الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية والنظام

ابراهيم العزب

2013 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


بسم الله الرحمن الرحيم
الهوية . . . والنظام
تواصلا مع ما كنا قد انتهينا إليه في كتابة سابقة من أن الدستور المعطل ليس سوى نسخة ملفقة من دستور السادات ، الذي حكمنا به مبارك،ثم رتق الإخوان ما تلف منه ليكون على مقاس دولتهم أو خلافتهم
وما كنا قد أكدنا عليه من أن التعديلات التي أجرتها لجنة - العشرة الخبراء - على هذا الدستور ما هي إلا إعادة توضيب (لم تكن فنية تماما) بالتخلص من بعض الزوائد وإحكام بعض العبارات أوضبط بعض الألفاظ
وما كنا قد خلصنا إليه من أنه قد حان لثورة يناير أن تضع دستورها ، وأن القواعد الموضوعية الحاكمة للتطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأخيرة لا تتيح خيارا أخر إلا أن يكون الطوفان وبغير عاصم
فقد جلسنا الآن وبين أيدينا نسخة من الدستور المعطل وصورة من مسودة التعديلات- التي أدخلها العشرة- وقررنا أن نجرى عليهما عمليتين عاجلتين ، أولاهما ، مقارنة سريعة بينهما لنقف على حقيقة تلك التعديلات ومداها أن وجدت ، وجدواها إن صحت ، ولنرى قدر ما يمكن قبوله منها أو رفضه وأسباب ذلك
وثانيتهما هي محاولة لطرح الإشكاليات المثارة مجددا على ضوء مطالب الثورة وأهدافها – فيما نقدر ونظن – متكاملة مع الأجدر من الرؤى والمصالح الاجتماعية الأخرى ثم إعادة صياغة النصوص وضبطها
وسوف نقصر حديثنا في تلك الجلسة – لاعتبارات عدة – على الفصل الأول من الباب الأول من الدستور وهو المعنون ( المقومات السياسية ) والمقصود بالمقومات هاهنا هو المكونات الأساسية والأجزاء الرئيسية والملامح والقسمات الخصوصية ، وهو ما عرف في سجالات الفضاء السياسي العام بمفهوم الهوية ، وفى مجال تفصيله لهذا المفهوم وضع الدستور المعطل سبع مواد شملت تعريفا بمصر في مادة أولى ، ثم دينها ولغتها ومصادر تشريعها في مادة ثانية ، ثم إقرارا بتعدديتها الدينية ، وإشهارا للأزهر كهيئة مستقلة جامعة ، وإعلانا عن سيادة الشعب ، وتعريفا بالنظام السياسي للدولة ، وتقريرا في مادة أخيرة بإجبارية التجنيد والدفاع عن الوطن ، وكانت السمات العامة الحاكمة لصياغات هذه المواد هي الركاكة والإطناب والضحالة والافتقاد إلى الضبط ، ويبدو أن لجنة التعديلات قد قررت محاذاتهن بسبع مواد مثلهن ومجاراتهن أيضا في الفكرة والمفهوم والأسلوب ، ولا ينفى ذلك بعض التعديلات التي أجرتها عليهن بالحذف والإضافة ، ومن ذلك مثلا إزاحتها للمادة الخاصة بالتجنيد والدفاع عن الوطن إلى موضع خارج هذا الفصل واستدعاءها لمادة الجنسية من موضعها إلى داخل الفصل ، وقد أبقت اللجنة على المادتين الثانية والثالثة الخاصتين بمبادئ الشريعة الإسلامية وشرائع اليهود والمسيحيين كما هما دون تعديل وبذات الصياغة والألفاظ ، وأضافت إلى المادة الخامسة الخاصة بالسيادة إضافة لفظية غير مؤثرة هي كلمة (وحده) لتصبح عبارة النص هي ( السيادة للشعب – وحده – وهو مصدر السلطات ) وواضح أن الغرض من هذه الإضافة اللفظية هو العودة بالنص إلى أصله الذي كانت التيارات الإسلامية قد رفضته بمقولة أن السيادة لله وحده وأن الشعب يمارسها فقط ، كما أدخلت تعديلا بالحذف على المادة الرابعة الخاصة بالأزهر الشريف حيث حذفت الفقرة الخاصة بأخذ رأى هيئة كبار العلماء في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية وأبقت على الصياغة الخاصة باستقلال الأزهر كهيئة جامعة وانتخاب شيخه وعدم قابليته للعزل ، وأما المادتين الأولى وهى الخاصة بالتعريف والهوية والسادسة وهى الخاصة بالنظـــــــــام
السياسي فقد عدلتهما بالحذف وأعادت صياغتهما لتخليصهما من الإطناب ، وهكذا يبين بوضوح أن السمة العامة لهذه التعديلات هي وحدة الرؤية والمفهوم وان اختلف الأسلوب والمنهج ، وهكذا فإننا استنادا إلى تلك الإطلالة العاجلة نرى أن هذا الفصل في حاجة إلى إعادة تكييفه بما يزيل عنه غموضه ويضبط أحكامه ، وينتشله من وهدته ليواكب طموحات هذا الشعب الثائر دوما ، وانطلاقا من هذا الفهم فان المواد الخاصة بالجنسية ، والسيادة ، والأزهر ، ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وكما هي عليه حاليا بالمسودة في غير حاجة إلى ثمة تعديلات ويمكن اعتمادها بحالتها ، على الرغم مما يثار من جدل حول الفقرة الخاصة بمبادئ الشريعة في المادة الثانية ، أما المواد الثلاث الأخرى فهي الأساس وهى الإشكالية إذ المادة الثالثة مثلا تقف مضطربة قلقة على أعتاب إشكالية التعددية الاجتماعية التي تعنى فيما تعنى تعددية مذهبية ودينية ولغوية وعرقية وما إلى ذلك ، فالمادة تتحدث فقط عن مصادر التشريع لأصحاب الديانتين السماويتين الاخريتين ، ولا تقترب مثلا من التعددية المذهبية ، ولا الدينية بمطلقها ، ولا اللغوية ولا تجيب عن سؤال حول مدى أحقية لغة محلية كالنوبية مثلا في الحياة كأداة ثقافية لأصحابها ، وهكذا تظل المادة قاصرة عن الانطلاق بالمجتمع إلى رحاب المجتمعات الحديثة ، الأمر الذي لم يعد في مقدور البلاد أن تحتمل تبعاته ، ولا ريب أن هناك حاجة ماسة لطرح حلول دستورية هذا وقتها ، وقد تتمثل في صياغة مادة مستقلة خاصة بالمواطنة تتولى تعريفها وبيان أبعادها وتفصيل أحكامها ، ذلك أن كل هذه التعددات ما هي سوى مفردات مكونة لعبارة جامعة هي مفهوم المواطنة ، وقد بات ملحا أن يتصدى الخمسون المختارون لقدرهم وأن يتقدموا لوضع هذه المادة الآن ، وان كنت شخصيا يحيطني شك عميق حول قدرتهم على فعل ذلك ، أما المادة الأولى فهي الموضع الحقيقي لمفهوم الهوية وهى التي تتصدى للتعريف بمصر ومكوناتها وخصائصها وملامحها وما إلى غير ذلك ، والملاحظ في شأنها أن كلا من النص المعطل والنص المعدل قد فشل في القبض على جوهر الحالة المصرية ، فراح يطنب في غير موضوع ، والأفدح هو ترديهما في وهدة الركاكة واللامعنى ، فهما يتحدثان عن مصر كدولة مستقلة وذات سيادة وموحدة وغير قابلة للتجزئة ولا للتنازل وهذه جميعها ليست سمات مصر ولا ملامح شخصيتها وإنما هي تخوفات ومخاطر تحيط بها ليس الدستور مجالا للحديث عنها ، والنص الاصلى يتحدث عن جزئيتها للعالمين العربي والاسلامى واعتزازها بانتمائها الافريقى والاسيوى والانسانى عامة في ركاكة فجة وخلط فادح بين المعاني والمفاهيم ، ثم يأتي النص المعدل ليتابعه في ذات الخلط ، وينفرد عنه بالقصور فيقرر بأن مصر جزء من العالمين العربي والاسلامى ويتوقف متنكرا مرة أخرى لأصلها الافريقى والواقع أن مصر هي ذات متفردة لا مثيل لها بين دول العالم ، ولا تجتمع سمات الحسن فيها لغيرها وان شاركها آخرون في بعضها ، وهذه السمات هي وحدها المكونة لهويتها، ولهذا نقترح أن يصاغ النص هكذا
( جمهورية مصر العربية دولة مدنية ، ذات شخصية حضارية مركبة بداية من الحضارة الفرعونية وانتهاءا بالحضارة الإسلامية ، وهى جزء من القارة الإفريقية والعالم العربي ، وتقع ضمن دول حوض النيل وحوض البحر الأبيض المتوسط ، وتنتمي للعالم الاسلامى ) وهذه القسمات هي ما نظن أنها المكون الجوهري للدولة المصرية والتي لا تجتمع مطلقا لأية دولة أخرى، ونأمل أن تحظى بنقاش مجتمعي موسع
وأما عن المادة السادسة وهى المتعلقة بالنظام السياسي للدولة ، فقد عانت أشد المعاناة مما يمكن وصفه بالهلامية الفكرية ، التي حالت دونها وبين تحديد معالم النظام السياسي وإنما راحت تتحدث عن مفرداته وعناصره على نحو ركيك وممل وغير جامع ولا مانع في النص الاصلى ، وفى إجمال مخل وغامض وقاصر عن البيان ومتقاعد عن الوضوح والتحديد في النص المعدل ، وهذه صياغة مقترحة للنص تحاول أن تتجاوز تلك المآخذ قدر الطاقة والإمكان ( مصر ، جمهورية ، نظامها السياسي رئاسي – أو برلماني ،
أو رئاسي برلماني – يقوم على أساس الديمقراطية السياسية والاجتماعية ، ويستند إلى مبادئ المواطنة ، والفصل بين السلطات وتوازنها ، والتعدد الحزبي ، والتداول السلمي للسلطة ، وتكافؤ الفرص ، والعدالة الاجتماعية ) وأخرا فهذه رؤيتنا وهذا هو ما أدانا إليه اجتهادنا ونأمل أن يكون خالصا لوجه الله والوطن .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير