الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعث (العديوي)

خالد صبيح

2013 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



رفضت أنديرا غاندي زعيمة الهند المحنكة ورئيسة وزرائها لسنوات طويلة، وهي امرأة جمعت بين السياسة – الحكم والأخلاق على عكس ما فعلته نساء أخريات تبوأن مواقع سياسية فعالة(تاتشر، أولبرايت، رايس)، رفضت إبعاد حراسها الشخصيين المنحدرين من طائفة السيخ كما أوصاها مستشاروها حرصا على سلامتها بعد أحداث صدام دامية بين قوات حكومية ومتمردين من السيخ قتل فيها زعيم الطائفة سانت بيندرا. رفضت انديرا بإصرار أن تعامل أي مواطن على أساس انحداره واعتبرت الجميع بمن فيهم قاتليَّها لاحقا على أنهم مواطنون هنود لايجوز التمييز بينهم. وقد دفعت حياتها ثمنا لهذا (الخطأ الأمني).

انديرا غاندي كانت تفكر كزعيمة سياسية وإنسانة وليس كزعيم عصابة.

ساسة العراق الحاليون، اقصد حكامه، جميعهم يحيطون أنفسهم بحماية باذخة جلها من أبناء قبائلهم وعوائلهم وخاصتهم و، لأننا في زمن الطوائف المبتذل، من أبناء طائفتهم. وهؤلاء لم يتعلموا فنون حماية رؤوسهم من عبرة انديرا غاندي وإنما اخذوا دروسهم البليغة في حماية النفس والمركز من ملهمهم الأول: صدام حسين.

لم يكن صدام حسين هو الحاكم العراقي الأول الذي هجس بأمنه الشخصي، فقد كان الحرس الجمهوري في زمن العارفيَّن مكون من أبناء عشيرتهما: الجميلات. ولكن صدام حسين حول الهاجس الأمني بحكم استمرارية السلطة وطريقة الحكم والعقلية التي أدار بها البلد إلى عمل منظم وممنهج له قواعده. وقد تطرف في توجسه الأمني لحد جعل أهله وأبناء عمومته يهيمنون على مراكز السلطة، وفي جانبها الأمني على وجه الخصوص.

وهذا الهاجس الأمني المفرط ستكون له، كأي شيء آخر في الحياة، تداعيات ومآلات تتخطى دوافعه الأولى، وربما تنحو باتجاه ابعد مما يريد له أصحابه أو يتوقعونه.

تلك هي سنة السياسة والتاريخ.

صدام حسين بعثي لم يسلم بعثيون كثر من إرهابه، وحزب البعث هو حزب علماني لاينظر للطوائف والمذاهب لكنه يكترث للعنصر، الرس. قومية المرء عنده هي معيار (أصالته) وانتماءه للعنصر البشري. وهذه مقدمة تشكل خطورة بنتائجها المحتملة في أي تطور لاحق. فقد ارتبطت الفاشية والنازية بالنزوع القومي، وقد عانى غير العرب في العراق بسبب عقلية البعث الشوفينية ولاسيما الأكراد منهم الذين عانوا كثيرا لاختلافهم القومي عن عروبية البعثيين. لكن اضطهاد الأكراد لم يكن بدافع شوفينية قومية صرفة بقدر ما كان صراعا على السلطة ومشروع احتكارها أو لتثبيت دعائم مركزية دولة ناشئة مارسته جل الأنظمة السابقة على فترات حكم البعثيين، الطويلة والمملة،، ولكنه اكتسب على أيدي البعثيين خصوصية الدافع الأيدلوجي والعرقي. بيد أن هاجس امن نظام صدام حسين وشخصه أدى بهما لاحقا إلى ميول طائفية ظاهرة، لاسيما بعد تغير نظام الحكم في إيران ووصول قوميين إسلاميين يعتمدون المذهبية الشيعية إطارا أيدلوجيا لتوسع أو هيمنة إقليمية إلى سدة الحكم، وايضا بسبب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي أسهمت في إذكاء جذوة التوتر الأمني والطائفي في العراق. وقد أقصي بدافع التوجس الأمني الشيعة من مواقعم في الدولة وأجهزتها الأمنية مالم يقدموا ولاء ملموسا ومدعما لنظام صدام حسين ولشخصه.

وبعد انتفاضة عام 1991 تحولت طائفة الشيعة بأكملها إلى موضع شك امني. وعلى خلفية هذا الواقع وتوتراته تفاقمت حدة الطائفية السياسية، (فالطائفية في العراق سياسية وليست اجتماعية)، أو لنقل أعيد تأسيسها بعد إشباعها بروح أكثر جذرية وشمول شهدنا ومانزال نشهد حاليا نتائجها القاسية على المجتمع برمته. وانخرط نتيجة لذلك شباب الشيعة (جلهم غير متدين) حينها، يسوطهم شعورهم بالمرارة وفقدان البوصلة والأمل بعد سنوات طويلة من الحرب والخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي نتج عنها ولازمها، انخرطوا في اصطفاف طائفي قسم المجتمع تقسيما نفسيا حادا. وفي تلك اللحظة برزت في صفوف حزب البعث، بنسخته الصدامية، والذي استحال إلى ملكية شخصية لصدام ولعائلته، برزت نزعة طائفية مثلها بشكل مبتذل عدي صدام حسين وتَوجّها حينما سخّر جهدا إعلاميا بسلسلة مقالات نشرها في جريدته الخاصة نعتت فيها الشيعة بأوصاف عنصرية استهجانية وشككت، بل نفت عنهم (عروبتهم) وبالتالي وطنيتهم ومواطنتهم بعدما افترضت في قراءة خاصة لتاريخهم أنهم قدموا الى العراق (دخلاء مع الجاموس من الهند). وبهذه النسخة الجديدة، الأشد عنفا وغطرسة وابتذالا، لتصنيفات حزب البعث الذي ثوت النزعة العنصرية في أصوله الأيدلوجية الاولى، تحول حزب البعث إلى حزب طائفي واستحق أن يضاف نسب جديد إلى سلسلة نسبه وتحولاته السابقة؛ (عفلقي، صدامي...) بنسبه إلى عدي صدام حسين ليغدو مايمكن أن اسميه (البعث العديوي).

ولاحقا بعد الاحتلال الأمريكي وعملية إسقاط النظام انتصر شباب السنة لطائفتهم وولجوا بوضوح عالم الطائفية السياسية تحت يافطات مقاتلة أعوان المحتل الذين حاولوا حصرهم بالشيعة، بينما في الواقع إن أعوان المحتل، مثل معارضيه، ينتمون لكل الطوائف العراقية. وفي الأثناء اتسعت وتعمقت النزعة الطائفية لدى بعثيي الجيل المتأخر، أي هؤلاء الذين تربوا على (ثقافة) عدي وإعلامه وبعثيته التي وسمها بميسم شخصيته التي افسدها دلال الحكم وسوء التربية، فصاروا يحملون لغة ازدراء وتحقير عنصرية ضد الشيعة ما كان يمكن أن تصدر، مع انه يمكن توقعها، من حزب البعث بنسخته الأصلية: العلمانية. واكتسب قاموس هؤلاء (ألعديويون) مفردات سيئة التوصيف للشيعة (صفوي، شروگي، أبناء المتعة، وغيرها) ولم ينج منهم حتى ألبعثي الذي ينحدر أصول شيعية. فقد رفعوا أس عنصريتهم القومية والطائفية لتبلغ مدى يتخطى حتى أبناء حزبهم وأيدلوجيتهم.

في جذور هذا الهاجس الأمني والتحولات التي رافقته وأسست له يكمن بعض من الإجابة عن طبيعة العلاقة التي تربط تنظيمات البعث بعد سقوط نظام حكمهم في 2003 بتنظيم القاعدة حيث صارت النزعة الطائفية، بما تحمله من جذور حقد لاعقلانية، قاسما مشتركا بينهما. والعلاقة بين الطرفين، والتي يحاول كثيرون نفيها أو استبعادها بحكم التصور الأولي عن علمانية حزب البعث التي نسفها الجيل المتأخر من البعثيين، أقول غدت هذه العلاقة علاقة عضوية مع تطور الأحداث واشتداد الاستقطاب الطائفي في العراق. اقصد إن ما يجمع البعثيين بالقاعدة لايفسر بتوظيف الاولين للأخيرين لدوافع سياسية انتقامية وتخريبية وحسب، وإنما يتخطاه الى حد المشترك العقلي والعقائدي.

قد لا يوجد انتحاريون بين البعثيين، وماتزال الأعمال الانتحارية بشكلها الوحشي المتكرر يوميا في مدن العراق ماركة مسجلة باسم القاعدة، إلا أن التحريض على هذه العمليات والتخطيط لها غير بعيد عن أيدي البعثيين وقبل هذا عن عقليتهم الطائفية المستحدثة بل وتحديدا بسببها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار