الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مبادرة- تقول لبشار: سَلِّمْ تَسْلَمْ!

جواد البشيتي

2013 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
وفجأةً تحوَّلْنا من مسار إلى مسار، ومن "جدل الضربة" إلى "جدل المبادرة (المُقْتَرَح) الروسية"، وإنْ ظلَّ كلاهما يُخالِط الآخر؛ فما رَأَيْناه وسمعناه (مِنْ قَبْل) لم يكن كل شيء؛ ذلك لأنَّ شيئاً من "الدبلوماسية السرية"، و"اللعبة السياسية"، كان يساير "المشهد المُعْلَن" كما يساير الظِّل الجسم.
لقد جاء وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى موسكو، وتباحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أمْر "المبادرة (المَخْرَج من الأزمة)".
أَفْتَرِض أوَّلاً، وأتوقَّع، أنَّ "المبادرة" التي "أعلنها" لافروف، وسُمِّيَت باسمه، كانت، في جوهرها وأساسها، ثمرة تفاهم بينه وبين وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري. وأَفْتَرِض، أيضاً، وأتوقَّع، أنَّ المعلم أخبر لافروف أنَّ بشار سيقبلها إذا ما ألمح كيري إلى أنَّ الولايات المتحدة تَقْبَلها، أو يمكن أنْ تقبلها؛ ثمَّ عَقَد كيري مؤتمراً صحافياً، و"دُعِيَ" أحد الصحافيين إلى أنْ يسأل كيري سؤالاً، إجابته، التي أدلى بها كيري، كانت "بشار الأسد يمكنه اجتناب الضربة العسكرية إذا ما سَلَّم، في أسبوع، ترسانته الكيميائية"؛ ثمَّ أعرب كيري عن شَكِّه في أنْ يفعلها بشار". وما أنْ انتهت لعبة "السؤال ـ الجواب"، حتى وُلِدَت "مبادرة لافروف"، وظهرت إلى الوجود؛ ثمَّ أعلن المعلم موافقة دمشق على "المبادرة (الروسية)"، التي تضمَّنت نَقْل الإشراف على "المواقع الكيميائية" إلى الأمم المتحدة، التي قد تتولَّى، بعد ذلك، نَقْل "المخزون الكيميائي" إلى "مكان آمِن"، تَوَصُّلاً إلى "إتلافه"، في آخر المطاف؛ وبعد "إتلافه (المُحْتَمَل)"، تنضم سورية إلى معاهدة "حظر (امتلاك، وتطوير، واستخدام) السلاح الكيميائي"؛ ولا نَعْرِف الآن كم من الوقت سيستغرق تنفيذ كل ذلك، إذا ما نُفِّذ، أو إذا ما سارت الأمور في هذا المسار الجديد.
"المبادرة"، إذا لم "تُسْتَكْمَل"، وظلَّت على ما هي عليه من "نَقْص"، إنَّما تعني ما لا يمكن أنْ يقبله ويُصَدِّقه عقل عاقل؛ فثمَّة (على سبيل التشبيه) جريمة قَتْلٍ بالرصاص قد وَقَعَت؛ وجُثَّة القتيل هي أمْرٌ لا ريب فيه؛ لأنَّها "حقيقة واقعة". وكان السؤال الأوَّل هو "هل قُتِل بالرصاص (فرُبَّما يكون قد قُتِل بالسم مثلاً)؟". وها هُمْ "ذوو الاختصاص (الدوليون)" يجيبون قائلين: "لقد قُتِل بالرصاص (والرصاص هنا كناية عن غاز السَّارين)". حتى بشار الأسد اعترف بوقوع الجريمة، وبوجود "الجُثَّة"، وبموت صاحبها ميتةً كيميائية؛ لكنَّه اتَّهَم غيره، أي خصومه ومعارضيه، أي ذوي الميِّت، أو القتيل، بارتكاب هذه الجريمة.
وحسب "الأدلة المُفْحِمة، المُقْنِعة، والتي لا ريب فيها"، بشار هو القاتِل، هو مُرْتَكِب هذه الجريمة؛ أمَّا سلاح، أو أداة، الجريمة، فكان غاز السَّارين، والذي بـ "وسائل" يمتلكها هو أَوْصَل هذه المادة الكيميائية القاتلة إلى "موقع الجريمة"، أيْ إلى غوطتي ريف دمشق، الشرقية والغربية.
لقد وَقَعَت الجريمة، وعُرِفَت أداتها، وعُرِف مُرْتكبها، وهو بشار الأسد؛ ولا جريمة بلا عقاب؛ فما هو (أو كيف يكون) العقاب؟
إذا لم يكن لكل مقام مقال، وإذا ما أردتم إجابة هزلية، لا يقبلها عقل، عن هذا السؤال؛ فها هي "مبادرة لافروف (المنسَّقة مع كيري)" تجيبكم قائلةً: "العقاب هو إلقاء القبض على أداة، أو سلاح، الجريمة، وتَرْك المجرم حُرَّاً طليقاً"؛ وكأنَّها تُخاطِب بشار قائلةً: "سَلِّمْ، تَسْلَمْ؛ سلِّم للأمم المتحدة الأداة (أو السلاح) التي بها ارتكبت جريمتك، أيْ "ترسانتك الكيميائية"، فَتَسْلَمْ (من الضربة العسكرية العقابية الرَّادعة الوشيكة؛ وقد تَسْلَم حتى من العقوبة القانونية (الدولية)"!
بشار، والحقُّ يُقال، فاجأ الولايات المتحدة مرَّتين: في المرَّة الأولى، فاجأ أوباما إذْ ارتكب جريمته الكيميائية الكبرى في الحادي والعشرين من آب المنصرم، في غوطتي دمشق، الشرقية والغربية؛ فلَمَّا رَسَم أوباما "خطه الأحمر"، محذِّراً بشار من مغبة تجاوزه، ما كان يتوقَّع أنْ يَخْتَزِن هذا الحاكم في داخله من الجنون والوحشية، ومن الكراهية لشعبه، ما يَحْمله على استخدام غاز السَّارين؛ ولو كان يتوقَّع لجَعَلَ خطه الأحمر "استخدام بشار للسلاح النووي (لا الكيميائي)"؛ فالرئيس أوباما ما كان ينتوي ضَرْب بشار عسكرياً؛ ولَمَّا أصبح عازِماً على ضربه، كان يقول في نفسه: "ينبغي لي أنْ أَسْتَعِدَّ لضربه حتى أَجْتَنِب ضربه".
ثمَّ فاجأ كيري إذْ وافق، في زمنٍ يُقاس بالدقائق، على تسليم ترسانته الكيميائية إلى الأمم المتحدة؛ فلَمَّا أعلن كيري أنَّ تخلُّص بشار من ترسانته الكيميائية يمكن أنْ يجنِّبه الضربة العسكرية (المحدودة) ما كان يتوقَّع أنْ يكون لدى هذا الحاكم من الروح الانهزامية ما يَحْمله على هذا القبول السريع. ولو كان لدى بشار ذرَّة من الحسِّ بالمسؤولية القومية في صراعنا مع عدوِّنا (النووي) الإسرائيلي لقال: إنِّي أُفضِّل أنْ أسلِّم نفسي إلى العدالة الدولية (محكمة الجنايات الدولية) على تسليم "الترسانة الكيميائية" السورية التي هي الجزء الأهم من قوى الرَّدع العربية لإسرائيل النووية من رأسها حتى أخمص قدمها.
ولتتأمَّلوا معي ما قاله المعلم في معرض تبريره لاستخذاء بشار، وقبوله (ولو على سبيل المناورة) تسليم الترسانة الكيميائية السورية. لقد قال إنَّ بشار وافق على هذا الأمر من أجل تجنيب "شعبه" الموت والدمار (المتأتي من الضربة العسكرية المحدودة). ومعنى قوله بلا تأويل، ولا تدليس، إنَّما هو الآتي: لقد وافق بشار على "المبادرة" حتى يُجنِّب نفسه الضربة، وليَسْتَمِرَّ، بعد، وبفضل، ذلك، في نشر الموت والدمار في سورية.
لماذا يريد بشار (إذا ما كان صادقاً في إرادته) تسليم ترسانته الكيميائية وهو الذي يَعْلَم عِلْم اليقين أنَّها لن تُضْرَب حتى لا تقع كارثة، وأنَّ "الوسائل"، التي يستعملها لإطلاق وحَمْل غاز السَّارين، كالصواريخ، هي التي ستُضْرَب؟!
إنَّ بشار مُحِبٌّ لصواريخ "سكود"؛ وهو مصمِّمٌ على الاحتفاظ بترسانته الصاروخية ولو من طريق تسليم ترسانته الكيميائية.
ويا لها من "شجاعة" لا يحسده عليها إلاَّ كل جبان رعديد؛ فبشار لم يعترف (على هذا النحو الواضح الجلي الصريح) بامتلاكه ترسانة كيميائية إلاَّ عندما قَبِلَ على مضض التخلُّص منها، على أيدي "مفتِّشين دوليين (عَرَفْناهم مِنْ قَبْل في العراق)".
لقد جرَّبها أوَّلاً وآخِراً في شعبه؛ ولم يجرؤ قَطْ على استخدامها ضدَّ العدو النووي الإسرائيلي، الذي من أجل ردعه (على ما زَعَم زمناً طويلاً) ابتنى (هو ووالده) هذه الترسانة بأموال وعَرَق وجهد وكَدِّ مَنْ استخدمها ضدهم.
ولو كان صادقاً في زعمه أنَّه بريء من تهمة استخدامها ضدَّ شعبه، وأنَّ خصومه ومعارضيه هُمْ الذين ارتكبوا هذه الجريمة، لَمَا أعلن قبوله التخلُّص منها؛ فكيف له أنْ يتخلَّص منها إذا ما كان خصومه ومعارضيه يستخدمون (على ما يَزْعُم) أسلحة كيميائية ضدَّ "شعبه" الذي ينبغي له حمايته من تلك الأسلحة؟!
ومع ذلك، اعترف بشار ضِمْناً، إذْ وافق على "المبادرة"، بأنَّه هو مُرْتَكِب "الجريمة الكيميائية".
لو سَأَلْتَ بشار "من ارتكب جريمة الغوطة الكيميائية (وغيرها)؟"، لأجابكَ على البديهة قائلاً: "المعارَضَة (وهل يخفى الأمر؟!)".
ولكن، مَنْ ذا الذي فَرَضَ على فريق التحقيق الدولي أنْ تقتصر مهمته على البحث في استخدام السلاح الكيميائي من عدمه، وألاَّ تتعدى ذلك إلى البحث عن مُرْتَكِب الجريمة؟
أَلَيْس بشار؟!
والآن، ثمَّة متفائلون جُدُد؛ فالأسد سيُساق، عمَّا قريب، إلى "طبيب الأسنان" لخلع ونزع "أنيابه الكيميائية"؛ وبعد ذلك، قد يُضْرَب، أو قد يُساق إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمته على جريمة الغوطة التي ارتكب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
فؤاد النمري ( 2013 / 9 / 11 - 06:48 )
تحياتي الخالصة للرفيق جواد وتباً للخونة المتخفين تحت رداء اليسار

اخر الافلام

.. كيف استفاد نتنياهو من هجوم 7 أكتوبر؟


.. بايدن يتمسك بالترشح وسط عاصفة جمهورية لإزاحته




.. تصاعد الدخان مع تبادل إطلاق النار بين الاحتلال وحزب الله على


.. مظاهرات أوروبية متجددة للمطالبة بوقف الحرب على غزة




.. انفجار بمصنع للألياف الكيميائية في الصين يولد حريقاً هائلاً