الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ماتت الجبهة الشعبية التونسية ؟

حزب الكادحين في تونس

2013 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



عانت الجبهة الشعبية التونسية منذ تاسيسها من غياب الاستراتيجيا و التكتيك الواضحين و قد كانت لجريدة طريق الثورة في مناسبات سابقة وقفة نقدية مع ارضيتها السياسية للكشف عن هذه الجوانب و تود هنا التركيز على الممارسة الواقعية ففي اول معركة حقيقية ضيعت الجبهة الصواب و نعنى اغتيال الشهيد شكرى بلعيد فقد انفض الحشد العظيم الذى ودع بلعيد الى مثواه الاخير على وقع عبارة : نم يا حبيبي ، التى غدت موضوعا للتندر لدى غالبية التونسيين في غياب اى مهمة ثورية واضحة كان يمكن لانجازها تعديل موازين القوى لصالح الشعب في تلك اللحظة التاريخية الفاصلة .
و عندما حاولت الجبهة خلال الاغتيال الثانى تدارك الموقف اعلنت العصيان المدنى في بيان نعى الشهيد محمد البراهمى يوم 25 جويلية 2013 مبينة انها مصممة على ارجاع " الثورة الى مسارها الحقيقي " و انها ستدخل في مفاوضات لتشكيل حكومة انقاذ وطنى بل انها حددت حتى الوقت الذى سيتم فيه الاعلان عن تلك الحكومة غير ان ذلك ظل مجرد كلمات لم تنفذ واقعيا و تتالت المواعيد " الحاسمة " بعد ذلك دون اى حسم يذكر .
لقد كشفت الاغتيالات السياسية في تونس ليس فقط جرائم اليمين الدينى المستعد للقيام بأفظع من ذلك و انما ايضا محدودية الجبهة الشعبية التى ظلت عاجزة عن الدفاع عن نفسها فما بالك عن حديثها عن حماية الشعب فكل ما كانت قادرة عليه هو تنظيم وقفات احتجاجية سرعان ما فقدت معناها تحت عنوان " اشكون قتل شكرى ؟"
ظلت الجبهة الشعبية على مدى اشهر تنكر كل امكانية للتحالف مع الاتحاد من اجل تونس و في مقدمته نداء الباجى قائد السبسي غير ان الوقائع كانت تشير الى عكس ذلك فقد تواترت اللقاءات سرا و علانية وهو ما نبه اليه الثوريون مبكرا و عندما استشهد البراهمى كانت اللحظة مناسبة لاعلان تشكيل اطار جبهوى جديد يضم الاتحاد من اجل تونس و الجبهة الشعبية و هو الذى اطلق عليه اصحابه اسم جبهة الانقاذ .
و بسرعة لافتة للنظر تخلت الجبهة الشعبية عن ارضيتها السياسية على محدوديتها و تركتها للريح تعبث بها و الا كيف نفسر انخراطها في الاستقطاب الثنائى بين طرفين رجعيين يستعمل كل منها الشعب في مناوراته لخدمة اهدافه الخاصة و هو ما نبهت تلك الارضية الى خطورته ؟
و يفسر ذلك بان قيمة الارضية لم تكن تساوى بالنسبة للاطراف الاشد تاثيرا في الجبهة الشعبية ثمن الحبر الذى كتبت به فقد كانت عينها منذ البداية مركزة على الحصول على قسط من غنائم الانتفاضة فالجبهة ينبغى ان تحكم او تشارك في الحكم و لو تطلب ذلك التحالف مع الدساترة انفسهم فتلك الاطراف كانت تبحث عن الوسائل المؤدية الى تلك الغاية لا اكثر و لا اقل و التحالف الانتخابي مع الدساترة هو الطريق الاقصر لتموقعها في السلطة .
تذرعت الجبهة في البداية بانها غير متحالفة مع نداء تونس و كل ما في الامر هو حصول تقاطعات ميدانية بين الطرفين و لكن الخطوات المؤدية الى التحالف الفعلى كانت تتم على قدم و ساق و هو ما اصبح الان واضحا للعيان كما تذرعت بان نداء تونس لا يمثل الدساترة غير ان السبسي كان واضحا في اعلان هويته الدستورية و" فكره" البورقيبي قائلا انه كان دستوريا و سيظل كذلك بل انه اقترح على حامد القروى رئاسة نداء تونس و على مرجان ان يكون حزب المبادرة فصيلا من فصائل النداء .
على المستوى الطبقي يمثل النداء اقتصاديا و سياسيا و ايديولوجيا جانبا من البرجوازية الكمبرادورية و شريحة من شرائح البيروقراطية و هى القوى التى فقدت امتيازاتها و تضررت مصالحها غداة انتفاضة 17 ديسمبر و وجدت في الباجى قائد السبسي ربانا لسفينة ترميم النظام و مهندسا لاعادة الاعتبار للسلطة الدستورية فالتفت حوله و وجدت لدى قوى رجعية على الصعيدين الاقليمى و العالمى الدعم اللازم و بالاخص الاتحاد الاوربي و في مقدمته الامبريالية الفرنسية و المحور السعوديى الكويتى الاماراتى .
و تحالف الجبهة مع النداء معناه نفض اليد من الحركة الشعبية ذات الطبيعة الانتفاضية و استبدالها بالكرنفالات السياسية السلمية حيث يتم حشد الجماهير لا للمقاومة الفعلية و انما لرصد الاعداد و التباري مع الخصم حول من يحشد عددا اكبر في علاقة بالتعبئة الانتخابية كافق مرتقب للتداول على السلطة و هو ما تجلى في اعتصام الرحيل .
و في صلة بذلك يحاول كل طرف اقناع القوى الامبريالية الراعية لـ" للانتقال الديمقراطى " انه يمثل الاغلبية و الاقدر على ضمان " الاستقرار " و هو ما يفسر تدخل سفارات الدول الامبريالية بشكل مفضوح و مباشر في هذه المعركة سواء بتنظيم الملتقيات و الحوارات في تونس و خارجها او باستقبال رموز الاحزاب و الجبهات السياسية التونسية للسفراء في مقراتها بما في ذلك الاستقبال الذى حظى به السفير الامريكى من طرف اركان الجبهة الشعبية فضلا عن اللقاء مع الرئيس الفرنسى و سرعان ما تبخر شعار : شعب تونس شعب حر لا امريكا لا فرنسا لا قطر .
و فى الوقت الذى كان فيه القيمون على التحالف الجديد مع الاتحاد من اجل تونس يدافعون عن ولادة جبهة الإنقاذ و يحشدون الحجج التى تبرر ذلك و بالاخص ضرورة بناء جبهة ديمقراطية واسعة لمواجهة " الفاشية " الدينية كان اللقاء بين السبسي و الغنوشى في باريس و عندما تكلم السبسي لا حقا في وسائل الاعلام التونسية رمى الورود في اتجاه الغنوشى الذى سبق ان رماه بمثلها مؤكدا انه ضد استعمال الاعتصامات لطرد الولاة و المعتمدين و ان حزبه لا يمثل المعارضة بل المعاضدة و في المقابل قال الغنوشى ان قانون تحصين الثورة ارجئ لاجل غير مسمى و انه مستعد في سبيل تحقيق التوافق مع نداء تونس الى السفر حتى الى غواتيمالا .
و الطريف ان معزوفة التحالف الديمقراطى لاسقاط الفاشية الدينية جربت سابقا و اثمرت تقاربا مع سلطة بن على ثم اصبحت تحالفا مع الفاشية الدينية اياها من خلال 18 اكتوبر لاسقاط الفاشية الدستورية و ارتدت الان الى نسختها الاولى اى التحالف مع الدساترة ـ نداء تونس ـ لاسقاط الفاشية الدينية في لعبة من التحالفات غير المبدئية التى هى اشبه بالمهزلة علما ان الحديث عن الفاشية في المستعمرات و اشباهها لا قيمة له من الزاوية النظرية حيث تظل المسالة الوطنية الديمقراطية حجر الاساس الذى تنبنى عليه التحالفات .
واقعيا ماتت الجبهة الشعبية يوم ولدت جبهة الإنقاذ و عبثا يحاول البعض احياء جثتها غير انها لم تمت بشكل طبيعى او بطعنة خارجية غادرة و انما ماتت انتحارا و لا يقلل هذا من قيمة الجهود المبذولة من اجل تطوير رصيدها الشعبي في اتجاه ارساء عمل جبهوى جديد متباين مع ألت اليه و هو ما عبر عنه الممضون باسم الجبهة الشعبية / التيار الوطني و بعض التنسيقيات الجهوية المتمردة .
لقد برهن اليسارالتونسى خلال انتفاضة 17 ديسمبر على انه قوة يمكنها التاثير في مجرى الصراع الطبقي بحشده للجماهير و ممارسته تاثيرا مهما في المظاهرات و المواجهات و هو ما انعكس على الشعارات المرفوعة و منها الشعارات المتصلة بالمسألة الوطنية و الفلاحية و طرح مشكلة الثروة و لكن التخريب الذى استهدف هذا النشاط كان قويا و سريعا فسقط الانتهازيون عند اول المنعطفات و منها الانخراط في مجلس حماية الثورة و الهيئة العليا و انتخابات 23 اكتوبر الخ ... و بالتالى المساهمة بدورهم في عملية ترميم النظام و ما التحالف مع الدساترة الان و السجود امام الامبرياليتين الامريكية و الفرنسية الا حلقة من حلقات ذلك السقوط الذى ستتلوه حلقات أشد خطورة .
و لم يحدث ذلك السقوط بفعل عوامل داخلية فقط و انما هناك عوامل خارجية مهمة ايضا تفسره فعمليتى اغتيال بلعيد و البراهمى كان من بين اهدافها دفع قسم من اليسار الى احضان اليمين الدستورى و القوى الامبريالية للاحتماء بها حتى يفقد استقلاليته و يتنكر لشعاراته و برامجه في وضح النهار و هو ما يمكن معاينته الآن بوضوح تام .
و هذا الوضع الذى يوجد فيه ذلك اليسارالذى عبرت عنه الجبهة الشعبية يوفر لليمين الدينى من جهة امكانية التخلص من مشكلة طالما اقضت تاريخيا مضجعه و نعنى نضال اليسار ضد الدساترة بالقول انه كان دائما متحالفا معهم كما يوفر من جهة ثانية لليمين الدستورى امكانية القول انه قوة ديمقراطية بدليل معاضدة " اليسار " له و بالتالي التطهر من كل الذنوب السابقة بوضعها في رقبة بن على دون سواه .
و اليوم عندما نرى السبسي و هو يخطب في الحشود المتجمعة في ساحة باردو و صور بورقيبة و هى ترفع من جديد من طرف ضحاياه القدامى المسبحين بحمد انجازاته العظمى من الاستقلال الى الجمهورية الى تحرير المراة فاننا نستنتج ان التخريب الذى اشرنا اليه يحقق نجاحا لا يمكن تجاهله .
تمثل مشكلة الاستراتيجية والتكتيك جزءا من علم قيادة النضال الطبقي و يحتاج الثوريون على مستوى التحالفات الى حل هذه المشكلة و يستوجب ذلك التسلح برؤية استراتيجة للمرحلة التاريخية و الاوضاع المخصوصة في هذا البلد او ذاك و كل التباس على هذا الصعيد تترتب عنه اخطاء في الممارسة الميدانية غالبا ما تكون كارثية فعندما تغيب الرؤية الاستراتيجية يسود التذبذب و المراوحة و تنتصر الرجعية و هو ما يمكن الوقوف عليه في تجربة الجبهة الشعبية .
وتخضع التحالفات في مرحلة التحرر الوطنى رئيسيا الى مبدا الكفاح ضد الامبريالية و عملائها اى انها تخضع الى التناقض الرئيسي الذى يشق المستعمرات و اشباهها و هو التناقض بين الامبريالية و الشعب .
و في الوطن العربي و تونس كجزء منه فان تحديد الهدف الرئيسى للكادحين في علاقة بالمرحلة التى يجتازها كفاحهم و هى مرحلة التحرر الوطنى الديمقراطى يعنى الان مواجهة الامبريالية و عملائها و هم الكمبرادوريون و الإقطاعيون و البيرقراطيون و بالتالي حل المسالة الوطنية الديمقراطية لا الاختيار بين من يدعو للتداوى ببول البعير و من يدعو الى التنوير
و على صعيد التكتيك فانه عندما يتعلق الأمر بعدوين أساسيين يجب العمل على تركهما يواجهان بعضهما البعض وفضح العداء الكاذب بينهما و التمايز عنهما قدر الإمكان و التوجه للشعب لبناء القوة الثورية القادرة ان تكون بديلا لهما اى ان التكتيك هنا يخضع إلى الاستراتيجيا و لا يجب ان يتناقض معها .

جريدة طريق الثورة الناطقة باسم حزب الكادحين / عدد سبتمبر 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث