الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيم إنسانية عليا

فريدة النقاش

2013 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



يتكرر الآن نفس السيناريو الذي سبق أن أدي لاحتلال العراق قبل عشر سنوات، أي اتهام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه رغم أن تقرير المفتشين الدوليين لم يصدر بعد، وكان المفتشون الدوليون قبل عشر سنوات قد توصلوا إلي أن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل وهي الحجة التي بني عليها التحالف الدولي لغزو العراق عدوانه ودون موافقة الأمم المتحدة.

والآن يجري وضع الشعب السوري وكل القوي الديمقراطية العربية بين خيارين أحلاهما مر إما القبول بالاستبداد المحلي الذي يمارسه النظام، أو القبول بالتدخل الإمبريالي الذي يحشد قواه الآن لغزو سوريا، أو بالأحري للعدوان عليها بدعوي معاقبة الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، مع غض الطرف عن وجود أصوليين متشددين مثل جبهة النصرة يحاربون ضد النظام وضد الشعب معا.

وتؤسس الحملة الإمبريالية ضد سوريا منطقها علي الدفاع عما تسميه بـ «القيم الغربية» وهي في قاموسهم قيم الديمقراطية والشفافية واحترام حقوق الإنسان، وهو نفسه المنطق الذي استخدمه النهابون والغزاة كما يصفهم المفكر الأمريكي التقدمي «نعوم تشومسكي» حين قاموا قبل قرون بغزو البلدان الصغيرة واستعباد شعوبها ونهب ثرواتها وإخضاعها باسم قيم الحضارة والتقدم.

وفي مطلع التسعينات أعلن «جيمس بيكر» وزير خارجية أمريكا آنذاك أن أحد الأهداف الرئيسية للتحالف العسكري الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج الجيش العراقي من الكويت التي احتلها «صدام حسين» هو إعادة العراق إلي القرن الثامن عشر وتدمير كل أسس الحضارة الحديثة فيه، وهو المنطق الذي يتناقض كلية مع الشعارات التي كان قد رفعها «النهابون» وعلي رأسها هدفهم من شن الغزوات والذي يتمثل في نقل الحضارة إلي بلدان «الهمج البرابرة».

لم يعد إزدواج المعايير التي يستخدمها الإمبرياليون في مواجهة البلدان الصغيرة خافيا علي أحد، ولم تنجح أبدا حملات الدعاية الهائلة في إقناع الشعوب بنبل الأهداف أو صحة القيم التي يؤسس عليها هؤلاء حملاتهم العسكرية.

ويعرف الجميع حقيقة الأهداف الكامنة والأصلية، أي الدفاع عن مصالح غير مشروعة لهذه الدول، وهي المصالح التي أدت ثورات الشعوب في المنطقة إلي وضع مشروعيتها موضع التساؤل.

أما القيم الإنسانية الحقيقية – لا المزيفة – فقد صنعها كفاح الشعوب علي مر السنين ضد كل أشكال النهب والاستغلال والاستعباد والإخضاع، وهي ليست قيما غربية ولا شرقية بل قيم إنسانية تنتمي للبشر كافة لأنهم جميعا ساهموا في صنعها كل بطريقته وفي زمنه، وحين توصل الساسة عبر صراع عالمي مرير لإنشاء نظام الأمم المتحدة بلوروا مجموعة من القيم المستمدة من هذا التاريخ المجيد للبشر ووضعوها في صورة مواثيق ومعاهدات يجري تجديدها طبقا للتطور ولاحتياجات الشعوب.

ولذا فهناك مفارقة كامنة في إعلان الدول الإمبريالية عن دفاعها عما تسميه القيم الغربية تبريرا لعدوانها المرتقب علي سوريا، هذه المفارقة تعلن عن نفسها باتجاه هذه الدول الحثيث والثابت لإنجاز العمل العسكري المرتقب خارج الأمم المتحدة ورغم رفض مجلس الأمن للحل العسكري برمته.

ويعتمد الشعب السوري الممزق الآن بين تهديدات الإمبريالية ووحشية نظام «الأسد» إضافة لوحشية الأصوليين علي التضامن العالمي الذي أسسته القيم الإنسانية العليا، وبقي سندا للشعوب المكافحة من أجل حريتها وانعتاقها من قبضة الاستغلال والاستعباد.

وفي سياق هذا التضامن العالمي الذي جربته الشعوب كسلاح بتار من أسلحتها ضد الهمجية والتوحش والنهب، سوف تبرز القيم الإنسانية العليا الحقيقية في نقائها وقدرتها علي الإلهام لأن ازدواج المعايير لا يمتهنها، ولأن الإنسانية صنعتها عبر التجربة والألم، وباشرت عملية إنضاجها عبر المزيد من التجارب والصراع المرير من أجل الفوز بحريتها.

وحين بلورت ثورة 25 يناير في مصر وموجتيها الجديدتين في 30 يونية و26 يوليو أهدافها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية كان الضمير الجمعي للمصريين يستلهم تجارب الشعوب والثورات إضافة إلي احتياجات الشعب المصري وآلامه وطموحاته وتاريخه الغني بالخبرات والمعارف، وأنتج تفاعل كل هذه العوامل قيما عليا تعلمت الجماهير – خاصة في الثورات – كيف تفرز فيها الزائف من الحقيقي لكي تتعرف علي العدو والصديق، وراكمت الشعوب كافة خبرة غنية في مواجهة الاستعمار والإمبريالية ولم يخدعها النفاق ولا ازدواج المعايير رغم الدعاية المنظمة والمنمقة.

وليس من المؤكد أن ينقذ التضامن العالمي بقيمه وآلياته سوريا من الهجمة الإمبريالية الجديدة علي المنطقة كلها، ولكن المؤكد أن الشعب السوري الذي يعاني الأمرين سوف يجد في هذا التضامن سندا معنويا في محنته الكبري، ودون أن يفقد الثقة في القيم الإنسانية العليا التي توصلت إليها البشرية وصاغتها في مواثيق ونظام أخلاقي متكامل يرفض الظلم والعدوان ويعزز قيم العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية التي هي قيم إنسانية لا غربية ولا شرقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قيم إنسانية عليا
ناس حدهوم أحمد ( 2013 / 9 / 11 - 23:32 )
نعم سيدتي الهجمة المرتقبة ربما لن تحدث تفاديا لحرب عالمية محتملة
وإذا لم تحدث فإن ذلك سوف يعطي الضوء الأخضر للمزيد من الجرائم
وسيظهر المجتمع الدولي في موقف ضعف وحرج
والتخلي عن محاسبة المجرمين مسألة خطيرة وخطيرة لا يمكن التكهن
بعواقبها
المجتمع الدولي في حيرة من أمره والعالم مهدد بحرب إقليمية ستنتهي
بحرب عالمية
لو روسيا فكرت بطريقة سليمة وكذلك الصين لتخلص العالم من الطاغية
السوري بمحاكمته ليكون عبرة لمن يشبهه وهذا ما يخشاه المعسكر
الديكتاتوري في روسيا والصين
والمسألة معقدة لكنها شيء طبيعي
وحتمي أيضا
قد تكون أمريكا نفسها تكيل بمعيارين
لكنها أفضل وأهون من المعسكر الذي يحمي الأسد وأشباهه

اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل