الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتصرت روسيا وإيران، أما سوريا فلا

ناجح شاهين

2013 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



مركز بيسان للبحوث والإنماء
لم أر القيادة الأمريكية في حالة إرباك منذ ثلاثة عقود أبداً. لقد بدت القيادة الأمريكية واثقة الخطى بكل ما في الكلمة من معنى منذ أن فاز ممثل السينما راعي البقر العنيد رونالد ريغان في انتخابات العام 1980 مقصياً الرئيس الديمقراطي كارتر الذي فيه على كل حال بعض الملامح التي تذكر بخلفه الأسمر أوباما. فجأة في هذه اللحظة التي تمخر فيها قطع البحرية الأمريكية عباب المتوسط تبدو الولايات المتحدة في أضعف حالاتها منذ نهاية الحرب الباردة. وربما علي أن أقول منذ نهاية الحرب الكونية الثانية. تعلن الولايات المتحدة على رأس أعلى مسؤول فيها أنها ستضرب دون إبطاء لأن النظام السوري اجتاز الخط الأحمر في مسألة استخدام الكيميائي. ليس المهم في هذا السياق أن يكون النظام قد استخدم الكيميائي أو لم يستخدمه، تماماً مثلما هي الفكرة أنه ليس المهم أن صدام حسين كان لديه نووي أم لا. وربما أن العكس على الأرجح هو الصحيح: إذ لو كان لدى العراق أسلحة دمار فعلية وفاعلة لما تمكن أحد من الاعتداء عليه، ناهيك عن احتلاله وتدميره وإعادته عقوداً كثيرة إلى الوراء. ولا بد أن سوريا في وضع مشابه من نواح عدة. المهم هنا ليس دقة المعلومات أو مصداقيتها. المهم هو ببساطة شديدة أن الرئيس الأمريكي الذي هو شرطي العالم بدون منازع حتى زمن قريب قرر أن أحد السائقين وهو هنا بشار الأسد قد ارتكب مخالفة، ولا بد من معاقبته بالغرامة والسجن والضرب جميعاً.
لدهشتنا الشديدة انتظرنا الضربة –دون أن نريدها بالطبع، لأنها إنما تسقط على رقابنا العربية والفلسطينية وليس على رقاب غريبة- ولكنها لم تأت. وقد اتضح أن أوباما لم يستطع أن يمرر مشروعه لدى البرلمان الإنجليزي بفضل المواقف الحازمة للروس والصينيين والإيرانيين التي أوضحت أن ما يجري هو نسخة من التمثيلية التي نفذت بحق العراق. وليست مصادفة أبداً أن عضو البرلمان جورج جالاوي يقدم برامج ضد الحرب عبر قناة برس الإيرانية الممنوعة في أوروبا وأمريكا، كما أنه يقدم برامج أخرى في قناة الميادين. كانت خسارة كاميرون مفاجأة كبيرة له ولحليفه أوباما وللعالم أجمع. وبدا بعدها أن الولايات المتحدة لا تعرف الطريق إلى سوريا أبداً. بدا واضحاً أن أوباما محتاج إلى من ينزله عن شجرة ضرب سوريا، وذهب إلى فكرة استفتاء ممثلي الشعب في مجلسي الشيوخ والنواب عله يكسب الوقت ويناور في البحث عن مخرج.
"إن روسيا لن تذهب لقتال أحد فيما يتصل بالصراع في سوريا أو حول سوريا." هكذا أوضح لافروف. ولكن روسيا ستجهز سوريا بما يكفي من السلاح لتلحق أذى كبيراً بالقوات الأمريكية على أمل أن تعمق جراح هذه الإمبراطورية التي تعيش أسوأ لحظاتها منذ تأسيسها أواخر القرن الثامن عشر. وإيران أعلنت من جانبها أنها ستقدم كل ما يمكن من أجل إلحاق الخسائر بالولايات المتحدة وحلفائها. والتزم حزب الله "الأكثر براءة" من حيث دوافعه في الصراع صمتاً بليغاً يخيف إسرائيل وغيرها أكثر من الكلام كله. هنا يبدو أن الحزب على حق: "إذا كان الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب."
تراجعت الولايات المتحدة قليلاً. وفجأة تقدم الروس خطوة أخرى. اقتراح نزع الفتيل نهائياً عن طريق تخلي سوريا عن السلاح الكيميائي. كأن السلاح الكيميائي السوري هو التهديد الأشد خطورة على حاضر البشرية ومستقبلها. كأن القطع الروسية ناهيك عن الأمريكية ليست مدججة بالكيماوي والنووي على السواء. لكن سوريا ليست في وضع تستطيع معه أن تقول نعم أو لا. ولذلك فقد وافق المعلم في المسرحية التي أعدت على عجل في موسكو على الخطة الروسية الإيرانية. ووحده حزب الله لم يبد حماسة ولو بالتظاهر للفكرة. فليس في الفكرة ما هو مستتر أو محتاج إلى تحليل. وحتى عزمي بشارة منظر الديمقراطية وحقوق الإنسان المشهور لا يستطيع أن يقول إن المقصود هو حماية الشعب السوري من الأسلحة الكيميائية، وإنما هو إراحة إسرائيل –المرتاحة بدرجة كبيرة أصلاً- من أية احتمالات مستقبلية لأن تكون عرضة للتهديد السوري. ما حصل ببساطة يصب في خانة إضعاف سوريا أكثر مما هي ضعيفة بالفعل. وفي سياق هذا الضعف ستكون سوريا لفترة ما مقبلة، تطول أو تقصر، في حاجة إلى القطع الروسية الكثيرة المنتشرة قرب سواحلها لكي تحميها، وربما ستكون في حاجة إلى دعم وحماية إيرانيتين: تصغر سوريا مثلما صغرت مصر ومثلما الجزائر والسودان...الخ يتحول العرب إلى قطع صغيرة في ماكينات الآخرين، ربما الاستثناء هو بعض الدول العربية الكبرى من طراز قطر المتمتعة لحسن الحظ بقناة الجزيرة ويوسف القرضاوي وعزمي بشارة وقاعدة العديد، وبفضل هذا الرباعية القطرية إضافة إلى الديمقراطية الأميرية الراسخة سوف ينهض المشروع القومي العربي الذي يبشر به المفكرون القوميون الجدد بثمن بخس هو تدمير أقاليم من قبيل العراق وليبيا وسوريا ومصر والسودان.
من المؤكد أن روسيا قد نجحت في فرض تصوراتها على العالم، ولا بد أن إيران تشارك بفاعلية في هذا المسعى على طريق التحول إلى قوة إقليمية كبرى، ولكن سوريا والعرب عموماً بمن فيهم حزب الله، خسروا على الأرجح المزيد من النقاط وإن كانت لصالح "الحلفاء". ذلك أن أي مبتدئ في السياسة يعلم يقيناً أن الفراغ ممنوع، وأن ذلك في حالتنا يعني أن ضعف سوريا تعوضه قوة روسيا وإيران، إنما على حساب دمشق والعواصم العربية الأخرى. وليس المقصود بالطبع العواصم التي ترى نفسها جزءاً من المشروع التركي- الإسرائيلي – القطري. فتلك عواصم توقفت، على الأقل في مستواها الرسمي، عن التفكير في نفسها بوصفها جزءاً من مشروع عربي من أي نوع. إنها جزء من تحالفات إقليمية أخرى لا يهم أن تكون متناقضة مع الأحلام والمشاريع العربية، لأن بقاء الدولة-بئر النفط والغاز هو محور وجودها الأساس في المستويات المختلفة. لا بد أن روسيا وإيران والصين قد ربحت، ولكن سوريا والعرب لم يربحوا، ومن السخرية بمكان أن ذلك ينطبق بالدرجة ذاتها على المحميات النفطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد يختبران مدى التوافق بين عمار وريم ????


.. بحثا عن غذاء صحي.. هل المنتجات العضوية هي الحل؟ • فرانس 24 /




.. خروج مستشفى الأهلي المعمداني عن الخدمة بعد العملية الإسرائيل


.. إسرائيل قطعت خدمات الاتصالات على قطاع غزة منذ نهاية شهر أكتو




.. أمهات المحتجزين الإسرائيليين ينظمن مسيرة في الكنيست