الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترياق في العراق

رشيد كرمه

2005 / 5 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يبدو ان مهمة الغالبية العظمى ممن كان ضمن التيار المعارض للدكتاتورية البعثية بات ومنذ الإطاحة بالصنم في 9 نيسان يتنازل رويدا ً رويدا عن الثوابت التي كان يتمسك بها ويقيم علاقاته على ضوءها بل ويعمل, من أجلها ولغرض الإلمام بالموضوع كاملا ً. سيما ونحن أمام قراء جدد يقدر عددهم بالملايين سواء كانوا داخل العراق وخارجه ممن كانوا بمعزل ٍ عن الرأي الآخر المعارض للدكتاتورية البعثية وقائدها وبالتالي فهم لم يتعرفوا ولم يألفوا الكثير من الأحزاب رغم ان البعض قد جاوز في العمر عتيا لذا لابد أن نذكر ان المعارضة العراقية للنظام الصدامي تألفت وباختصار ٍ شديد من تيارات ثلاث : التيار القومي بشقيه العربي والكردي , والتيار الديني _ الاسلامي _ , والتيار الديمقراطي الذي يضم في صفوفه تنظيمات ديمقراطية و يسارية كالحزب الشيوعي العراقي والحركة الآشورية الديمقراطية .
أما التيار القومي العربي فقد تلاشى كليا ً عن الساحة ( على الأقل في الوقت الحاضر )لأسباب عديدة لعل أهمها فشل المشروع القومي العربي في أكثر من مكان واتجاه وعلى سبيل المثال لا الحصر فشلهم المستمر في تحقيق الوحدة حتى على مستوى وحدة صغيرة بين دولتين ناهيك عن اغراق المنطقة بمفاهيم لم تجلب الا الكوارث وما تعقد المشكلة الفلسطينية الا جانبا من أزمة الفكر القومي الذي شَرًع التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان كما حدث في العراق واليمن في الستينات عندما تزعم جمال عبد الناصر القومية العربية , وحتى لانغرق في تفاصيل ( الخيبة العربية ) يكفي انها لم تتمكن من ان تحافظ حتى على سيادتها سواء في مصر وسوريا والعراق ولا استطاعت ان توفر الحد الأدنى لكرامة الفرد العربي والأمثلة كثيرة جدا ًوشاخصة ولعل المقابر الجماعية في العراق المسمار الذي دق باحكام في نعش القومية العربية ومن يمثلهاعلى الأقل في العراق للسنوات القادمة.
لذلك يحاول أنصار التيار القومي الإستعانة بالدين وبشكل سافر رغم ان القومية ارتبطت بالاسلام منذ نشأتها بل ان صاحب الدعوة الإسلامية عزز هذه القومية باعتبارها خير أمة أخرجت للناس , وان القران أُنزل عربيا ورغم ان دكتاتور العراق الأخير صدام حسين قد لجأ الى الدين في أكثر من موقع ممهدا ً لهم الطريق من خلال ما يسمى بالحملة الايمانية ومن خلال وعاظ السلاطين الذين تم تدريبهم في دوائر ( المنظمة السرية ولعل ما يفسر ضعف _تنظيم قيادة قطر العراق_ وجلهم من البعثيين الذين اختلفوا مع صدام حسين لسبب وآخر انهم لم يأتوا بجديد لذلك عاد قسم منهم واتفق معه بحجة ( الغزو الأجنبي ) !! وكأنما لم يحملهم القطار والدبابة البريطانية الى سدة الحكم في العراق في الستينات .
اما التيار القومي الكردي , فانه قد استفاد كثيرا ً من الآوضاع السائدة وخصوصا ً بعد ان تم طرد الجيش الصدامي من الكويت وما أعقبها بتأثير إنتفاضة آذار الشعبية الغاضبة والهادرة بعفوية مطلقة لولا تدخل (الإيرانيون ) من خلال الأحزاب والجماعات الإسلامية والتي رفعت صوراً لرجال الدين مما جعل الأمريكان اعطاء الضوء الأخضر لقمع الإنتفاضة التي أخذت تنحو منحا ًدينيا _ طائفيا ً كما اليوم _ وهذا مما حدا بالقادة الكرد الذهاب الى بغداد حيث الدكتاتور وحيث تم ترتيب سيناريو جديد . ورغم أن الصعوبات التي ظهرت على السطح في كردستان نتيجة تبدل الموازين والإصطفافات العالمية منها والإقليمية ( العربية من جهة والإيرانية والتركية من جهة أُخرى ) أ وصلت الوضع حد الإقتتال الكردي _ الكردي الا أن هناك شبه اجماع على الشعور بالمسؤولية انتهى باتفاق سلام شاركت به الولايات المتحدة الأمريكية .
ومع بداية سقوط الصنم وظهور آثار الزلزال في العراق والمنطقة وان بشكل بطئ ومستتر كانسحاب سوريا من لبنان وانبطاح الأخ القائد معمر امام العالم الغربي تعزز استقرار الوضع الكردي نتيجة الدعم العالمي ;الأمريكي لهم . ومن الطبيعي جدا أن يكون المسعى الكردي مع الإتجاه الديمقراطي كون النظام الديمقراطي يوفر لهم ما لا تستطيع الأنظمة الأخرى, سواء كانت قومية او دينية عسكرية أم مدنية ولقد جربها الشعب الكردي على مدى تاريخه الطويل . لذلك ساهم الأكراد وبشكل جاد في العملية الإنتخابية والتي اتت ثمارها لتصب في صالحهم وليكون الرئيس العراقي مواطنا ً كرديا ً وهذه أُول إشعاعات العراق الواعد .
اما التيار الديني فقد تمثل في حزب الدعوة الإسلامي ومن ثم ظهرت جماعات اسلامية في نهاية السبعينات كمنظمة العمل الإسلامي . ومنذ ان شن النظام البعثي الحرب على إيران في أيلول عام 1980 ظهرت الى الوجود جماعات إسلامية المنهج أغلبها انخرطت في العمل بدفع وتأييد مراجع اسلامية ناهيك عن دعم لا محدود من قبل الزعيم الأسلامي الخميني وكل أجهزة الجمهورية الإسلامية والتي أخذت على عاتقها تأسيس وبناء هيكل مجلس الثورة الاسلامية والتي رأسها رجال دين وكان الهاشمي أحد رؤوسائها في بداية التأسيس ثم انتقلت الرئاسة الى السيد باقر الحكيم ومنه الى شقيقه السيد عزيز الحكيم ولقد ساعدت ايران هذه المجلس مساعدة تأريخية كبيرة اذ منحتها ودون اي مبرر قانوني أو إنساني حق ( التصرف ) بالأسرى العراقيين وبالتالى زجتهم في حرب ضروس ضد إخوانهم العراقيين في الطرف الآخر .
ومن هنا كان لابد للأيرانيين أن يستمروا في دعم الجماعات الموالية لهم فأنشأوا ( فيلق بدر ) كوحدة عسكرية قتالية يزجونها متى مارادوا وكلهم من اسرى الحرب المجنونة التي أشعل أَوارها الدكتاتور صدام حسين ولعل هؤلاء من رفع صور رجال الدين في إ نتفاضة آذار مما أرعب المنطقة والعالم من إ قامة نظام موال لإيران كما هو الحال الآن ؟؟
واليوم إذ يعود الإسلاميون أنصار ولاية الفقيه للعراق من أوسع أبوابه وفي ظل فراغ سياسي وتدهور اجتماعي واقتصادي واداري ودمار أصاب البنى التحتية وتهميش دور الإنسان وأنعدام مقومات الدولة في أكثر من مجال لابد لهم وفي هذا الظرف الذي تهيأ لهم السيطرة على مقاليد الحكم من خلال الجمعية الوطنية التي أتاح لهم النظام الديمقراطي تاليف الوزارة وان كان على نحو طائفي أن يردوا الدين بل وأن يكونوا كرماء مع من أوصلهم الى البرلمان العراقي .
وإذ يتآمر الجميع على الوطن وتتحول الثوابت الى متغيرات وتنتهك حدود البلاد لمن هب ودب حتى صار العراق مآوى وملاذأ للإرهابيين الذين عبثوا ببناء الله ان هم صدقوا حديث نبيهم حينما قال : الإنسان بناء الله لعن الله من هدمه . ولعل من عاديات الزمن أن يتحول العراق وأبنائه الى أكبر مستورد للمخدرات ومن كل الصنوف حتى باتت المدن الدينية ككربلاء والنجف والكاظمية سوقا ً رائجا ً لها وللأيرانيين الذين وجدوا ضالتهم في نشرالبدع والعادات الإيرانية وتسفيه المفردات الوطنية التي ألفها شعبنا واعتبار الحريات العامة وحقوق البشر منجزات غربية وبث روح الإتكال والإعتماد على (اولياء الله ) وتخدير المرأة والنشئ الجديد بما لايقبله العقل من قبيل التهيؤ لمقابلة صاحب الزمان والتي كثرت علامات ظهوره مما يستدعي القيام ما يامرك به الفقيه العادل من واجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها حرق مكتبة عامة لأنها تحوي كتبا ضد المذهب أو حرق هذه البناية لأنها مقر للكافرين .أن تحريم العلم والإعتماد على الإستخارة وشتم السقيفة والسنة ودق أسفين بين أبناء الشعب العراقي واللعب على الوتر الطائفي وفرض ما لايتقبله الشارع العراقي ويستسيغه الشارع الإيراني هي من أولويات مهام الجيل القادم من أيران .
وإذ يجد المرء مايخالف هذا وان الإيرانيون لادخل لهم فان بدائلهم وممن قضوا عشرات السنين في ايران لهم في المقدمة من إشاعة ماذكر وسوف يكثر الترياق في العراق تحت يافطة انه دواء لكل داء .
وللتيار الديمقراطي في العراق تاريخ يمتد للعشرينات من القرن العشرين ولسنا بمعرض كتابة تاريخه ولكن كان الديمقراطيون من طلائع الشعب ضد الدكتاتورية والهمجية فلقد عمل على إرساء الوحدة الوطنية وناضل من اجل قيام دولة للقانون والعدالة الإجتماعية واعتبر الوطن العراقي للجميع من الثوابت وبأن القانون فوق كل شئ وأقر الديمقراطيون الحقوق المشروعة للشعب الكردي وهو يناضل من أجل أن يسود السلام وتحترم الأراء وتصان حقوق الإنسان ويدافع عن الحريات العامة ومنها تحديدا ً حرية المرأة ولا يقبل المساس بطمس تاريخ وشهداء الحركة الوطنية عليه لا بد من نهضة قوية تعيد له توازنه التي فقدها نتيجة الهجمة الشرسة التى طالته من مختلف الأنظمة ولابد له من عودة صريحة ومكاشفة حقيقية للاسباب التي جعلته يتخلف في الأستحقاق الإنتخابي الأخير قبل أن يستفحل الترياق في العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA