الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجار حقوق الإنسان

حسن أحراث

2013 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تجار حقوق الإنسان داخل المغرب وخارجه..
التجارة أنواع كثيرة غير تجارة المال والخدمات والأعمال المعروفة تاريخيا بما لها وما عليها. وأقبح هذه الأنواع تجارة البشر وتجارة الجسد وتجارة الأسلحة وتجارة المخدرات.. وتوجد أنواع تجارية أخرى لا تقل قبحا وفسادا في المجالات السياسية والنقابية والجمعوية وحتى التربوية (التعليم الخصوصي أساسا). ويهمني أن أتوقف الآن عند تجارة حقوق الإنسان بمناسبة إصدار منظمة هيومن رايتس ووتش يوم 10 شتنبر 2013 بنيويورك لتقرير يشير الى استعمال قوات النظام السوري للأسلحة الكيماوية في هجوم على مقاتلين من "المعارضة" السورية في 21 غشت 2013.
طبعا، تجارة حقوق الإنسان ليست وليدة إصدار هذا التقرير من طرف منظمة هيومن رايتس ووتش، سواء بالمغرب أو خارجه. فكثيرا ما استعملت حقوق الإنسان مطية لتصفية الحسابات بخلفيات سياسية خبيثة وبعيدة كل البعد عن المبادئ والأهداف المسطرة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وسبق أن وظفتها الولايات المتحدة الأمريكية كورقة رابحة وضاغطة في وجه الاتحاد السوفييتي إبان ما عرف بالحرب الباردة، وأن تجاهلتها ببشاعة (الكيل بمكيالين) كلما تعلق الأمر باضطهاد الشعوب وتقتيلها أو بحماية حلفائها وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، وباسم المنتظم الدولي (الأمم المتحدة: مجلس الأمن، مجلس حقوق الإنسان...). ومن بين المنظمات الدولية المتهمة من هذا الطرف أو ذاك، أذكر بالدرجة الأولى منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومنظمة روبرت كيندي... وكان القصد دائما من وراء الاتهام هو الطعن في مصداقية هذه المنظمات والنيل من جديتها ومسؤوليتها، وبالتالي تصنيفها الى جانب هذه الجهة أو تلك. ولا يخفى ركوب بعض المنظمات، وخاصة الدولية، وباسم حقوق الإنسان والديمقراطية، مراكب الشعوب المقهورة، كالشعب الصحراوي والشعب الفلسطيني..
إن المثير في تقرير المنظمة المذكورة هو السبق في تأكيد استعمال النظام السوري للأسلحة الكيماوية، وذلك حتى قبل إعلان تقرير اللجنة الدولية التي زارت سوريا للتحقيق في استخدام هذه الأسلحة بالغوطة بدمشق، رغم بعض التحفظات التي قد تفهم من خلال إعمال بعض المصطلحات التشكيكية.
والأسئلة التي تطرح نفسها هي: هل تتوفر هذه المنظمة، وهي مجرد منظمة، على كل المستلزمات الضرورية والمقومات العلمية (خبراء، إمكانيات، وسائل...) للوصول الى هذه النتيجة الثابتة (الصادمة) في وقت قياسي وفي ظل شروط غير طبيعية، شروط حرب؟ ثم هل فرض عليها ذلك لأنها منظمة أمريكية أم لأنها محكومة، كدائما، بخدمة أجندة سياسية معينة؟ هل اعتمدت مثل هذا السبق "البطولي" في حالات سابقة، ومن بينها على الخصوص حالات الإجرام والإبادة التي مارسها ويمارسها الكيان الصهيوني حتى الآن في حق الشعب الفلسطيني؟ هل نسيت أم تناست/تجاهلت المسرحية البئيسة، الجريمة التاريخية (جريمة ضد الإنسانية)، إبان غزو العراق بمبرر امتلاكه "أسلحة الدمار الشامل"؟ فلا أسلحة للدمار الشامل بحوزة صدام، ولا رفاهية أو أمن للشعب العراقي حتى الآن...!! وما هو في اعتقاد، وفي نظر منظمة هيومن رايتس ووتش، واقع ومآل ومستقبل ترسانة "إسرائيل" الكيماوية، المدعومة من طرف أمريكا وحلفاء أمريكا، ومنذ زمن بعيد؟!! هل ابتذلت حقوق الإنسان من طرف منظمة "حقوقية" عالمية الى درجة توظيفها الماكر والمذل وبدون خجل لخدمة الامبريالية والرجعية والصهيونية و"شرعنة" إجرام هذا الثالوث البغيض؟!! بئس "حقوق الإنسان" والحال هذه، وبئس المنظمات "الحقوقية"!!
فلا أعتقد أن هذا السبق "الاستثنائي" محكوم بالمبدئية أو بحب الشعب السوري أو بالغيرة على حقوق الإنسان، خاصة إبان التلويح الأمريكي الجنوني بالضربة العسكرية لسوريا. إن هذا السبق لا يفهم منه غير محاولة إعطاء "الشرعية" للضربة العسكرية الأمريكية المحتملة، بل يعتبر دعوة صريحة لضرب سوريا، خاصة والتردد/الارتباك الأمريكي في ظل الضغط الدولي والشعبي.
إن التوقف عند هذا التقرير (صك اتهام مدفوع الأجر) لا يعني الدفاع عن النظام السوري، كما لا يعني الطعن المطلق في المنظمات الحقوقية. إن إجرام النظام السوري معروف ومكشوف من طرف أمريكا وغير أمريكا، الآن وقبل الآن، قبل ضرب العراق وبعده، وحتى قبل التطورات التي عرفتها كل من تونس ومصر وليبيا واليمن... ومن حق الشعب السوري الانتفاض، اليوم وغدا، ضد النظام السوري الجبان ومن أجل تقرير مصيره بدون تدخل أو تمويل أجنبيين، شأنه في ذلك شأن الشعب التونسي والشعب المصري وباقي الشعوب المضطهدة، ومن بينها بدون شك الشعب المغربي... وانتفاضة أي شعب لا تستحضر الامبريالية والصهيونية والرجعية، كعدو بمصالح استراتيجية مشتركة، لا يمكن اعتبارها خلاصا أو بداية خلاص لشعبها... ويستدعي الأمر مواصلة النضال والمقاومة من أجل بناء الذات المناضلة المعنية بقيادة نضالات شعبها وتضحياته..
أما المنظمات الحقوقية، فهناك الكثير مما يمكن أن يقال بشأنها. ولن أتردد في القول، وبكامل المسؤولية، إن العديد من هذه المنظمات لا يحمل إلا الاسم ولا تربطه أي صلة بحقوق الإنسان أو بالديمقراطية أو بثقافة حقوق الإنسان، سواء بمرجعيتها الدولية أو بغيرها (هيئات شكلية، لا تحترم الديمقراطية الداخلية: رؤساء دائمون، عدم تجديد المسؤولين عن الهياكل والأجهزة، لا أثر لمقاربة النوع أو الحكامة والشفافية في التسيير، وخاصة التدبير المالي...).
وأضرب مثالا بالائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان الذي أصبح يضم "بقدرة قادر" 25 هيئة حقوقية، وهي هيئات متضاربة المرجعية والمواقف، ومن بينها هيئات متهمة، بل متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، أو فيما يعرف ب"الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" (اغتيال الشهيد أيت الجيد بنعيسى). كما أنه لا معنى، وبأي مقياس، أن تكون هيئة ما تابعة لحزب حكومي، بل تابعة لحزب يقود الحكومة، وتدعي في نفس الوقت التصدي لسياسة ذلك الحزب. إنها مفارقة غريبة من المفارقات المغربية التي تضرب في الصميم حقوق الإنسان وتنتصر للعلاقات والزبونية السياسية... وربما المفارقة الأكثر غرابة هي القبول بهذه الهيئات والعمل الى جانبها والدفاع عنها (ربما بمبرر التضامن الحقوقي على قياس التضامن الحكومي!!).
إن النظام المغربي أدرى بهذه الحقيقة/المهزلة المرة، ويتعاطى معها كما هي، كمؤشر ناطق ومعبر عن الضعف والاستعداد للتجاوب من موقع الضعف مع أي مبادرة تكرس هيمنة النظام وتأبيد معاناة الشعب المغربي. إنه معروف لدى العادي والبادي أن الكثير من هذه الهيئات موجود فقط على الورق، ولا حضور له في الميدان بالنسبة للتربية على حقوق الإنسان أو متابعة وفضح والتنديد بالخروقات والانتهاكات التي تطالها. ويبقى هدفه الأول هو "الاستثمار" الفج من خلال استقطاب التمويل سواء الداخلي أو الخارجي وتوفير الدعم السياسي لبعض الدكاكين (الأحزاب) السياسية والرهان على تسلق المراتب من أجل الفوز بالمناصب المقوية للدخل واحتلال الكراسي الوثيرة الضامنة للحظوة وإثبات الذات والتقاعد المريح. وما يفضح أكثر هذه الهيئات الارتزاقية هو أولا لاديمقراطيتها وثانيا سكوتها "السياسي" غير المبرر "حقوقيا" عن قمع الأشكال النضالية (حركة 20 فبراير، الوقفات الاحتجاجية، الاعتصامات...) والإجرام الذي يلاحق المناضلين وخاصة منهم الطلبة والمعطلين والنقابيين، وصمتها بخصوص أوضاع السجون وخاصة أوضاع المعتقلين السياسيين وعائلاتهم (التعذيب والتضييق والاستفزاز...). وإذا كانت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمن حقوق الإنسان التي تنص عليها المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فما هو رأي، أو رد الفعل العملي لهيئاتنا الحقوقية، أو بالأحرى ائتلافنا المغربي لهيئات حقوق الإنسان، تجاه الزيادات المهولة في الأسعار والخرجات الوقحة الأخيرة للحكومة (الزيادة في ثمن مادة الحليب، المقايسة بالنسبة للمحروقات...)
وتفاديا لأي لبس، فالهيئات الحقوقية الجادة بالمغرب وخارج المغرب محسوبة على رؤوس الأصابع، ومن بينها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عبر تاريخها الحافل بالنضالات والتضحيات. علما أن أي فصل بين الحقوقي والسياسي أو بين النقابي والسياسي أو بين الثقافي والسياسي ليس سوى فصلا تعسفيا وفهما سطحيا، بل يعتبر موقفا سياسيا رجعيا مناصرا لاستمرار الأوضاع القاتمة وللنظام القائم. وتبقى الواجهة الحقوقية، في جميع الأحوال ورغم محدوديتها ورغم مرجعيتها البورجوازية، كما الواجهة الثقافية، حقلا للصراع والمواكبة والفهم من جهة، ومن جهة أخرى، بوابة مشروعة للتواصل النضالي الهادف الذي يتوخى التأثير في موازين القوى على كافة المستويات..
وعموما، فموازين القوى حاسمة في جميع المجالات السياسية والنقابية والجمعوية، وأساسا العسكرية. وصنع القرار وتصريفه مرتبطان دائما بواقع موازين القوى المحلية والجهوية والدولية.. وأي مسار في هذا المنحى أو ذاك، يبقى محكوما بمدى توجيه القوى السياسية الفاعلة، وليس الهيئات الحقوقية رغم قوتها، لموازين القوى المؤثرة في الصراع الطبقي بالدرجة الأولى...
ولنحذر في آخر المطاف حقوق الإنسان (مرجعية ومنظمات محلية ودولية)، إن حقوق الإنسان سيف ذو حدين.. إن حقوق الإنسان شعار بورجوازي (الديمقراطية، الحرية، العدالة، المساواة...) ضمن شعارات أخرى تهم مرحلة الثورة البورجوازية..
وللثورة الاشتراكية شعاراتها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض