الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوى اليسارو الديمقراطية و إمكانات العمل المشترك

باقر جاسم محمد

2005 / 5 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يطرح الواقع الراهن لقوى اليسار و الديمقراطية و ضعفها فرادى و تشتتها جماعة
مسألة إمكانات العمل المشترك بوصفها قضية أساسية ملحة أمام هذه القوى جميعا و بدون استثناء . فلقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة حقائق مهمة تستدعي الوقوف عندها و تحليلها و استخلاص الدروس منها . و لعل أبرز هذه الحقائق ما يأتي
انحسار القاعدة الشعبية لهذه القوى مجتمعة لصالح مد شعبي كاسح للقوى الدينية " الطائفية " و القومية "العرقية " . ونعتقد بأن ذلك كان نتيجة لعاملين أولهما الاستقطاب الطائفي القومي الذي أنضجته الممارسة السياسية في المرحلة التي سبقت سقوط الصنم ؛ و ثانيهما الغياب شبه التام لهذه القوى عن الساحة السياسية الداخلية في تلك المرحلة نتيجة تحريم العمل السياسي مما أسهم في تضييق قاعدتها التاريخية وجعل تأثيرها في الأحداث التي أعقبت السقوط لا يعتد به من حيث سعة التأثير الجماهيري ، و من هنا جاء وصفها بالقوى النخبوية .
ميل بعض القوى التي أعلنت أنها تتمسك ب" الديمقراطية " و " العلمانية " منهجا للحكم و أنها ضد الطائفية السياسية إلى التحول عن مزاعمها المعلنة و ذلك تحت تأثير الفشل الذريع في تحقيق أية مكاسب انتخابية ، فمثلا حاول الدكتور عدنان الباججي و الشريف علي بن الحسين كسب ود جهة طائفية معينة كما سعيا إلى تمثيلها في مؤسسات الحكم المختلفة لكن النجاح لم يحالفهما . بينما كان البعض أكثر براجماتية و حصافة سياسية ، و لكن دون أن يكون أكثر صدقية من الساسة المذكورين سابقا ، حين اختار أن ينضوي تحت يافطة طائفية قبل الانتخابات فضمن بذلك موقعا له في سدة الحكم و ذلك هو حال حزب المؤتمر الوطني .
فشل القوى السياسية العلمانية التي أوكل إليها الحكم قبل الانتخابات ، و التي استمرت فيه لما يقرب من ثلاثة أشهر بعدها ، في إثبات كفاءتها و كونها بديلا حقيقيا لنظام البعث ، و هي قد فشلت أيضا في إظهار نزاهتها في إدارة شؤون الدولة و في تقديم صورة الحريص على احترام قواعد اللعبة الديمقراطية ، كما سعت إلى التشبث بالبقاء في السلطة بشتى الطرق ، و منها التلكؤ في دعوة الجمعية الوطنية المنتخبة للانعقاد لأكثر من شهر و كذلك طرح السيد أياد علاوي نفسه مرشحا لمنصب رئيس الوزراء رغم علمه بانعدام فرصة تحقيق ذلك أمامه .
و إذ ننظر بعين الحقيقة إلى ما أفرزته الانتخابات من تركيبة سياسية ، نرى أنها أسهمت في زيادة حدة الاستقطاب السياسي على أسس مذهبية و عرقية مما أسهم في زيادة حدة الاحتقان السياسي و الأمني . و من هنا تظهر أهمية قوى اليسار و الديمقراطية و الحاجة إليها بوصفها قوى تحفظ لحمة المجتمع العراقي ، و هذا يفرض عليها توحيد صفوفها و القيام مشترك للعمل السياسي المشترك في المرحلة الراهنة . و نرى أن الأمر يتطلب ، وقبل الشروع في مثل هذا العمل المشترك ، القيام بجهد علمي دقيق للإجابة على الأسئلة الآتية : ما هو المقصود بقوى اليسار ؟و ما هو المقصود بقوى الديمقراطية ؟ وما هو مدى الاختلاف بينهما ؟ و ما هي آفاق العمل المشترك بينها ؟ و في هذا السياق ، نعتقد بأن قوى اليسار قد اقتربت كثيرا من القوى الديمقراطية بالمعنى اللبرالي ، كما اقتربت القوى الديمقراطية اللبرالية من التصورات الاجتماعية لقوى اليسار مما يضيق شقة الخلاف بينهما و يسهل علمية صوغ التصورات و البرامج السياسية المشتركة .
و نحن هنا لا نريد أن نشكك بالعملية الديمقراطية الجارية و لا بالأحزاب الفائزة ، و لا نطالب بتخصيص حصة لقوى اليسار و الديمقراطية في الحكومة على سبيل الهدية فنحن ضد المحاصصة ، أو لغرض الزعم بوجود توازن بين القوى الاجتماعية المشاركة في الحكم فلسنا قطعة إكسسوار . كما لا ندعو إلى موقف سياسي سلبي إزاء الحكومة الحالية قط ، فذلك سيخدم بالنتيجة القوى المعادية للديمقراطية ؛ و إنما نؤكد على ضرورة ما تفرضه المرحلة الراهنة من ضرورة توحيد جهود القوى اليسارية و الديمقراطية و ذلك عبر خوض نضال فكري و سياسي مبني على أساس من برامج وطنية تؤكد على القيم السياسية الديمقراطية الحقيقية التي تضمن وحدة الشعب العراقي و تعبر عن رؤى متميزة عما تطرحه الأحزاب التي فازت بالانتخابات و السعي الحثيث لتوسيع القاعدة الشعبية لقوى اليسار و الديمقراطية ؛ فهذا هو السبيل الوحيد لتعظيم تأثير قوى اليسار و الديمقراطية في العملية السياسية الجارية . و لكي تتوصل الأحزاب اليسارية و الديمقراطية إلى مثل هذه البرامج ، في تقديري ، لابد لها أن تقوم بالآتي :
أولا. أن تكون بنية هذه الأحزاب نفسها ديمقراطية ، و مفتوحة على أبناء الشعب العراقي كافة ، و مبنية على أساس من الانتخابات الحزبية . و أن تلتزم بقيم المواطنة العراقية منطلقا للعمل السياسي.
ثانيا. أن تلتزم ، قولا و فعلا ، بالقاعدة الديمقراطية القائلة إن السبيل الوحيد للوصول إلى السلطة هو عبر صناديق الاقتراع ، وأن تعمل على إشاعة ثقافة العمل الديمقراطي السليم بين الناس . و أن تحترم بصدق ما تفرزه الانتخابات .
ثالثا. أن تعيد تقويم تجربة العمل السياسي المشترك في المرحلة السابقة على أساس من معطيات المرحلة الراهنة . و أن تدرك أن العمل المشترك ليس نتيجة ظروف آنية زائلة، و إنما هو ذو أبعاد مستقبلية متطورة .
رابعا. أن تعيد النظر بتقويم بعضها البعض الآخر ، و كذلك أن تعيد تقويم القوى السياسية في الساحة العراقية كافة و بناء تحالفاتها وقفا للأسس السابق ذكرها ،و خصوصا ما جاء في الفقرة أولا أعلاه ، دون أن يعني ذلك استعداء القوى و الأحزاب سياسية الأخرى.
خامسا. أن تسعى لتوحيد رؤيتها ، ما أمكنها ذلك ، بخصوص القضايا الجوهرية الآتية:
أ . الموقف من شكل نظام الحكم ،
ب. الموقف من استكمال سيادة العراق و مغادرة القوات الأجنبية ،
ت. الموقف من التنمية الاقتصادية المستقبلية و كيفية ربطها بالتنمية الاجتماعية ،
ث. الموقف من المشكلات السياسية و الاجتماعية التي خلفتها ممارسات النظام السابق، ج. الموقف من القوى الاجتماعية و الروحية ذات التأثير السياسي مثل العشائر و المرجعيات الدينية .
ح. الموقف من القوى السياسية الإقليمية و الدولية .
خ. أن تجعل من ممارسة العمل السياسي بين قواعدها من أبناء الشعب العراقي ذا طابع جبهوي مشترك فتعقد مؤتمرات حوارية مشتركة مفتوحة للناس كافة .
د. أن تستثمر ما أفرزته الممارسة النزيهة للمسؤولين الذين تصدوا لمناصب وزارية و قيادية في المرحلة التي أعقبت سقوط الصنم بوصفها نموذجا لما تطمح إليه من طريقة في الحكم .
ذ. أن لا تجعل تفنيد و دحض كل ما تقوم به الحكومة الحالية منهجا للعمل بصفتها معارضة ، و إنما تسعى لتقديم رؤيا موضوعية لأعمال الحكومة ، فتنقد ما يستحق النقد و تشيد بما هو صحيح منها .
ر. أن لا تنغلق على إمكانات التحالفات السياسية مع الحكومة أو مع أية قوى أو أحزاب أخرى شرط أن يكون ذلك على أساس من برامج قوى اليسار و الديمقراطية و بما لا يؤدي إلى تفكيك وحدتها ، ليس تحقيقا لمكاسب ضيقة .
ز. أن تحرص على تفعيل دورها في النقابات و الاتحادات المهنية و مؤسسات المجتمع المدني . و أن تتعاون فيما بينها بروح الصدق و الشفافية و العمل المشترك في حال العمل في صفوف هذه المؤسسات المهمة . فهي تسهم بالتعريف بالقوى اليسارية و الديمقراطية و تظهر أهمية ما تنادي به من مبادئ للحياة السياسية السليمة ، و هذا يسهم في توسيع قاعدتها الشعبية و يزيد من تأثيرها السياسي .
و أخيرا ، نعتقد أن هذه المهمات الجسيمة لن يكتب لها النجاح ما لم تسهم كل القوى اليسارية و الديمقراطية المؤمنة بضرورة المستقبل الديمقراطي للعراق في رسم السياسات المؤدية لتحولها من أمنيات إلى واقع فعلي. فهي إذن مهمات كبيرة و طموحة للقوى المؤمنة بها سبيلا لتجنيب البلاد احتمال التحول إلى نظام شمولي تحت أي مسمّى كان . و لذلك لا بد من الشروع فورا بما تقتضيه من إجراءات تنفيذية لتحقيق هذا المطلب الكبير . فالزمن عامل مهم و لا سيما في العمل السياسي الطموح في الواقع العراقي الراهن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب