الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدخل الروسي في الشرق الاوسط سببه وتداعياته على المشهد السياسي العالمي

يعقوب القصاصفة

2013 / 9 / 14
السياسة والعلاقات الدولية


ابتعدت روسيا وحتى وقت قريب عن الاهتمام بالسياسة الخارجية والتدخل في المشهد السياسي العالمي وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، رافق ذلك تصاعد في النفوذ الغربي بشكل عام والامريكي بشكل خاص. والمفاجئ هنا ان هذه الغيبوبة الطويلة وهذا السبات الشتوي العميق والبرود السيبيري الذي ألمَّ بهذا الدب الروسي انتهى وبشكل مفاجئ في ظل تغيرات وصحوة عربية عرفت بالربيع العربي، جَرت العالم ومنطقة الشرق الاوسط الى فوضى سياسية عارمة لم تتضح معالمها بعد. هذه التطورات الاخيرة في منطقة الشرق الاوسط لم تحدث ربيعاً سياسياً في المنطقة العربية فحسب وانما وكما يبدو افرزت ربيعاً روسيا ًيظهر جلياً في التدخل الروسي القوي في السياسة العالمية متخذة من الوضع السوري مسرحاً لذلك.
والسؤال هنا ما سبب هذا الصحوة المفاجئة بعد هذا السبات الشتوي العميق ؟ وما مصلحة روسيا في ذلك؟ وما نتيجة ذلك على الخارطة والمشهد السياسي العالمي؟ وهل لعبة التوازنات ستعود من جديد ؟ وهل العالم مقبل على حرب باردة ثانية؟
يمكن تلخيص الإجابة على هذه التساؤلات فيما يلي :
اولاً: تمادي الولايات المتحدة الامريكية في الفترة الأخيرة في تصرفاتها وتدخلها الجائر في الشأن العالمي، تارة في افغانستان وتارة في العراق واخرى في كوريا الشمالية و ايران وليبيا واخيراً في سوريا، أثار قلق روسيا من أن يخرجه الغرب والولايات المتحدة الامريكية من كل مواقع التأثير الجغرافي .
ثانياً : تسعى روسيا اليوم الى تعويض جميع هزائمها في مواجهة الغرب وأميركا وذلك باتباع سياسة فرض الهيبة ورد الاعتبار، و الاثبات للعالم ان روسيا اليوم ليست اقل شاناً وقوة من امريكا، ومن حقها التدخل في السياسة الدولية، واستعادة الدور الذي فقدته في الحرب الباردة وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي والمتمثل في المشاركة مع أميركا في ادارة النظام العالمي.
ثالثاً: الاهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط "سوريا وتركيا وايران" بشكل خاص، فروسيا وبالرغم من اتساع مساحتها 17 مليون كم2 ليست لها منافذ بحرية مفتوحة، فمن جهة الغرب تطل مدينة بطرسبرغ على بحر البلطيق الذي يفصله عن بحر الشمال مضيق أوريسند، جنوباً تطل موانئ روسيا على البحر الأسود الذي يفصله عن البحر الابيض المتوسط مضيقا البوسفور والدردنيل في تركيا، وشرقا تعد مدينة فلاديفوستك الميناء الأهم لروسيا على بحر اليابان والمحيط الهادي ولكن نظرا لقربها من المدار القطبي فروسيا عموما تعاني من عجز الإطلالة على مياه دافئة طوال العام. وهذا ما يتطلب ان تكون هنالك قوة بحرية مساندة. تدفع هذه المحددات الجغرافية بسياسة روسيا الخارجية الى الرد على التدخل الامريكي والاوروبي في منطقة الشرق الاوسط، فالتدخل الامريكي في سوريا يهدد الوجود الروسي في البحر الابيض المتوسط وكذلك التدخل الامريكي في ايران يهدد وصول روسيا الى المحيط الهندي، أما سوريا وميناء طرطوس فلها أهمية أخرى وخصوصاً في العلاقة الروسية التركية والتي تتحكم بالممر الذي يربط روسيا بافريقيا وجنوب اوروبا والشرق الاوسط.
رابعاً: سياسة فلاديمير بوتين الجديدة، حيث اتبع نهجاً يختلف عن الرئيس الاسبق بوريس يلتسين وخصوصاً في الشأن الخارجي، حيث تعامل يلتسن مع السياسة الخارجية بشكل لايتناسب مع المصالح الروسية.
هذا الغياب الروسي عن الساحة العالمية سمح بتوسع الاتحاد الأوروبي والإصرار على نشر الدروع الصاروخية الأميركية في أوروبا، مما شكل خطراً على نفوذ روسيا الإستراتيجي في الغرب. وقد ادرك بوتين خطورة ذلك، ففي حزيران 2012، قام بزيارة بيلاروسيا وكازخستان وأوزبكستان والصين ضمن أول جولة خارجية له بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثالثة. وذلك بهدف تقوية الوجود العسكري الروسي .
خامساً : الأهمية الاقتصادية للشرق الاوسط والمتمثل بالنفط العربي، حيث تسعى روسيا الى تحجيم النفوذ الامريكي والغربي في دول الخليج، على الرغم من ان روسيا من اهم الدول المصدرة للبترول الى ان تكلفة استخراجه عالية، حيث سعت في الآونة الاخيرة الى توطيد علاقاتها مع دول الخليج العربي بهدف تحقيق نوع من الاستقرار في السوق العالمي للنفط .
كل هذه الاسباب دفعت بروسيا الى التدخل في الشأن السوري وبهذه القوة، ليس خوفاً على سوريا و الأسد بل لحماية مصالحها والمتمثلة بالوجود في المتوسط، اضافة الى عرقلة المخطط الامريكي في المنطقة والهادف الى ضرب أيران وبالتالي تهديد امكانية وصول روسيا الى المحيط الهندي وهكذا ستنجح الولايات في عزل روسيا وتقويض نفوذها في منطفة الشرق الاوسط وهذا السيناريو الذي رفضته روسيا ، وتسعى بدورها الى حرف مساره.
كما هو معروف ان روسيا كانت وما زالت قوة عسكرية عظمى الّا أن تعثرها الاقتصادي في العقود الاخيرة كان سبباً في تراجعها في ميدان السياسة الخارجية، الّا أن تغير النهج الاقتصادي فيها من الاشتراكية الى الراسمالية أدى الى تحسن وضعها الاقتصادي، وهذا ما يحتاج الى استغلال الاسواق العالمية، فمنطقة الشرق الاوسط تعتبر من اهم هذه الاسواق والتي تحاول الولايات المتحدة الامريكية السيطرة عليها بالكامل .
هذا التضارب في المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية اليوم، في ظل تنامي النفوذ الروسي، يشكل حرباً يمكن وصفها بالحرب الباردة الثانية، والتي يمكن أن تحقق نوع من التوازن على صعيد السياسة العالمية وذلك من خلال تحجيم الاحادية الامريكية، وقد يكون لها تأثير كبير في صياغة شرق أوسط جديد بعد ربيع عربي تحاول امريكا جاهدة الى تحويله الى خريف عاصف يقضي على الوطن العربي ويضمن الوجود الامريكي والاسرائيلي في المنطقة .
وفي الختام يمكن القول أن روسيا قد عادت الى قلب العملية السياسية في الشرق الأوسط، وها هو فلاديمير بوتين استطاع ان يعيد الوجود الروسي في البحر الابيض المتوسط بعد غياب يزيد عن 20 عاماً، كما استطاع سحب البساط من تحت قدمي أوباما وجهوده في تشكيل ائتلاف يدعم العملية العسكرية ضد النظام في سوريا . فالحرب الباردة التي يخوضها بوتين ضد الولايات المتحدة الامريكية قد تساهم في تغيير المشهد السياسي العالمي في المستقبل القريب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر إسرائيلية تتحدث عن مفاوضات جديدة بشأن الهدنة في غزة


.. شاهد| مسيرة في شوارع دورا جنوب الخليل ابتهاجا بخطاب أبو عبيد




.. مقتل طيار بالقوات الجوية البريطانية بعد تحطم طائرة مقاتلة


.. دمار هائل خلفه قصف روسي على متجر في خاركييف الأوكرانية




.. حكومة السلفادور تلعن نشر آلاف الجنود لملاحقة العصابات