموضوعي هو السؤال التالي: هل كان الجيش سيتدخل لو لم تكن هناك احتجاجات 30 يونيو؟ وهل كان سيحترم من طرف أغلبية الشعب المصري؟ نشير هنا أن نسبة 82% من الشعب المصري يساند/ يوافق تدخل الجيش وفق استطلاع للرأي أجراه مركز ابن خلدون بالقاهرة.

علاوة على هذا يقدم الديمقراطيين المغاربة خدمة تاريخية، ومجانية، للإسلاميين وذلك من خلال انحيازهم إلى التعريف الذي يقدمونه(= الإسلاميون) لمفهوم الديمقراطية، حيث يساهمون من خلال انحيازهم هذا في تشويه صورة ومفهوم الديمقراطية أمام الرأي العام، وذلك من خلال العمل على اختزاله؛ أي اختزال مفهوم الديمقراطية في العملية الانتخابية التي هي آلية من آليات الديمقراطية فقط وليست هي الديمقراطية بمفهومها الشامل والعام. كما نلاحظ كذلك أن معظم كتابات الديمقراطيين المغاربة ترتكز في معظمها على مسألة الشرعية الانتخابية فقط، متغاضين بذلك على مسألتين جوهريتين في الموضوع، الأولى هي أن الديمقراطية أولا هي فكر/ ثقافة وسلوك، وثانيا هي طريقة ومنهج في الحياة الخاصة والعامة، وليست مجرد صناديق الاقتراع. والمسألة الثانية هي موقع الأقليات في ظل حكم الأغلبية الانتخابية، أو بصيغة أدق: متى كانت الشرعية الانتخابية ضد حق الأقلية الانتخابية أولا، وضد حق الأقليات الدينية والطائفية والعرقية ثانيا؟ أليس التشبث بمبدأ وفكرة الشرعية شكلا من أشكال القمع والاضطهاد، علما أننا نتحدث عن الأغلبية الانتخابية فقط دون تناول حجم هذه الأغلبية التي هي ضئيلة ونسبية في حالة الانتخابات المصرية السابقة( فارق الأصوات بين ذ. مرسي ومنافسيه محمد شفيق لم يتجاوز ثمانمائة الف صوت ؟ وإذا كانت الشرعية الانتخابية تعطي الحق للأغلبية الانتخابية في الحكم وإدارة البلاد لفترة زمنية معينة وعبر مشاركة جميع الأطراف السياسية ( الحكومة والمعارضة على حد سواء) والمؤسسات الأخرى( النقابات مثلا) ، فهل يحق لها - ديمقراطيا – أيضا العبث بمستقبل البلد والمواطنين من خلال قمع حريتهم وسلب إرادتهم في الحرية والكرامة؟ إذا اخترنا الإجابة بنعم كما يقول الإخوان المسلمين، وباقي الإسلاميون، فآنذاك سيكون الأمر صعب وشائك للغاية، لعدة أسباب، تبدو لنا منطقية وموضوعية، أبرزها عدم شرعية ثورة 25 يناير، وهو الأمر الذي يعني أوتوماتيكيا عدم شرعية حكم ذ. محمد مرسي.

حكم الإسلاميين وإشكالية الشرعية:

يعلم الجميع أن ثورة 25 يناير 2011 كانت ضد نظام محمد حسنى مبارك، والجميع يعلم أيضا أن الرجل (= مبارك) لم يغتصب السلطة من أحد؛ أي أنه لم يأتي إلى الحكم عبر انقلاب عسكري وإنما جاء إليه بشكل قانوني/ دستوري وسلمي كما هو معروف ومعلوم لدى الجميع، لكونه كان نائبا لرئيس الجمهورية حينما تم اغتيال السادات، كما يعلم الجميع أيضا انه كان يحكم بالدستور ( دستور 1971). ويعلم الجميع كذلك أنه في عهد مبارك كانت تجري انتخابات نزيهة وديمقراطية حسب تصوره ومسانديه من القوى السياسية والمدنية والإعلامية والفكرية، وبالتالي فمبارك كان يضع سياساته انطلاقا من مسألتين أساسيتين، تماما كما يفعل الإسلاميون/ الإخوان الآن، النقطة الأولى هي الدستور، والثانية هي الشرعية الديمقراطية (= الشرعية الانتخابية) وبالتالي فإن الشعب المصري هو من اختار الديكتاتورية وليس مبارك !. فهل يمكن القبول بهذا المنطق والتحليل أم أن المنطق السائد لدى الإخوان هو المنطق القائل حرام عليكم وحلال علينا ؟

أكيد، سيعترض علينا البعض بالقول: أن الدستور الذي كان يحكم من خلاله مبارك غير ديمقراطي، وأن الانتخابات التي كان ينظمها كانت صورية فقط، وبالتالي فهي غير نزيهة وديمقراطية، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد فقط، بل سيقودنا للحديث عن نزاهة الانتخابات التي أدت بالإخوان إلى الحكم، وهو الحديث الذي يقودنا إلى طرح السؤال التالي : هل كانت الانتخابات التي أدت بالإخوان المسلمين إلى الحكم نزيهة وديمقراطية مائة في المائة ؟ الجواب على هذا السؤال سيكون قطعا بالنفي ؛ أي أنها لم تكون نزيهة وديمقراطية كما يشاع في الإعلام الإخواني ومسانديه( قناة الجزيرة مثلا)، ربما هي بالفعل انتخابات نزيهة وديمقراطية مقارنة مع الانتخابات التي كان يجريها مبارك لكنها لم تكون نزيهة وديمقراطية بالمطلق وفق العديد من التقارير والمقالات التي كتبت في هذا الصدد( انظر مثلا تقرير الحزب الشيوعي المصري والحزب الاشتراكي بهذا الشأن وكتابات العديد من الكتاب والمفكرين والكتاب المصريين، منهم كتابات الدكتورة نوال السعداوي، محمود سيد القمني، رفعت السيد، فؤاد قنديل، هشام حتاته وفاطمة باغوت، حسام الحداد وغيرهم..)، وبالتالي فالسؤال المطروح هنا هو : كيف سنتعامل مع هذا الوضع/ الإشكالية؟

نعتقد، وبتواضع شديد، أن الأمر لا يتعلق - أساسا - بمسألة الانتخابات: هل هي نزيهة أم لا؟ وإنما يتعلق الأمر بغياب الثقافة الديمقراطية، وبالتالي عدم تجدرها في الفكر السياسي والشعبي بمصر وفي عموم البلدان الإسلامية، ومن هنا فإن الوعي الديمقراطي ليس جزاءا من السلوك السياسي لدى النخبة السياسية والثقافية في البلدان الإسلامية مع بعض الاستثناءات القليلة جدا ( في تركيا مثلا) . ففي الغرب الديمقراطي، على سبيل المثال، لا نجد إطلاقا اعتراضات حول نزاهة الانتخابات عندما يفشل المرء/ المرشح في الحصول على نتائج ايجابية في العملية الانتخابية كشكل من أشكال الديمقراطية، وذلك لكون، وبكل بساطة، أن الثقافة الديمقراطية في الغرب متغلغلة في الفكر الفردي والجماعي للمواطنين، وفي سلوك نخبته الثقافية،و السياسية، والدينية، والرياضية، والتعليمية،و الأمنية، والإعلامية وغيرها.

فعلى سبيل المثال، عندما يفشل رئيس/ زعيم حزب ما في تحقيق نتائج معينة ومحددة قبل إجراء الانتخابات يستقيل مباشرة بعد انتهاء العملية الانتخابات في حالة عدم تحقيقه للوعود التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية. ونفس الشيء بالنسبة للرياضة أيضا، فمدرب هولندا لكرة القدم أو أي مدرب غربي آخر ، إذا وعد الشعب الهولندي بصعود المنتخب الهولندي إلى نهائيات كأس العالم مثلا، ولم يستطيع تحقيق وعده هذا سيستقيل فورا من منصبه دون احتجاجات ولا هم يحزنون، ويفسح، بالتالي، المجال للآخرين، أما نحن فيختلف الأمر عدنا تماما، فالمغاربة، على سبيل المثال، يحتاجون إلى ثورة خاصة ( خروج 20 أو 30 مليون) من أجل استقالة رشيد الطاوسي فقط ( مدرب الفريق الوطني)، الذي لم يريد الاستقالة رغم فشله الذريع والمتكرر في قيادة الفريق الوطني، أما إذا أردنا استقالة رئيس الجامعة المغربية للكرة القدم فعلى المغاربة أن يقدموا أضعاف مضاعفة من الشهداء الذين سقطوا في ميدان النهضة ورابعة العدوية، وهكذا دواليك.

على أية حال، لا ندري كيف انساق بعض الديمقراطيين المغاربة وراء التحليل الإخواني لما حدث ما بعد يوم 30 يونيو، وبالتالي اعتبارهم ما حدث في هذا اليوم التاريخي بالنسبة للشعب المصري عموما، و للقوى الديمقراطية بالذات، انقلابا عسكريا ؟ كما لا ندري كيف يرددون نفس النغمة التي يرددها حزب الإخوان( = حزب الحرية والعدالة) وفروعه في باقي دول العالم، الذي يحاول أن يقدم نفسه كضحية وليس كطرف أساسي في تأزم الأوضاع العامة للبلاد/ مصر؟ بل هناك من الديمقراطيين المغاربة من يتحدث عن الشرعية الانتخابية أكثر مما يتحدث عنها الإسلاميون أنفسهم نتيجة شعورهم - ربما - بالإحراج والضيق لكون أن الرئيس المخلوع تم انتخابه بشكل " ديمقراطي" كما يقول الإخوان ومسانديهم، وبالتالي فهم خائفون، على ما نعتقد، من مواجهة الآخر ، وربما لأسباب أخرى لا نعرفها الآن.

صحيح أن الرئيس المخلوع ذ. محمد مرسي تم اختياره عن طريق الانتخابات، هذا ما لا جدال فيه مبدئيا ، وإذا اعتبرنا – تجاوزا- أن الانتخابات التي أدت به(= محمد مرسي) إلى الحكم كانت بالفعل نزيهة وديمقراطية كما يقول الإسلاميون ، فلا يمكن في جميع الأحوال التحكم بمصير الشعب باسم الشرعية الانتخابية ونتائج الصناديق في ظل غياب دستور ديمقراطي علماني يضمن حقوق الجميع دون تمييز، وفي ظل غياب الثقافة الديمقراطية داخل المؤسسات و المجتمع المصري من جهة أخرى، وبالتالي لا يمكن اختزال الديمقراطية في العملية الانتخابية.
ومن هنا نرى أن انسياق بعض الديمقراطيين المغاربة وراء التعريف الذي يقدمه الإخوان، والإسلاميين عامة، لمفهوم الديمقراطية يعتبر في تقديرنا من أعظم الأخطاء التي تم ارتكابها من قبل القوى الديمقراطية والعلمانية بالمغرب.

محمود بلحاج/ لاهاي- هولندا
للتواصل: [email protected]
* راجع مثلا التقارير الحقوقية ومنها، على سبيل المثال، تقارير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولة والاتحاد المصري للنقابات المستقلة، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والبيان المشترك للمنظمات الحقوقية المصرية( 21 منظمة) والحزب الشيوعي المصري وغيرها من التقارير والمقالات التحليلية لكتاب وصحفيين مصرين مثل مقالات الدكتورة نوال السعداوي، ورفعت السيد ومحمود سيد القمني وغيرهم كثيرون..).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا