الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجسيد الحداثة : العفيف الاخضر نموذجاً 2 من 4

اسماعيل شاكر الرفاعي

2013 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية




يقوم منهج العفيف الاخضر في رؤيته للظواهر الطبيعية والتاريخية على دعامتين هما : العقلانية والتاريخية ، فالعقلانية عنده تصل الى نتائج مشعة بتقديمها احداث التاريخ وظواهره على انها نتاج تفاعلات قواه الداخلية ، فمثلاً سقوط دولة بني أمية لم يكن نتيجة تدخل السماء لمعاقبة الامويين على اغتصابهم لحق العائلة الهاشمية في الحكم ( كما هو واضح من خطاب الدعوة العباسية بعد انتصارها ) بل راجع الى الدور الجديد الذي بدأت تمارسه شعوب الحضارات الزراعية القديمة في العراق وفارس والشام في ترجيح كفة الهاشميين في صراعهم ضد الامويين ، وهو الدور نفسه الذي ستمارسه شعوب شمال افريقيا من البربر والامازيغ في دعم ومساندة تأسيس الدولة الفاطمية ودول اخرى كالمرابطين والموحدين . والتاريخية عنده لا تصل الى نتائج معقولة ، ان لم تسقط من احداث التاريخ ما احاطها من غلاف اسطوري وتربط اسباب ولادة الظواهر بما سبقها ورافقها من معطيات . اذاً ، الوثيقة المنقاة من شوائب الاسطورة والخرافة والاعجاز الخارق للقوانين الطبيعية والبيولوجية هو ما فعله العفيف الاخضر في كتاباته السبعينية التي تمثلت بتخليص النص الثوري لماركس ولينين وتروتسكي وروزا لكسمبورغ من التأويلات الاسطورية التي سوقتها ، ذلك ان فعل الاسطورة في التاريخ يتمثل بالارتفاع بالنص من ظروف وملابسات بيئته التي تسببت في ولادته والتعالي به ليصبح صالحاً لكل زمان ومكان . وهذا بالضبط هو ما فعلته الاسطورة الدينية فيما يخص نصوصها المقدسة بدءً من ملحمة جلجامش السومرية ومروراً بملحمة الخليقة البابلية وشريعة حمورابي ثم نصوص الاديان السًامية الثلاثة . تخليص النص مما احاط به من قداسة واعادته الى شروط الحياة الحية التي انتجته هو ما فعله العفيف الاخضر في كتاباته السبعينية معيداً الحياة الى منطق الواقع لا منطق النص المتعالي ، ومعيداً اسبقية المحسوس والعياني على التجريد ، ليصبح الملموس هو قاعدة انتاج النص لا العكس . يرتكز هذا المنهج على اساسين من الوعي النقدي ، الاول: ــ يتمثل بتشييع النصوص التي فقدت صلاحية تمثيل الواقع الى مثواها الاخير في متحف التاريخ ، وهذا ما فعله العفيف الاخضر بكتابي لينين : " ما العمل ‘‘ و " خطوة الى الامام خطوة الى الوراء ‘‘ الذين بلور فيهما لينين نظريته عن المركزية الديمقراطية . انتهت كما يرى العفيف الاخضر صلاحية هذه النظرية بحلول الثورة الروسية 1917 التي شكل فيها العمال ومن ورائهم الجماهير الشعبية سوفيتات ، أي مجالس ، نظموا فيها انفسهم اثناء سقوط الامبراطورية الروسية ، معبرين عملياُ عن ديمقراطيتهم الخاصة . ظاهرة تنظيم الذات عبر مجالس انتشرت بشكل عفوي في طول الامبراطورية وفي عرضها استرعت انتباه المفكر لينين (تمييزاً له عن المفكرالحزبي ) الذي عدها ، أي المجالسية ، الاطار الديمقراطي البديل عن الشكل والآلية السائدة في الدولة البرجوازية وذلك في كتابه : " الدولة والثورة ‘‘ ناقضاً بمفهوم المجالسية مفهوم المركزية الديمقراطية . يشير العفيف الاخضر الى واقعتين : واقعة شعار " كل السلطة للسوفيتات ‘‘ الذي رفعه البلاشفة اثناء الثروة ‘ للتدليل على حيوية ملاحظتهم لما تفرزه ارض الصراع من ظواهر ، وواقعة تسمية الدولة بالاتحاد السوفياتي تعبيراً عن الاعتراف بحجم هذه الظاهرة وقوة تمسك المواطنين بها . اجبر استمرار الحرب الاهلية والتدخل الخارجي البلاشفة من عدم الارتقاء بمقولة المجالسية الى مستوى المقولة الاولى في الثقافة الثورية البلشفية ، والى اجبارهم على تركيز السلطة وحصر القرار بيد الحزب لوحده فأنجب ذلك ظاهرتي : الاختزال ، اي سقوط وتهميش رأي الامة لصالح تفرد الحزب بالقرار الذي سيقود عملياً الى تفرد سكرتيره العام به ، وهذا ما ادى في رأي العفيف الى ولادة ظاهرة الستالينية التي تكررت مع ماو في الصين ، مع كيم ايل سونكَ في كوريا ، مع كاسترو في كوبا ..الخ الذين تورطوا ، او ورطهم منهج احتكار القرار في ان يكونوا صورة جديدة لطغاة التاريخ . تكررت طاهرة الطغاة هذه في كل تجارب حكم الاحزاب التي تقوم علاقاتها الداخلية على مفهوم المركزية الديمقراطية . تمنع المجالسية في قراراتها الفيدرالية واللامركزية ولادة هذه الظاهرة نتيجة توزع الصلاحيات والقرارات على كل مقاطعات الامة التي سيصبح فيها مركز ثقل القرار قاعدياً لا فوقياً ، واتي ستزود قراراتها القيادة بمنافذ معلوماتية هائلة وتبعد شبح الارادوية في التنمية والتحديث التي كانت كارثية في الصين وفي الاتحاد السوفياتي . وهذا ما يعني على مستوى المفاهيم السقوط التاريخي لمقولة : نقل الوعي الى العمال من خارجهم ، بعد ان ثبت تاريخياً ان هذا الادعاء تحول في الممارسة العملية الى وصاية مجموعة افراد ثم وصاية فرد واحد على مجموع الامة . وهكذا قدم العفيف الاخضر مثالاً تاريخياً على كيفية اعادة الحياة لأفكار لينين اثناء الثورة ، اذ يرى العفيف الاخضر بان اطروحة لينين عن المركزية الديمقراطية تنتمي لفترة سابقة على الثورة كان لينين يخوض فيها صراعاً ثورياً مع الشق الثاني من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي من اجل ما كان يراه المبادئ الماركسية الصحيحة . لكن العمال في الثورة الروسية عبروا عن حكم انفسهم بانفسهم بطريقة تنظيم الذات في مجالس شكلت نقضاً عملياً لمفهوم الحزب الذي ينقل الوعي الى الطبقة من خارجها ، ونقضاً لتنظيم الحزب الداخلي المبني على اساس المركزية الديمقراطية الهرمي ، مثلما شكلت في طريقة الانتخاب المباشر للمندوب وعزله في اية لحظة نقضاً لمفهوم التفرغ ، وبذا تكون الطبقة العاملة قد تميزت بديمقراطيتها الخاصة التي تعبر عن شخصيتها التاريخية . الثاني : ــ يتمثل بان نزع القداسة عن اي نص : دينياً كان ذلك النص أو وضعياً ، هو تخليص لرقبة الواقع من حكم القيمة الذي تتميز به النصوص السابقة . فالنصوص السابقة هي بمعنى من المعاني تفكير سابق على ولادة الظاهرة الجديدة واملاء قيم ذلك التاريخ ونظرته الحقوقية والتشريعية عليها . انها تكميم لافواه الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين في الظاهرة الجديدة ومنعهم من التفكير بها ، وانتظار التأويل الصحيح للحزب الذي سيبحث عن سند لها في النص القديم فان لم ينجح في ذلك حكم عليها بالهرطقة والضلال . قوّض العمال ومن ورائهم الجماهير الشعبية في الثورة الروسية زاوية النظر الحقوقية والاخلاقية للبرجوازية ، وجاؤوا بديمقراطيتهم الخاصة ( أي المجالسية ) ، وهم في ذلك الفعل يشبهون فعل الطبقة البرجوازية لتي قوضت زاوية النظر الحقوقية والاخلاقية لمجتمعات القرون الوسطى الاقطاعية وجاءت بديمقراطيتها البرلمانية الخاصة . لنأخذ مثالا ً على حكم القيمة الذي تفرضه النصوص القديمة على الظواهر الجديدة من واقعنا ، ولنأخذ مثالاً على ذلك كتابات المفكر الاسلامي سيّد قطب . ففي كتابيه : " معالم في الطريق " و " تحت ظلال القرآن ‘‘ لم يدرس قطب واقع المجتمع المصري ويقارنه بما وصلت اليه المجتمعات المتقدمة من رقي في منتصف ستينيات القرن المنصرم ، ولذا لم يكن همه في هذين الكتابين هماً نهضوياً وتنموياً وتحديثياً بل كان هماً اخلاقياً ، ركز فيه على انحراف الظواهر الاجتماعية والثقافية والحقوقية الجديدة في مصر وفي الغرب الاوربي ، وخاصة في امريكا التي كان قد زارها : انحرافها عن أحكام القيمة التي يتضمنها النص القديم الموروث ، والذي كان يشكل بالنسبة اليه منظومة فكرية مقدسة لا يجوز الانحراف عن أوامرها ونواهيها . فاستل بوجه هذه الظواهر الجديدة سيف الادانة ، وكانت التهمة جاهزة : الهرطقة والبدعة والضلالة ، وهو ما يستوجب فقهياً تصفيتها واجتثاثها بالسيف . لقد حاكم سيد قطب المجتمع المصري في منتصف القرن العشرين بنص تنتمي ولادته الى ما قبل 14 قرناً ، وفي سياق تاريخي قبائلي لعب فيه الغزو دوراً اساسياً في صياغته مفهوماته الاساسية عن الكون والحياة وعن دور ووظيفة الانسان في الحياة ، اذ كان الوعي الحقوقي السائد بين قبائل وحواضر شبه الجزيرة العربية يبيح تحقيق الثروة والغنى عن طريق الغزو ، أي عن طريق نهب ممتلكات الآخرين ، لا عن طريق الانتاج الزراعي والحرفي ، والذي استنسخه النص القرآني وجعله زاوية نظره الاساسية عن كيفية تجميع الثروة والغنى . وكانت التجارة هي المفهوم الثاني الذي تحكم بصياغة النص وهي تجارة متواضعة وبسيطة مقارنة بالتجارة الحديثة ، وكانت تتألف في معظمها مما تنتجه الطبيعة من اعشاب ولبان ومسك ، وتضم القدر اليسير من سلع الحرفيين اليدوية او من الحبوب المنتجة زراعياً ، وقد اخذ النص القرآني بالمعنى الذي كرس زاوية النظر هذه وهو يقسم بالمغيرات صبحاً ( أي بالخيول ) . وعبّر الحديث النبوي عن هذا المعنى حين ربط تحقق الثروة والغنى بحوافر الخيول المغيرة لا بالانتاج او بتحويل المواد الاولية . لم يستطع النص القرآني تجاوز اطار عصره فيما يخص عملية تراكم الثروة وتحقيق الغنى . تجيز المنظومة الفكرية لمجتمعات البداوة والرعي : تحقيق الثروة عن طريق الغزو والاستيلاء عليها بقوة السيف ، وقد استوحى الشعراء هذا الفهم الخاص لطريقة الحصول على الثروات ، فرسم وعيهم الجمالي مفهوماً للبطولة من نوع خاص ، يخلوا من التساؤل القلِق حول مشروعية نهب ممتلكات ونساء واطفال الآخرين ، ورسم لوحة زاهية لاولئك الذين ينتصرون في غزواتهم وطوبهم كابطال . معنى القوة والاغتصاب هو الذي يخترم النص الذي قاس به سيد قطب واقع المجتمع والدولة في مصر في نهاية منتصف القرن العشرين ، والذي اضطره الى رفض كل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لا تتضمن معنى الاغتصاب والفرض بالقوة ، ولان الواقع المصري يومذاك كان نتيجة لتطور تم بمعزل عن النص المقدس ، اذ تدخلت في صياغته عوامل كثيرة خارجية ( بدءً من غزو نابليون لمصر ومروراً بالاحتلال البريطاني ) وداخلية ( تحديث محمد علي باشا للدولة المصرية ، واصلاحات حفيده اسماعيل الخديوي ، ثم قرارات جمال عبد الناصر في الاصلاح الزراعي ومجانية التعليم ) فأن مهمة سيد قطب في كتابيه كانت مركزة على ادانة وتجريم الظواهر الجديدة التي تطورت بمعزل عن اوامر ونواهي النص القديم . وهو الشئ نفسه الذي حدث مع نظرية ولاية الفقيه بعد الثورة الايرانية التي اعادت ترتيب الدولة بما يؤمن سيطرة الفقيه المطلقة على مفاصلها ، اعتقاداً من هذه النظرية بانها تعيد ترتيب الواقع الرسمي والمجتمعي بما يتطابق مع ما كانت عليه دولة الرسول في المدينة قبل 14 فيكون الحق للفقيه في ان ( يلي من الناس ما كان الرسول يلي من انفسهم ) حسب تعبير كتاب ( الحكومة الاسلامية ) لقائد ومنظّر الثورة الايرانية : آية اللّه الامام الخميني . نقد العفيف الاخضر يؤكد مصداقيته بعد احداث الربيع العربي الذي كشف بوضوح عن تلك الاجندة السرية التي تضمرها الاحزاب الاسلامية التي فازت في الانتخابات ، والتي لم يكن همها انتشال بلدانها من تخلفها وفساد نخبها واجهزتها ، ووضع الخطط التنموية لتحديث الدولة والمجتمع في آن معاً ، بل كان همها تقليم ظواهر الواقع الجديدة لكي لتطابق مع النص القديم ، وهو ما ادى الى عزلة هذه الاحزاب وانكماش جماهيريتها ، وبروز ظاهرة الثورة الثانية التي عبر عنها الشباب المصري في 30 حزيران ، وربما الثالثة والرابعة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دخان كثيف بعد غارة جوية إسرائيلية شرق مدينة غزة


.. اللواء فايز الدويري: مرحلة -ج- تعني مرحلة المداهمات والمقاوم




.. بزشكيان لحسن نصر الله: إيران كانت داعمة للمقاومة ضد الكيان ا


.. -ناسا- تعلن انتهاء أول تجربة طويلة لمحاكاة الحياة على كوكب ا




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | احتفالية تتسبب بأزمة دبلوماسية ومقابل