الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ريشة الجسد

عمر حلال

2013 / 9 / 14
الادب والفن



كانوا معا فوق جبل يطل على المدينة من الأعلى ،المدينة تبدو جميلة في المساء ،وما زاد من جمال المنظر هو عناقهما المتوحد حتى توحدت معهما نبضات القلب إلى درجة الذوبان ، ارتفعت درجة حرارة الجسم وأخذت حالات النفس تتقطع رغم المطر الذي كان يهطل عليهما،فإذا بقبلة مفاجئة أربكت كل حركاتهما وكسرت توقعاتهما في نوعية هذا اللقاء ،هي لم تمانع... ازداد هو أكثر اقترابا لها حتى لا تنفلت منه من جديد وأخذ يمرر شفتيه على كل مناطق وجهها بما في ذلك تلك المنطقة الحساسة تحت العنق ويديه تكاد لا تفارق إجاصتيها ، كأنه يعيد تشكيلها من جديد وفق قواعد تخص طقوس العلاقات الخاصة ،يتحسس جسدها كأنه يلامس قيثارة ما عليه سوى التفاني في حركاته وهمساته ،بحيث أن لكل حركة قانونها الخاص وأن لكل لمسة انفعال يكاد يشبه إشعال النار .
هي لم تملك سوى البكاء ،لأن هذه اللحظة تفترض إما الصمت وإما البكاء ،هي فضلت أن تردف تلك الدمعة الحارقة ،منذ زمان وهي مسجونة في قاعة الانتظار والتأجيل إلى أجل غير مسمى ،دمعة تحكي عن مسارها مع قهر المجتمع ،قررت أن ترمي بكل جسدها في حضنه بلا قيود كأنها تلعن القانون عن قهره لعواطفها الجميلة ، بشفتيها المعسولة ترسم لنفسها مساراً أخر يؤدي إلى الأبدية ...كأنهما يتهكما على المدينة التي ترمي بالعشاق في الهامش ،تدفع بهم إلى الانزواء بحرارتهم في الضفاف ،كأن من قدر الحب أن يولد في الظلام مرهون بالعتمة إلى أن تتلقفه البيت الزوجية لكي تعلن للجميع في حفلة زفاف تنكرية عن نهاية مرحلة العشق وبداية جدية" الحياة المملة ".
ما كان يجول في مخيلتهم أنهما يشيدون للحب بدايته ، كما كان يفترض هو،تريد أن تستفسر عما جرى بينهما لكن سرعان ما يضع شفتيه على شفتيها لكي يقول لها بصوت خفيت جدا :
"إنه الحب يا حبيبتي حينما يأتي لا يستأذن وكذا قبلتنا لم تستأذننا، إنه صوت الملح في جسدنا كان لابد أن نسقي عطش سنوات من الفراغ ".
فترد عليه بحزن :
"لماذا لا نؤجل قدرنا إلى وقت لاحق ،حينما نضمن لأنفسنا وقاء المجتمع ،حينما نقتسم القبل لا كعاشقين بل كزوجين بورقة قانونية تضمن لنا الحلال في كل حركاتنا ؟ "
ينظر لها في صمت يعبر عن خيبة أمله في إقناعها بأن الطبيعة تنبذ التأجيل ،تنفر من اللمسات الجافة ،خاصة في حالتهم هذه ، بل أكثر من ذلك يصر على أن الحب يضمحل حينما نضع أمامه الموانع نجبره على أن ينضبط لقوانين المجتمع ،في الوقت الذي تجهل أن الإنسان صنع القانون لكي يخترقه لا لكي ينضبط له ،تلك قصة الإنسان مع الحب حتى لا يظل جافا كان لابد له أن يسقيه بشيء من الماء المعتق ،لأننا لا نعبر في لحظة الهيجان الانفعالي فقط بالكلمات بل نرتمي في أحضان من نحب لكي نترك الجسد يعبر عما عجز عنه اللسان،نترك العبارات تتمدد في شكل لمسات خفيفة على كل أرجاء مناطق الجسد ،أحيانا ينفلت منا فنسارع إلى القبض عليه كما أنه كلمة هاربة عن مخيلة شاعر فتستعصي القصيدة عن التمام .
كأن المطر تحالف مع تلك الأجواء الرومانسية الجميلة فأبى إلا أن يغتسل جسداهما من كل مآسي الماضي حتى يعيد ترتيب حاضرهما وفق طقوس صوفية تولي الأهمية للتوحد والانجلاء ،لعله يمسح تلك الدموع التي تتقاطر من عيونها ،فالماء يُمسح بالماء ،كما أننا "بالحب ندرك الحب وبالبغض الشديد الحزين ندرك البغض "كما قالها قديما أنبادوقليس .
بلا تردد يبوح لها بأنه لم يعيش قط مثل هذه اللحظة فيما مضى ،تفحصت وجهه جيدا كأنها تقرأ تلك الجمل التي لم يقلها بعد .... سرعان ما شدته من ساعديه وقالت :
" أعدني حبيبي بأن هذه اللحظة ستكون أخير مرة سنعيد فيها نفس الشريط الذي وقع هذا المساء ! "
رد عليها بنظرة عميقة متحاشيا الكلام ،لأنه يعرف إذا ما حاول مشاكستها في منطقها سيفقدها، هذا ما يرفضه هو في تلك اللحظة ،تاركا صمته يعبر لها عن رأيه في وعدها ،لعلها ستفهم يوما قانون الطبيعة وتترك الجسد يعبر عن نفسه بلا قوانين نفرضها عليه من منطق خارج عنه ،أي من العقل ،فالجسد ينزع لكي يتحسس الحياة وفق تقلباتها وإيقاعها بواسطة حدس اللحظة في الوقت الذي يتجه العقل إلى تقليم أظافرها عبر الحساب واختراع المبررات .
بدت كل تفاصيل الاحتمالات تتهاوى على ذهنه ،ربما لها حساسية مع مثل هذه اللحظات ،ربما تذكرت لقاءاتها الأولى مع حبيبها السابق وتمثلت لها نهايتها المأسوية معه لكي تقرر إجهاض حلم هذه بداية قبل أن تحدث تأثيرا أكبر من جديد ،ربما قارنت بين قبلة حبيبها الأول مع باقية القبل المتتالية بعده لكي تجد نفسها في عالم مصطنع حتى في الحميمية خالي من الدهشة الأولى أمام شفتيها ،ربما أوَلت بعضا من إيماءات وجهه لكي تكتشف انه خائن من الطراز الرفيع يتقن اللعب بالكلمات ويحسن السطو على أصحاب العواطف الهاشة مثلـــها ،ربما....ربما لم تتأقلم مع مثل هذه الأجواء وما عليه سوى تقديم لها الإسعافات الضرورية قصد نسيان ما حدث والتفكير في المستقبل .
لكن الظلام أسدل ستاره على يوم ممطر من السماء والنفوس ،مما دفعهم إلى مغادرة المكان بصمت مطبق ،كل يعيد التفكير فيما وقع ،هي تندب نفسها على استسلامها التلقائي كأنه أغواها بشفتيه فأسكرها حتى لم تعد تميز بين الحق والباطل ،بين الخير والشر ،بين الممنوع والمرغوب ...أما هو لازال يتساءل عن سوء تعاملها مع جسدها كي تضع كل هذه الأقفال له إلى أن يأتي الفتح المبين أو تبرير عن عدم قدرته على فك شفرات جسدها والدفع بها نحو الاستسلام أكثر .
انسحب كل إلى حاله تحت ثقل التفكير فيما جرى ،كل يجر الحبل إلى صواب رأيه كأنهما في منازعة خفية بدون الإعلان عنها ،هو الحب حينما لا يجد الفضاء الملائم له قصد التعشيش يكون الجسد أول ضحية يتم الطعن فيه ....هو الجسد كما يتكلم عنه الشاعر حينما يسقيه بالعبارة والإيقاع لكي تتلقفه كلمة لعلها تنفخ فيه الروح من جديد .
حلال عمر -06-02-2013 مدينة بني ملال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه