الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخوف من الأصولية الإسلامية.. وهم أم حقيقة؟!

نبيل علي صالح

2013 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


بات الكثيرون اليوم من أهل السياسة والرئاسة والثقافة في الغرب والشرق، يصرخون عالياً من هيمنة التيارات الدينية، ويشتكون من مارد الأصولية الإسلامية، أو من غول الأصوليين ووحش السلفيين والتكفيريين... فهل هناك مبررات لهذه الشكوى التي بلغت حد المرض النفسي لدى هؤلاء؟ أم أن هناك دوافع سياسية وراء صيحات التخويف من هذه الظاهرة التي تفجرت وامتدت وتجذرت على نحو عميق في تربة مجتمعاتنا العربية والإسلامية بعد انتصار الثورة الإيرانية في العام 1979 التي استلهمت كثيراً من أفكار وطروحات الإسلاميين السنة في الحكم والسلطة؟!!..

ولكن بالمقابل:
ماذا فعلتم وقدمتم أنتم أيها المشتكون الخائفون، طيلة عقود من الزمان كنتم فيها على رأس الحكم (وبعضكم لا يزال)، ولم يكن أحد حينئذٍ ينغص عليكم مسؤولياتكم ومهامكم وأعمالكم وصنعكم للقرارات المصيرية التي تهم مختلف شؤون وتدبيرات وتنظيمات المجتمع والدولة عموماً؟!!..
ماذا فعلتم لمعالجة هذا الخلل البنيوي السياسي والاجتماعي البائن الذي أدى إلى نشوء بذور التعصب الديني والأصولية وتحولها إلى حالة وظاهرة واقعية حية وقوية ومتجذرة في واقعنا؟ ثم ماذا قدمتم للتخلص نهائياً من بؤر الحركات السلفية والتكفيرية؟ هل نشرتم العلم والعقلانية وأسس وركائز المنهج العقلي والعلمي في مجتمعاتنا التي أسميتموها "متخلفة" (كنتم أنتم مسؤولين عن تخليفها)؟ أم أنكم ساهمتم من خلال فشل حداثتكم المغدروة القشرية والقسرية الكسيحة في تهيئة الظروف المجتمعية لنمو وتعملق ظاهرة الأصولية الدينية؟ أين العلم والتنوير والحداثة العقلية، والمعرفة والتنمية وبناء المجتمعات والأوطان على أسس متينة من التقدم العلمي والاقتصادي؟! أين هي مواقع العدالة والحرية والمساواة والكرامة والإنسانية والمشاركة الفعالة والمنتجة التي وعدتم الناس بتحقيقها، والناس صدقتكم وأعطتكم للأسف ثقتها، وصوتها، وضحت بمالها وأولادها ومستقبل أجيالها على هذا الطريق..

في ظني أن حجر الزاوية في الموضوع كله هو أن معالجة التطرف والإرهاب (وبالتالي إيجاد حل عملي وواقعي جذري ونهائي لمشكلة التيارات التكفيرية والسلفية التي باتت ذريعة للقمع والاستبداد وإلغاء الحريات وتكبيل إرادات الناس ومنعها من تحقيق طموحاتها في الحرية والكرامة والعدالة من قبل رموز الحكم العلماني العربي المستبد والفاسد) لن تكون ذات قيمة ومعنى وجدوى، ولا تنجح ولن تنجح إلا بمعالجة أسباب التطرف بعد تشخيص حقيقي لدوافعه وعلله "البدئية" الأولى، وليس فقط معالجة نتائجه ومآلاته النهائية المعروفة للجميع والتي باتت خطوطاً وعناوين عريضة تتكرس أمام أعيننا يومياً على الشاشات وفي المنتديات والمجالس والمؤتمرات وغيرها.. فبذور التعصب والتطرف الفكري والعقائدي والتشدد بالرأي والقناعات و"التحزبيات" الضيقة لا تنمو ولا تنشأ ولا تقوم وتتقوى إلا في أرضية القمع السياسي والأمني والعسكري، ولا تتضخم إلا في تربة الفساد والظلم والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي وشعور الناس بأن حقوقهم مهدورة..
ولهذا لو عولج هذا الجانب بصورة صحيحة وعلمية مدروسة من قبل أصحاب القرار أنفسهم بالتعاون مع مؤسسات وهيئات المجتمع المدني، ومراكز التنوير الدينية والعقلية (في حال لو كانوا عملوا على إيجادها بالطبع!!)، فمن أين سيأتي التطرف وينمو الإرهاب؟، وكيف كانت ستنمو بذور السلفية والتكفيرية؟! خاصةً مع وجود تجارب واضحة في هذا الاتجاه.. حيث رأينا كيف نجحت مجتمعات ونظم سياسية إسلامية "متدينة" في تحقيق تنمية سياسية واقتصادية، مع وجود جماعات ورموز وتيارات دينية وقوى راديكالية وتنظيمات إسلامية متشددة جداً فيها، حيث تمكنت تلك النظم السياسية المنفتحة والمفتوحة على شعوبها (والتي لا تورث السلطة والحكم والعروش والثروات والموارد ، ولا تركز السلطات والقرارات بيد شخص أو نخبة متفردة واحدة) من السيطرة على (أو على الأقل الحد من خطورة) بؤر التطرف الديني عندها؟!... فماذا فعلت؟ قامت بتمكين مجتمعاتها سياسياً بنشر ثقافة الديمقراطية إلى حد ما، ولو بحدودها الدنيا، وانفتحت على التداول السلمي للسلطة، وقامت بتنمية مجتمعاتها اقتصادياً، حيث راكمت تجارب إنتاجية كبيرة، رفعت من خلالها من معدلات نموها الاقتصادي، كما حدت من الفساد، وضيقت مواقع الظلم إلى أدنى حدوده الممكنة، وزادت من دخل الفرد سنوياً..

ولكن عندما يرى "الفرد-المواطن" على أرض الواقع في بلاده أن سلطاته الحاكمة انفتحت عليه، وشاركته في السلطة والثروة والقرار، ووفرت له مناخات العمل الاقتصادي ليستثمر طاقته ومواهبه وخبراته، ليعمل ويشتغل ويقدم في بلاده وليس في بلاد الهجر والاغتراب.. وأن عمله وإنتاجيته لا تذهب هباء منثوراً، بل يراها أمام ناظريه صناعة وتجارة واستثمارات ومنتنوعة وخدمات فعال راقية ورفيعة، وتنعكس على جيبه واقتصاده اليومي إيجاباً، وأن بلده توفر له خدمات وترفع من معدلات الناتج القومي.. عند ذلك كله، وفي ظل نمو اقتصاد الرفاه، واقتصاد الخدمات والاستثمار، وتطبيق القانون والنظام العام على الجميع، وتحقيق نسبة مهمة من العدالة الاجتماعية، مع رفع مستوى معيشة ودخول مواطنيها، ومشاركتهم بالثروة والمورد كما قلنا... فمن أين سيأتي التطرف والتعصب؟ وكيف ستنمو السلفية والتكفيرية؟.

حقيقةً، الناس في مجتمعاتنا ملت من تلك الاسطوانة "الأصولية" المشروخة، وباتت تضحك في سرها وعلانيتها من إصرار الحكام (وسادتهم من الغرب والشرق)، على التنغيم والعزف الدائم إعلامياً وسياسياً على تلك النغمة.. كما أن الناس ملت وكفرت بتلك السياسات الفوقية القسرية، وبالثورات والربيع وغيره...

الناس تريد حلولاً واقعية مادية، ونتائج حقيقية عملية لا نظرية لأزماتها ومشاكلها المعيشية الضاغطة والخطيرة للغاية.. الناس تريد حلاً لمشكلة الفشل في إدارة الثروات والموارد، ومشكلة إدارة الفقر الاجتماعي التي أوصلتنا إليها نظمنا الوطنية التحديثية الشعاراتية "العظيمة" التي فشلت حتى في تحقيق بند واحد أو هدف واحد من أهدافها وشعاراتها المعروفة.. بل راكمت على مديات زمنية طويلة من سني حكمها العقيم، تجارب فاشلة مكلفة ومدمرة، كرست نقيض تلك الشعارات تماماً..

وهذا قانون عام اجتماعي يسري دوماً وأبداً، حيث أنه مع تزايد ضغوطات الحياة وهموم المعيشة على أفراد المجتمع، وتعمق حالة البؤس والإحباط لدى الناس مع فشل نماذج الحكم العتيدة القائمة في التنمية وتحقيق العدالة، والإصرار على الفساد والقمع والاستبداد، كل هذا سيكون أكبر مولد لردود الأفعال المجتمعية السلبية أو الإيجابية من احتجاجات أو ثورات، حتى أنه يمكن أن يفجر في وجوهنا جميعاً تيارات غاية في الإرهاب والتعصب والأصولية.
لكن المشكلة أن حكامنا فشلوا، بل أدمنوا الفشل، ولم يدركوا بعد أن السياسة حكمة ووعي وخبرة، وهي لا تبنى بعقدة الانتقام، ولا تدار بغريزة الثأر والحقد الأعمى على الوطن وأبناء المجتمع أو التعامل مع الأجنبي الغريب ضد الشعب... بل تتقوم السياسة بالعقلانية والرشد السياسي والحكمة والخبرة كم قلنا، وتتصلب بالتوازن والتوافق والتضحيات والحفاظ على مصالح الناس والمجتمع قبل أية مصالح شخصية هنا وهناك..

وللأسف لا تزال شعوبنا هي التي تدفع أثمان كل مناخات وأجواء التعصب والأصولية واحتقانات التغيير والصراعات السياسية وغير السياسية، أولاً من حاضرها وطاقاتها الطبيعية (مواردها وثرواتها)، وثانياً من طاقاتها البشرية الهائلة، وثالثاً من مستقبل أجيالها اللاحقة التي ستواجه أزمات كبيرة في تأمين سبل ومنافذ عيشها "الآدمي" الحقيقي البسيط... أما من أشعل الصراعات وفجر بؤر التطرف والأصولية، وأشعل الحروب الدموية العنيفة فهو غالباً المستفيد الرئيسي على كل المستويات والأصعدة.. لأنه يتاجر بدماء وأموال وثروات وموارد الناس حتى في مثل هذه الظروف السيئة والمعقدة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة